[ 1151 ] مسألة 13 : إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلِّي به ، وإن فقد الماء أو تجدد العذر فيجب أن يتيمّم ثانياً (3) ، نعم إذا لم يسع زمان الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه وعدم وجوب تجديده ، لكن الأحوط التجديد مطلقاً (4).
ـــــــــــــــــــــــــ (3) لبطلان تيممه السابق بالوجدان ، فلو طرأ عليه الفقدان بعد ذلك فهو موضوع جديد ولا بدّ من أن يتيمّم بسببه ثانيا .
إذا لم يسع زمان الوجدان للطهارة
(4) لأنّ الإصابة الواردة في الأخبار المتقدمة إنّما هي في مقابل قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) (4) وحيث إن معناه عدم التمكّن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً فيكون
ــــــــــــــ
(2) تقدّمت في نفس المسألة [ ص 367 ، 368 ] .
(3) ، (4) النِّساء 4 : 43 ، المائدة 5 : 6 .
ــ[370]ــ
وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت فإنّه لا يحتاج إلى الإعادة حينئذ للصلاة الّتي ضاق وقتها .
[ 1152 ] مسألة 14 : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فإن كان قبل الركوع من الركعة الاُولى بطل تيمّمه وصلاته ، وإن كان بعده لم يبطل ويتم الصلاة(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى الإصـابة هو التمكّن من اسـتعمال الماء عقلاً وشرعاً ، بأن يكون للماء وجود خارجي وتمكّن من استعماله تكويناً بأن لا يكون مريضاً لا يقدر على الحركة أو ممنوعاً عنه من قبل الظالم ونحوه، وشرعاً بأن كان مباحاً ولم يكن استعماله في الوضوء أو الغسل مزاحماً بتكليف آخر .
فإذا أصاب الماء ولم يكن متمكّناً من استعماله تكويناً لقلّة زمان الوجدان كما لو مرّت عليه سيارة تحمل ماءً أو ظفر ببئر ماء ولم يكن عنده أدوات النزح ، أو لم يكن متمكّناً من استعماله شرعاً بأن كان مغصوباً أو في آخر الوقت بحيث لايسع الوضوء أو الغسل ونحو ذلك ، لم ينتقض تيممه لعدم تحقق الغاية الرافعة للطهارة الترابية في حقّه .
وجدان الماء في أثناء الصلاة
(1) قد يكون الوجدان قبل الصلاة وقد يكون بعدها وثالثة يكون في أثنائها .
لا إشكال في أ نّه إذا وجده قبل الصلاة بطل تيممه ، لأنّ الوجـدان ناقض له كما سبق(1) .
كما لا شبهة في أ نّه إذا وجده بعد الصلاة صحّت صلاته ولا تجب إعادتها مطلقاً أو على تفصيل قد قدّمناه(2) ـ وهو ما إذا صلّى آيساً من وجدان الماء وما إذا صلّى مع احتمال إصابته ـ وإنّما يجب أن يتوضأ أو يغتسل للصلوات المقبلة .
وإنّما الكلام فيما إذا وجد الماء في أثناء الصلاة . والمشهور هو التفصيل بين ما إذا وجده بعد الركوع فيمضي في صلاته وهي صحيحة وما إذا وجده قبل الركوع وقبل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 366 .
(2) في ص 326 .
ــ[371]ــ
الدخول فيه فيبطل تيممه وصلاته ، وهذا هو الّذي اختاره الماتن .
وذهب جمع كثير بل نسب إلى المشهور أ نّه متى ما كبّر للافتتاح ودخل في الصلاة لم يجز له الرجوع ، فلا فرق بين وجدان الماء قبل الركوع أو بعده .
وذهب ثالث إلى استحباب القطع ما لم يركع ، وغير ذلك من الأقوال .
ومن المتسالم عليه أنّ الوجدان بعد الدخول في الركوع غير مسوغ لقطعها والرجوع إلاّ من الشاذ النادر ، حيث ذهب إلى أن وجدانه قبل إتمام الركعتين موجب للقطع والرجوع .
ومنشأ الاختلاف بينهم هو الاختلاف في كيفيّة الاستفادة من الأخبار الّتي منها صحيحة زرارة ـ في حديث ـ قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته فانّ التيمّم أحد الطهورين»(1) ودلالتها على التفصيل المتقدم ممّا لا غبار عليه.
وسندها معتبر ، حيث إن لها طرقاً ثلاثة :
أحدها : ما رواه الشيخ(2) عن المفيد عن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الصفار ... ، وهو ضعيف بأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار لعدم ثبوت وثاقته(3) .
وثانيها : ما رواه الكليني(4) عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، وهو مورد المناقشة من جهة محمّد بن إسماعيل ، حيث قيل بتضعيفه وإن لم يكن الأمر كما قيل .
وثالثها : ما رواه الكليني(5) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز ، وهو حسن . فالرواية صحيحة بمعنى المعتبرة الأعم من الصحيحة أو الحسنة أو الموثقة في الاصطلاح .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 381 / أبواب التيمّم ب 21 ح 1 . وتقدم في المسألة 12 [ ص 366 ] ما له ربط في المقام من جهة سند الرواية .
(2) التهذيب 1 : 200 / 580 .
(3) لاحظ المعجم 19 : 27 / 12005 ، فإنّه ذكر أنّ المراد من أحمد في مثل هذا السند هو أحمد ابن محمد بن الحسن بن الوليد .
(4) ، (5) الكافي 3 : 63 / 4 .
ــ[372]ــ
ومن جملة الروايات رواية عبدالله بن عاصم : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته»(1) .
ودلالتها كسابقتها ظاهرة ، وإنّما الكلام في سندها حيث إنّ لها طرقاً ثلاثة :
أوّلها : ما رواه الكليني(2) عن الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الوشاء عن أبان بن عثمان . والحسين بن محمّد هو شيخ الكليني الثقة ويروي الكليني عنه بدون واسطة ، ولكن معلى بن محمّد لم يوثق فالسند ضعيف لأجله .
وثانيها : ما رواه الشيخ(3) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن أبان بن عثمان عن عبدالله بن عاصم . وهو ضعيف أيضاً بالقاسم بن محمّد ، لأ نّه الجوهري وهو ضعيف .
وذكر ابن داود في رجاله أنّ الظاهر أنّ القاسم بن محمّد الجوهري رجلان ، فانّ الشيخ ذكره في موضعين، فعنونه مرّة وعدّه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) وقال: إنّه واقفي ، واُخرى في من لم يرو عنهم . إذن فهو رجلان ، إذ لا يمكن أن يكون شخص واحد من أصحاب الكاظم (عليه السلام) وممّن لم يرو عنهم ، والثّاني موثق فلا بدّ من الحكم بصحّة السند في المقام ، لأ نّه روى عن أبان بن عثمان وبواسطته ولم يرو عن الكاظم (عليه السلام) (4) .
وفيه : أنّ الشـيخ ذكره في ثلاثة مواضـع ، فتـارة ذكره في أصحاب الصـادق (عليه السلام)(5) واُخرى في أصحاب الكاظم (عليه السلام)(6) وثالثة في من لم يرو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 381 / أبواب التيمّم ب 21 ح 2 . والرواية معتبرة ، فان معلى بن محمّد واقع في تفسير القمي رحمه الله [ كما ذكره (قدس سره) في المعجم 19 : 272 ] .
(2) الكافي 3 : 64 / 5 .
(3) التهذيب 1 : 204 / 592 .
(4) رجال ابن داود : 154 / 1219 .
(5) رجال الطوسي : 273 / 3946 .
(6) رجال الطوسي : 342 / 5095 .
ــ[373]ــ
عنهم(1) ، والظاهر أ نّه لا تنافي بين عدّ الرجل من أصحاب إمام وممّن لم يرو عنهم ، إذ المراد من عدّه من أصحابهم أ نّه ممّن صحبهم وأدركهم لا أ نّه روى عنهم ، ويمكن أن يدرك شخص إماماً أو إمامين وأ نّه مِن صَحْبهم أو أكثر ولا يروي عنهم من دون واسطة .
نعم ، في خصوص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذكر الشيخ باب (من روى عنه صلّى الله عليه وآله) لا باب (أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله) . إذن لا شهادة في عدّ الشيخِ الرجلَ في موضعين على تعدّده ، هذا .
على أ نّا لو سلمنا تعدّده فمن أين تثبت وثاقة ثانيهما ، فانّه لم يدلّنا دليل على وثاقته فالسند ضعيف لأجله .
ومنها (2) : ما رواه الشيخ(3) بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن جعفر بن بشير . وهذا السند ضعيف أيضاً ، لأن إسناد الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي لم تثبت وثاقته ، وذلك لأ نّه وإن وثقه النجاشي (قدس سره) (4) إلاّ أنّ الشيخ ذكر في رجاله أن ابن بابويه قد ضعّفه(5) . ومستند تضعيف الصدوق إيّاه هو تضعيف شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد (قدس سره) وإن لم يذكره الشيخ (قدس سره) ، وهو الّذي ضعّف الرجل وتبعه الصدوق كما هو دأبه . وقد أيده شيخ النجاشي عباس بن سامان(6) قائلاً ما مضمونه : إنّ تضعيفه في محلِّه .
وقد تعرّض لذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، حيث ذكر بعد توثيقه : أ نّه كان يروي عن الضعفاء كثيراً ومن ثمة استثنى ابن الوليد جملة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الطوسي : 436 / 6244 .
(2) وهذا هو الطريق الثالث لرواية عبدالله بن عاصم .
(3) التهذيب 1 : 204 / 593 .
(4) رجال النجاشي : 40 / 83 .
(5) رجال الطوسي : 424 / 6110 .
(6) لعلّ الصحيح : أبو العباس بن نوح .
ــ[374]ــ
رواياته، وعدّها النجاشي في كتابه ومن جملتها ما رواه عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي متفرداً به (1) وهو الّذي أيّده شيخ النجاشي (قدس سرهما) .
فإمّا أن يتقدّم التضعيف على توثيق النجاشي لتعدّد المضعِّف، وإمّا أن يتعارضا، وفي النتيجة لايثبت توثيق الرجل فلا يمكن الاعتماد على رواياته ، فما ذكره صاحب المدارك (قدس سره) من أنّ الرواية ضعيفة السند هو الصحيح . فالمعتمد هو الحسنة المتقدمة وحسب .
وبازاء هاتين الروايتين [ روايتان ] :
[ إحداهما ] : رواية محمّد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : يمضي في الصلاة ، واعلم أ نّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت»(2) . نظراً إلى أ نّها تدل على أن وجدان الماء حين الدخول في الصلاة غير موجب لانتقاض التيمّم فلا عبرة بدخوله في الركوع وعدمه .
ويقع الكلام تارة في سندها واُخرى في دلالتها .
الكلام في سند الرواية
أمّا من حيث السند فالظاهر ضعفها ، لتردد محمّد بن سماعة بين محمّد بن سماعة بن مهران الّذي هو ضعيف ، وبين محمّد بن سماعة بن موسى وهو ثقة والد الحسن وإبراهيم وجعفر .
وقد يقال : إنّ اللّفظ ينصرف إلى من هو المعروف من المسمين به ـ كما بيّناه مراراً ـ وحيث إن محمّد بن سماعة بن موسى ثقة جليل فينصرف اللّفظ إليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 348 / 939 .
(2) الوسائل 3 : 382 / أبواب التيمّم ب 21 ح 3 . أمّا الكلام من جهة السند فقد رجع السيِّد الاُستاذ (دام بقاؤه) عمّا ذكره هنا في المعجم [ 17 : 144 ] فبنى على انصراف محمّد بن سماعة إلى ابن موسى الثقة ، وكذلك محمّد بن حمران إلى النهدي الثقة . راجع المعجم 17 : 48 ، وعلى هذا فالسند معتبر .
ــ[375]ــ
وفيه : أن كبرى انصراف الاسم إلى المعروف المشتهر وإن كانت صحيحة إلاّ أنّ المقام ليس من صغرياتها، لأنّ كلا الرجلين مشتهر معروف، والوثاقة وعدمها أجنبيان عن الاشتهار ، فانّ الوثاقة لا تستدعي الانصراف وإنّما المستتبع له هو الاشتهار، هذا .
بل قد يقال بانصراف محمّد بن سماعة إلى ابن مهران ، نظراً إلى التصريح برواية البزنطي عن محمّد بن سماعة بن مهران كثيراً كما لا يخفى على من راجع الأخبار ، وهذا بخلاف محمّد بن سماعة بن موسى ، إذ لم يصرح برواية البزنطي عنه في الأسناد، بل إنّما يوجد أ نّه روى عن محمّد بن سماعة من دون تصريح بابن موسى ، هذا . ولا أقل من أن يكون محمّد بن سماعة مردّداً بين الثقة والضعيف كما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره)(1) ، وهذا كلّه من جهة محمّد بن سماعة .
وأمّا محمّد بن حمران فقد تكلمنا فيه سابقاً وحاصل الكلام فيه هو : أن محمّد بن حمران مردّد بين الثقة والضعيف .
وتوضيحه : أنّ الشيخ تعرض في رجاله ثلاث مرّات لمحمّد بن حمران ، فتارةً عنون محمّد بن حمران بن أعين وعدّه من أصحاب الصادق (عليه السلام)(2) .
وثانية : عنون محمّد بن حمران مولى بني فهر وعدّه أيضاً من أصحاب الصادق (عليه السلام) وصرّح بأن محمّداً هذا غير محمّد بن حمران بن أعين(3) .
وثالثة : عنون محمد بن حمران النهدي وعدّه أيضاً من أصحاب الصادق(4) . وظاهره لو لم يكن صريحه أنّ المسمّين بمحمّد بن حمران ثلاثة أنفار وجميعهم من أصحاب الصادق (عليه السلام) .
وتعرّض لمحمّد بن حمران بن أعين في فهرسته وذكر أن له كتاباً وأ نّه يروي عنه محمّد بن أبي عمير وابن أبي نجران (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 5 : 241 .
(2) رجال الطوسي : 313 / 4651 .
(3) رجال الطوسي : 313 / 4649 .
(4) رجال الطوسي : 281 / 4059 .
(5) الفهرست : 148 / 626 .
ــ[376]ــ
وتعرّض النجاشي في كتابه إلى محمّد بن حمران النهدي ووثقه ، وذكر أنّ له كتاباً ويروي عنه علي بن أسباط (1) .
ولولا تعرّض الشيخ في رجاله للرجل مرّتين وكل في مقابل الآخر الّذي هو كالنصّ في التعدد لجزمنا باتحاد الرجلين ، وذلك لأن للنهدي كتاباً يروي عنه علي بن أسباط على ما صرّح به النجاشي فلا وجه لعدم تعرّض الشيخ له في فهرسته ، لأنه وضعه لذكر فهرست الكتب وأصحابها ، ومن هذا يظن أ نّهما شخص واحد غاية الأمر أنّ الشيخ عنونه باسم أبيه وعنونه النجاشي بلقبه .
كما أنّ النجاشي لم يتعرّض لابن أعين مع أن تأليفه متأخّر عن الفهرست ، لأ نّه ناظر في كتابه إلى الفهرست ويعترض على الشيخ وإن لم يصرّح باسم الكتاب ، وقد ترجم النجاشي الشيخ وذكر في تعداد كتبه كتاب الفهرست(2) . ومع كون الفهرست بين يديه وتصريح الشيخ بأنّ له كتاباً يروي عنه محمّد بن أبي عمير وابن أبي نجران وهما ـ كالمروي عنه ـ من المعروفين المشهورين بين الرواة ولم يتعرّض النجاشي لابن أعين فيظن به أنّ الرجل واحد يعبر عنه بابن أعين تارة ويعبر عنه بالنهدي أي بلقبه اُخرى ، ومن ثمة تعرّض الشيخ لأحد العنوانين وتعرّض النجاشي للآخر وسكت كل منهما عن الآخر .
إلاّ أنّ الجزم بذلك ليس ممكناً ، لتصريح الشيخ بالتعدد على ما بيّناه . إذن فهو متعدد وأحدهما ثقة وهو النهدي والآخر لم يوثق وهو ابن أعين ، فيتردّد محمّد بن حمران الموجود في الرواية بين الثقة والضعيف فلا يمكن الاعتماد عليها . ولا وجه لحملها على النهدي الثقة ، لأنّ الوثاقة لا توجب الانصراف ، وإنّما الموجب له هو الاشتهار وإن كان الراوي ضعيفاً . وكل من الرجل(3) والراوي عنهما معروف مشهور لو لم ندع أن ابن أعين وراوييه ـ ابن أبي عمير وابن أبي نجران ـ أشهر وأعرف .
نعم لو قلنا إن ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة وأثبتنا ذلك حكمنا باعتبار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 359 / 965 .
(2) رجال النجاشي : 403 / 1068 .
(3) لعلّ المناسب : الرجلين .
ــ[377]ــ
الرواية ، ولا يترتب أثر على تردد الراوي بين النهدي وابن أعين ، لاعتبار الرواية على كلا التقديرين . إلاّ أ نّا أنكرنا هذا المبنى كما سبق مراراً ، ومعه لا يمكننا الاعتماد على الرواية ، هذا كلّه بالنسبة إلى محمّد بن حمران . هذا تمام الكلام في سند الرواية .
الكلام في دلالتها
لو أغمضنا النظر عن المناقشة السندية وبنينا على أن محمّد بن سماعة هو ابن موسى الثقة، وأن محمّد بن حمران هو النهدي الثقة فلا يمكننا الاستدلال بالرواية، لعدم دلالتها على المدّعى .
وذلك لأ نّها إنّما تدل على عدم الاعتبار بما قبل الركوع وما بعده بمقتضى إطلاقها لدلالتها على أ نّه إذا وجد الماء وهو داخل في الصلاة مضى في صلاته سواء كان ذلك قبل الركوع أم بعده ، فنقيدها بصحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة الدالّة على التفصيل بين ما إذا وجد الماء قبل الدخول في الركوع وما إذا وجده بعده(1) فانّه مقتضى قانون الإطلاق والتقييد .
وقد يقال بأنّ الرواية صريحة في أن وجدان الماء قبل الركوع لا يوجب انتقاض التيمّم لا أ نّها تدل عليه بالإطلاق فهما متعارضتان ، ولا بدّ معه من حمل الحسنة أو الصحيح على الاستحباب إذا وجد الماء قبل الركوع ، وذلك لتصريح الراوي بأ نّه وجد الماء حين يدخل في الصلاة أي حين شروعه فيها .
إلاّ أنّ هذا التوهم باطل ، لأنّ المراد به هو كون الرجل داخلاً في الصلاة ولا يراد به حال الشروع والدخول ، فان معنى «حين يدخل» حين كونه داخلاً في الصلاة وذلك لئلاّ يناقضه قول السائل قبل هذا : «رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة» . لأ نّه فرض أ نّه دخل في الصلاة وبعد دخوله فيها ، وذلك لمكان «ثمّ» ، فمعنى «يؤتى بالماء ... » أي يؤتى به حال كونه داخلاً في الصلاة ، فلو حمل ذلك على حال الشروع والدخول لكان مناقضاً لقوله : «ثمّ دخل في الصلاة» .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 381 / أبواب التيمّم ب 21 ح 1 ، وقد تقدّمت في ص 371 .
ــ[378]ــ
هذه هي إحدى الروايتين اللّتين استدلّ بهما على أنّ المتيمِّم إذا دخل في الصلاة ثمّ وجد الماء لم تنتقض طهارته سواء كان ذلك قبل الركوع أم بعده ، ولأجلهما حملوا الصحيحة أو الحسنة المتقدمة الدالّة على الانتقاض إذا وجد الماء قبل الركوع على استحباب نقض الصلاة ثمّ الشروع فيها مع الوضوء .
وثانيتهما : صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم أ نّهما قالا لأبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ثمّ أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمّ يصلِّي ؟ قال : لا ، ولكنّه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها ، لمكان أ نّه دخلها وهو على طهر بتيمم» (1) .
وذلك لأ نّها وإن وردت في من أصاب الماء بعد الركعتين إلاّ أنّ العلّة المذكورة في ذيلها تعمم الحكم لما إذا دخل في الصلاة ثمّ وجد الماء قبل الركوع ، لدلالتها على أنّ المدار في وجوب المضي في الصلاة إنّما هو الدخول فيها عن طهر بتيمم ، وحيث إنّها علّة غير قابلة للتخصيص ، فلا بدّ من حمل الحسنة المتقدمة الدالّة على الانتقاض فيما إذا وجد الماء قبل الركوع على الاستحباب كما قدّمنا ، هكذا ذكروا في وجه الاستدلال بها .
ولا كلام في سند الرواية ، لأنّ الصدوق رواها عن زرارة ومحمّد بن مسلم(2) وطريقه صحيح(3) ، نعم طريق الشيخ (قدس سره)(4) ضعيف بأحمد بن محمّد بن الحسن ابن الوليد لعدم ثبوت وثاقته (5) .
وإنّما الكلام في دلالتها. والظاهر أ نّها قابلة للتقييد أيضاً، لأن علل الأحكام الشرعية لا تزيد على نفس الأحـكام بل هي هي ، غاية الأمر أ نّها حكم كبروي ، ومرجع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 382 / أبواب التيمّم ب 21 ح 4 .
(2) الفقيه 1 : 58 / 214 .
(3) الفقيه 4 (المشيخة) : 6 ، 8 .
(4) التهذيب 1 : 205 / 595 .
(5) وقد تقدّم وجود طريق صحيح للشيخ الطوسى (قدس سره) في [ الفهرست : 156 / 694 ]إلى روايات محمد بن الحسن بن الوليد من غير ولده أحمد بن محمد ، فراجع .
ــ[379]ــ
التعليل في الرواية ومعناه : أن من دخل في الصلاة عن طهر بتيمم لم تنتقض صلاته بوجدان الماء بعده ، وهو بمثابته .
ولا شبهة في أن مثله قابل للتقييد ، وليست العلل الشرعية كالعلل العقلية غير قابلة للتخصيص ، فانّ الدور إذا قام البرهان على استحالته لم يمكن تخصيصه بوقت دون وقت كالليل مثلاً ، فان حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد . وأمّا العلل الشرعية فتخصيصها أو تقييدها بمكان من الإمكان .
وليعلم أنّ المراد من أنّ التعليل غير قابل للتخصيص أ نّه آب عنه إذا اُلقي على العرف لا أن تخصيصه غير ممكن ولا كلام في إبائه عن التقييد فلاحظ .
والنقض بالتعليل الوارد في الاستصحاب غير تام ، إذ لا كلام في إمكانه كما مرّ . على أن محل الكلام فيما إذا علّل حكم في مورد وورد في ذلك المورد بخصوصه ما يتوهم تخصيصه ، لا أن يرد حكم في مورد آخر قد يجتمعان ويخصص أحدهما . مع أ نّه يمكن أن يقال فيه بالتقدّم بنحو الحكومة .
وقد وقع نظيره كثيراً ، مثل التعليل الوارد في صحاح ثلاث لزرارة وردت في الاستصحاب كقوله (عليه السلام) : «لأ نّك كنت على يقين من وضوئك ، ولا تنقض اليقين بالشك أبداً»(1) على اختلاف ألفاظه باختلاف الصحاح . مع أ نّا خصّصناه بقاعدتي الفراغ والتجاوز فيما إذا شكّ بعد الصلاة أو في أثنائها .
وبالجملة : إنّ قوله (عليه السلام) : «لمكان أ نّه دخلها وهو على طهر بتيمم» بمثابة أن يقال : من دخل في صلاته بطهر عن تيمّم لم تنتقض صلاته بوجدان الماء بعده . وهو حكم قابل للتقييد ، ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد هو تقييد إطلاق تلكم الصحيحة بحسنة زرارة المتقدِّمة (2) الدالّة على أنّ الداخل في الصلاة بطهر عن تيمّم إذا وجد الماء قبل الركوع انتقضت طهارته وصلاته .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 ، 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ، 44 ح 1 .
(2) في ص 371 .
ــ[380]ــ
لكن الأحوط مع سعة الوقت الإتمام والإعادة مع الوضوء .
|