وأمّا التيمّم للطواف فلم يرد فيه نص ، ومن ثمة وقع فيه الكلام وأنّ التيمّم هل يسوغ لأجله فيقوم مقام الغسل أو الوضوء أو لا يسوغ .
ذهب بعضهم إلى الجواز ، ولعلّ ذلك لما هو المشتهر من أنّ الطواف بالبيت صلاة وبمقتضى دليل التنزيل وإطلاقه يترتب على الطواف جميع الآثار المترتبة على الصلاة الّتي منها جواز التيمّم لها . إلاّ أن هذه الرواية لم تثبت من طرقنا ـ نعم رواها الشيخ (قدس سره) في الخلاف(2) وذيلها «إلاّ أنّ الله أحلّ فيه النطق». ولكن رواها عن ابن عباس عن النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالرواية مرسلة ـ وإنّما هي كلام مشهوري.
نعم لو كان نظر القائل بالجواز إلى جريان السيرة على التيمّم للطواف كان له وجه وجيه ، وذلك للقطع بوجود من هو معذور عن الماء ـ باختلاف أسبابه ـ بين الحجاج على كثرتهم في عصر النّبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ، لبعد أن لا يوجد فيهم من يكون معذوراً عن الماء أصلاً ، ومعه لو لم يكن التيمّم مشروعاً للعاجز عن الماء للطواف وجب عليه أن يستنيب غيره في طوافه ، لعدم تمكّنه منه لعدم كونه على طهارة ، وهذا أمر لم تجر عليه السيرة ولا ورد في دليل ، فنستكشف منه أنّ التيمّم يقوم مقام الغسل أو الوضوء للطواف أيضاً .
وأمّا الوضوءات المستحبّة الّتي لا تكون رافعة للحدث ولا مبيحة للدخول في الصلاة كوضوء الحائض أو الوضوء التجديدي فقد ذهب الماتن إلى أنّ التيمّم يقوم
ـــــــــــــ
(2) الخلاف 2 : 323 مسألة 129 .
ــ[359]ــ
نعم ، لا يكون بدلاً عن الوضوء التهيؤي كما مرّ ، كما أن كونه بدلاً عن الوضوء للكون على الطّهارة محل إشكال ((1)) نعم ، إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه ، لكن يشكل الاكتفاء به لما يشترط فيه الطّهارة أو يستحب إتيانه مع الطّهارة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقامها . وقد يستدل عليه بعموم أدلّة البدلية لأ نّها تقتضي قيامه مقام الوضوء مطلقاً رافعاً كان أم لا ، مبيحاً كان أو غيره .
إلاّ أنّ الصحيح عدم جواز التيمّم بدلاً عن الوضوءات غير الرافعة أو المبيحة وذلك لأ نّه لا دليل لنا ليدل على بدلية التيمّم عن مطلق الوضوء ، وإنّما المستفاد من التعليل الوارد في رواية الركيّة (2) وصحيحة محمّد بن مسلم (3) وغيرهما (4) ـ من أن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد وأن ربّ الماء هو ربّ الأرض ونحوهما من التعبيرات ـ هو أنّ التيمّم بدل عن الوضوء من حيث إنّه طهور لا بما أ نّه وضوء وإن لم يكن طهورا .
ويدل عليه قوله (عليه السلام) : ربّ الماء وربّ الصعيد واحد . لأ نّه لو كان ذلك بملاحظة الوضوء بما هو وضوء لم يكن وجه لتخصيص الصعيد بالذكر ، لأن ربّ الماء وربّ كل شيء واحد فلماذا لم يقل ربّ الماء وربّ الخبز واحد ؟
إذن لا بدّ أن يكون التخصيص بالذكر لجهة جامعة بينهما وهي الطهورية بمعنى أنّ الله الّذي أمر بالطّهارة بالتوضي أو الاغتسال هو الّذي أمر بالتيمّم بالتراب لأجل تحصيلها ، فكما أ نّهما امتثال لأمر المولى سبحانه ، كذا التيمّم امتثال لأمر الله سبحانه ولا خصوصية في طهورية الماء .
ويكشف عن ذلك على وجه الصراحة صحيحة محمّد بن مسلم حيث عقب الجملة المتقدمة بقوله : «فقد فعل أحد الطهورين» . إذن لا وجه لتوهم كون التيمّم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تبعد صحّة بدليّته عنه .
(2) الوسائل 3 : 344 / أبواب التيمّم ب 3 ح 4 .
(3) الوسائل 3 : 370 / أبواب التيمّم ب 14 ح 15 .
(4) الوسائل 3 : 343 / أبواب التيمّم ب 3 ، 23 ، ب 14 ح 17 وغيره .
ــ[360]ــ
بدلاً عن الوضوء في غير الطهور .
وحيث إنّ الوضوءات المستحبّة المذكورة ليست بطهور لعدم كونها مبيحة ولا رافعة فلا دليل على قيام التيمّم مقامها ، وبه يشكل الحكم بجوازه بدلاً عنها وإن صرّح الماتن بصحّته ، فتختص بدلية التيمّم بالوضوءات الرافعة للحدث حقيقة ، كما إذا بنينا على أنّ التيمّم رافع للحدث كما هو الصحيح ، أو تنزيلاً كما إذا قلنا بأ نّه مبيح لأ نّه منزل منزلة الطّهارة حينئذ .
وأمّا الكون على الطّهارة الّذي قوينا استحبابه وقلنا إنّ البقاء على الطّهارة أمر مستحب مرغوب فيه في الشريعة المقدّسة ، لأنّ الله يحب التوابين ويحب المتطـهرين فلا مانع من التيمّم بدلاً عن الوضوء المذكور ، لأ نّه أمر مستحب وطهارة مندوبة على ما بيّنا .
وأمّا الأغسال فلا شبهة في قيام التيمّم مقام الواجب منها ، لأ نّه طهور والصعيد طهور أيضاً ، وأمّا الأغسال المستحبّة كغسل يوم الجمعة ويوم عرفة ونحوهما فهل يقوم التيمّم مقامها ويسوغ الإتيان به بدلاً عنها أم لا يسوغ ؟ نقول :
إنّ هناك جهتين للأغسال المستحبّة : جهة كونها أمراً مستحبّاً في نفسه ومرغوباً فيه في الشريعة المقدّسة . ولا يقوم التيمّم مقامها من هذه الجهة ، لأ نّه إنّما يقوم مقام الطهور من الوضوء والغسل على ما تقدم فهو طهور ترابي بدل عن الماء في الطهورية ، وأمّا بدليته في الاستحباب النفسي فلم تثبت بدليل .
وجهة كون هذه الأغسال مغنية عن الوضوء على ما أسلفنا من أنّ الأغسال المستحبّة تغني عن الوضوء ، بمعنى أ نّها طهور يسوغ الدخول بها فيما هو مشروط بالطّهارة والوضوء ، لقوله (عليه السلام) : أي وضوء أنقى من الغسل (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 247 / أبواب الجنابة ب 34 ح 4 .
|