حكم اجتماع جنب وميت ومحدث بالأصغر إذا لم يكف الماء إلا لأحدهم 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5398


ــ[407]ــ

   [ 1165 ] مسألة 27 : إذا اجتمع جنب وميت ومحدث بالأصغر (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المس لا الجنابة ، وذلك نظراً إلى أن ما أتى به وقصده غير الواقع وما هو الواقع غير مقصود ، هذا .

   ولكن ظهر ممّا بيّناه في المقام وفي بحث تداخل الأغسال خروج المقام عن باب الخطأ في
التطبيق(1) ، لأن مورده ما إذا أتى بذات المأمور به في الخارج واشتبه في خصوصياته وكيفياته ، وهذا كما إذا كانت الصلاة مستحبة في حقّه فأتى بها بقصد وجوبها أو بالعكس ، فانّه اشتباه في التطبيق .

   وأمّا إذا كان المأتي به مغايراً لما هو المأمور به فهو من باب الخطأ في أصل المأمور به واشتباهه بغير المأمور به لا أ نّه خطأ في التطبيق ، وهذا كما لو كان مديوناً لواحد فأعطاه لغيره فانّه لا يكون مجزئاً بوجه ، لعدم كونه إتياناً للمأمور به .

   ومن ذلك الأداء والقضاء والنافلة والفريضة والظهر والعصر وغيرها ، فإذا دخل في الصلاة قاصداً بها الظهر ثمّ انكشف إتيانه بها قبل ذلك وأنّ الواجب عليه هو العصر ، أو أ نّه أتى بركعتين ناوياً بها نافلة الفجر ثمّ ظهر إتيانه بها وأن اللاّزم هو إتيانه بفريضة الفجر فان صلاته لا تقع عصراً ولا فجراً في المثالين ، لأ نّهما حقيقتان متباينتان ، لقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن هذه قبل هذه» (2) وكذلك الأمر في النافلة والفريضة والأداء والقضاء .

   والأمر في المقام كذلك ، لأنّ الأغسال حقائق متباينة مختلفة ، والتيمّم بدلاً عن غسل الحيض لا يقع بدلاً عن غسل المس، وليس هذا من باب الاشتباه في التطبيق، بل من باب الخطأ والاشتباه في تخيل غير المأمور به مأموراً به ، وهذا ظاهر .

    اجتماع الجنب والميت والمحدث بالأصغر

   (1) قد يقال بتقديم الجنب وتيمّم المحدث بالحدث الأصغر والميت، وقد يقال بالتخيير.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ ص 31 ، 303 .

(2) الوسائل 4 : 126 /  أبواب المواقيت ب 4 ح 5 وغيره .

ــ[408]ــ

وكان هناك ماء لا يكفي إلاّ لأحدهم فإن كان مملوكاً لأحدهم تعيّن صرفه لنفسه وكذا إن كان للغير وأذن لواحد منهم ، وأمّا إن كان مباحاً أو كان للغير وأذن للكل فيتعيّن للجنب ((1)) فيغتسل وييمم الميت ويتيمّم المحدث بالأصغر أيضا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والكلام يقع في المقام تارة فيما تقتضيه القاعدة عند ملاحظة النسبة بين الجنب والميت ، وملاحظتها بين الميت والمحدث بالأصغر ، وملاحظتها بين الجنب والمحدث بالأصغر . واُخرى فيما تقتضيه النصوص الواردة في المسألة .

   المقام الأوّل :  إذا دار الأمر بين الجنب والميت فلا يخلو الحال إمّا أن يكون الماء ملكاً للجنب أو الميت أو يكون مقدار منه للميت أو يكون مملوكاً لثالث ، وعلى التقدير الأخير إمّا أن يرخص المالك في التصرف به للجنب خاصّة أو للميت فقط أو يبيح التصرف فيه مطلقاً . وإمّا أن يكون الماء مباحاً من المباحات الأصلية الأوّلية .

   أمّا إذا كان الماء مملوكاً للجنب فلا إشكال في تعين الغسل عليه ، لتمكّنه من الماء في الاغتسال . وقد قدّمنا في محلِّه أ نّه لا يجب على المكلّفين بذل الماء وإنّما الواجب عليهم العمل وحسب(2) ، وحيث إنّه لا ماء لتغسيل الميت به وجب عليهم أن ييمموه .

   وإذا كان الماء مملوكاً للميت وجب تغسيل الميت به ، ويجب على الجنب أن يتيمّم لعدم تمكّنه من الماء والاغتسال .

   وإذا كان الماء مشتركاً بينهما فان تمكّن الجنب من شراء حصّة الميت من وليّه أو وصيّه أو قيّمه أو تُمكن من العكس وجب ، لتمكّنه من تحصيل الماء للغسل الواجب ووجب على الآخر أن يتيمّم أو ييمم . وإذا لم يُتمكّن من أحدهما فلا يجب الغسل على الجنب ولا تغسيل الميت ، لعدم التمكّن من الماء الوافي للاغتسال أو التغسيل فينتقل الأمر إلى التيمّم في كليهما .

   وإذا كان الماء مملوكاً لثالث فلم يأذن بالتصرف فيه لأحدهما فلا كلام في وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال .

(2) شرح العروة 9 : 139 ، 144 ، 3 : 277 .

ــ[409]ــ

التيمّم على الجنب والميت ، وإذا أذن للجنب خاصّة وجب عليه الاغتسال أو أذن للميت وجب تغسيله به ويتيمّم الجنب .

   وإذا أذن للجنب أن يتصرّف فيه كيف شاء أو كان الماء مباحاً أوّلياً فيقع التزاحم حينئذ بين وجوب غسل الجنابة على المكلّف وبين وجوب تغسيل الميت ، لأ نّه واجب عليه أيضاً وجوباً كفائياً ، وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر من الأهميّة أو احتمالها فمقتضى القاعدة أن يكون المكلّف مخيراً بين الأمرين .

   وعين هذا البيان يأتي عند ملاحظة النسبة بين الميت والمحدث بالحدث الأصغر .

   وأمّا إذا دار الأمر بين الجنب والمحدث بالحدث الأصغر فهو مثل سابقيه إلاّ أن المالك إذا أذن لهما في التصرف أو كان الماء مباحاً أوّلياً لم يقع بينهما تزاحم ، إذ لا معنى للتزاحم بين التكليفين المتوجهين إلى المكلّفين ، بل يجب التسابق حينئذ فمن سبق إلى أخذه فهو له ويتمكّن من الماء فيجب عليه الاغتسال أو الوضوء ، وأمّا إيثاره الآخر على نفسه فهو وإن كان يظهر القول به من المحقق الهمداني (قدس سره) (1) إلاّ أ نّه أمر لا وجه له ، فانّه بعد تمكّنه من الماء ووجوب الوضوء عليه لا مسوغ لإيثاره الآخر على نفسه وإن كان الآخر جنباً ومأموراً بالاغتسال ، فيتيمم لا محالة .

   وإذا تساووا في الأخذ لم تجب الطّهارة المائية على الجنب ولا على المحدث بالحدث الأصغر ، لعدم تمكّنهما من الماء ، هذا ما تقتضيه القاعدة .

   وأمّا المقام الثّاني :  فقد استدلّ القائل بتقدم الجنب وتيمّم الميت والمحدث بالحدث الأصغر وجوباً أو استحباباً بصحيحة عبدالرحمن بن أبي نجران : «أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثّاني ميت والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء وكيف يصنعون ؟ قال : يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمّم الّذي هو على غير وضوء ، لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنّة والتيمّم للآخر جائز» (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 509 السطر 29 .

(2) الوسائل 3 : 375 /  أبواب التيمّم ب 18 ح 1 .

ــ[410]ــ

   وروى محمّد بن الحسن بإسناده إلى الصفار عن محمّد بن عيسى عن عبدالرحمن ابن أبي نجران عن رجل حدّثه قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) وذكر نحوه . غير أ نّه قال : ويدفن الميت . ولم يشتمل على لفظة «بتيمم»(1) . وقد ذكروا أن هذه الرواية صحيحة السند ونص في المدعى .

   والكلام يقع في مقامين : في سند الرواية ، وفي دلالتها .

    الأوّل :  في سند الرواية .

   وقد تلقى الأصحاب هذه الرواية بالصحّة ، وعبّر عنها كل من عثرنا على كلامه بالصحيحة . إلاّ أن للمناقشة فيها مجالاً واسعاً ، وذلك لأن الصدوق رواها بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي نجران(2) ، وله طريقان صحيحان إليه :

   أحدهما : عن محمّد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجران(3) .

   وثانيهما : عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد بن عيسى عنه(4) . وقد رواها عن ابن أبي نجران أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) .

   ورواها الشيخ بإسناده عن الصفار الّذي وقع في طريق الصدوق ، ونقل الرواية المتقدِّمة عن الصفار مع الواسطة .

   وللشيخ طريق صحيح إلى الصفار (5) وهو رواها عن ابن أبي نجران أ نّه قال : حدثني رجل قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) ... » .

   وحيث إنّا لا نحتمل تعدد الرواية لاتحاد ألفاظهما بتمامها سوى اشتمال إحداهما على لفظة «بتيمم» بعد قوله : «ويدفن الميت» دون الاُخرى ، وهذا لا يستوجب الحكم بتعدّد الرواية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 1 : 109 / 285 ، الاستبصار 1 : 101 / 329 .

(2) الفقيه 1 : 59 / 222 .

(3) ، (4) الفقيه 4 (المشيخة) : 17 ، 91 .

(5) التهذيب 10 (المشيخة) : 73 .

ــ[411]ــ

   كما أنّ الراوي فيهما هو الصفار عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجـران بناءً على وجود السقط في نسخة الشيخ ، حيث رواها بإسناده عن الصفار عن محمّد بن عيسى لا عن أحمد بن محمّد بن عيسى .

   ومن البعيد جدّاً أن يروي ابن أبي نجران هذه الرواية لأحمد ثمّ هو للصفار تارةً بقوله : «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) »(1) واُخرى بقوله : «حدّثني رجل أ نّه سأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) »(2) بل من المطمأن به أ نّهما رواية واحدة نقلها ابن أبي نجران للراوي عنه بكيفية واحدة مرددة في أ نّها مسندة أو مرسلة ، فبهذا تسقط الرواية عن الاعتبار لا محالة .

   ويدل على ذلك أنّ الشيخ والصدوق (قدس سرهما) صرحا أن ما يرويانه عن أرباب الكتب والمصنفات إنّما يرويانه عن كتبهم لا عن أصحابها بالمشافهة ، فيتعين بذلك اتحاد الرواية ، إذ لا نحتمل أن يروي الصفار في كتابه هذه الرواية مرّتين ، مسندة تارة ومرسلة اُخرى ، بل الرواية واحدة رويت بكيفية واحدة لم تعلم أ نّها هي المسندة أو المرسلة . إذن تسقط الرواية عن الاعتبار كما مرّ .

   ويؤيد ما ذكرناه : أنّ المذكور في الاستبصار(3) والتهذيب(4) وكذا في الوافي(5) إنّما هو أبو الحسن (عليه السلام) فقط ، وإنّما زيد عليه الرضا (عليه السلام) في الوسائل ولعلّه من جهة تعدد النسخ واختلافها ، وأبو الحسن إذا اُطلق فهو منصرف إلى موسى ابن جعفر (عليه السلام) وأي معنى لنقل رواية عنه مسندة ومرسلة .

   على أن ابن أبي نجران من أجلاء الرواة وهو كثير الرواية جدّاً ، وقد عبّر عنه النجاشي بقوله: ثقة ثقة(6) . وأكثر هذه الروايات إنّما هو بطريق عاصم، الراوي لكتاب محمّد بن قيس .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الألفاظ مغايرة لما في المصدر ، لكنه ليس بمهم .

(3) الاستبصار 1 : 101 / 329 .

(4) التهذيب 1 : 109 / 285 .

(5) الوافي 6 : 569 / أبواب التيمّم ، باب أحكام التيمّم ح 32 .

(6) رجال النجاشي : 235 / 622 .

ــ[412]ــ

   وقد ذكروا في ترجمته أ نّه من أصحاب الرضا (عليه السلام)، ولم يثبت دركه موسى ابن جعفر (عليه السلام) ، ولم نعثر على روايته عنه (عليه السلام) بعد الفحص والاستقراء ، نعم له رواية عن الجواد (عليه السلام) رواها في اُصول الكافي 1 : 82 ، 88  ـ على اختلاف الطبعتين ـ  كما أنّ له رواية عن أبي الحسن (عليه السلام) في الجزء الأوّل(1) إلاّ أنّ المراد به الرضا (عليه السلام) لأ نّه كان من أصحابه ، فعلى هذا تنحصر روايته عن موسى بن جعفر بهذه الرواية الواحدة مع كثرة روايته جدّاً .

   وهذا يؤكّد الإرسال وأنّ الصحيح هو نسخة الشيخ وأنّ المراد بأبي الحسن هو موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد رواها عنه بواسطة ، وسقطت تلك الواسطة في كلام الصدوق ، فيحمل كلامه (قدس سره) على هذا النحو لا محالة ، هذا .

   ويدل على اتحاد الرواية أ نّه لا وجه لنقل الرواية مرسلة عن الإمام المتأخر مع كونه راوياً لها مسندة عن الإمام المتقدم عليه ، نعم لو كان الأمر منعكساً بأن كان الإرسال فيما يرويه عن الإمام السابق والإسناد عن الإمام المتأخّر لم يكن التعدّد ببعيد .

   وكيف كان ، فمن المطمأن به كونها رواية واحدة نقلت بكيفية واحدة بل وعن إمام واحد ، ووقع الاشتباه في الإسناد إلى الرضا (عليه السلام) من جهة التعبير بأبي الحسن ، الظاهر في الكاظم (عليه السلام) عند الإطلاق ، وحيث إنّها مردّدة بين الإرسال والإسناد لا يمكننا الاستدلال بها بوجه .

   على(2) أن رواية الصدوق في نفسها ممّا لا يمكننا العمل على طبقها ، وذلك لأنّ الماء المفروض فيها لا يمكن أن يكون ملكاً للجنب ، وإلاّ فلا وجه للتوقف في تقديمه على الميت وغيره ـ كما تقدّم ـ ولا ينبغي السؤال عنه بوجه ، فلا بدّ من فرض الماء مشتركاً بينهم ، ومعه كيف ساغ للمحدث بالحدث الأصغر المتمكّن من الوضوء أن يعطي ماءه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 24 / أبواب مقدّمة العبادات ب1 ح28. ولروايته عن أبي الحسن (عليه السلام) موارد اُخرى . راجع المعجم 10 : 325 .

(2) لعلّ المناسب شروع المقام الثاني من هذه الفقرة .

ــ[413]ــ

للجنب ويتيمّم ، فهل يجوز ذلك في غير مورد الرواية حتّى يجوز فيه ؟ لوضوح أ نّه مأمور بالوضوء ولا يسوغ له التيمّم بوجه ، هذا .

   على أن مفروض الرواية كاد أن يلحق بالمعميات ، لأن فرض اجتماع جنب وميت ومحدث بالأصغر في مورد واحد مع اشتراك الماء بينهم لا يزيد عن حاجة أحدهم أمر لا يكاد يتحقق في الخارج ، لأن غسل الميت مركب من أغسال ثلاثة ، فكيف يمكن فرض الماء وافياً بتلك الأغسال الثلاثة ولا يزيد عنها ولو بكف واحدة يكفي للوضوء فانّه لا يحتاج إلى أزيد من غرفة واحدة من الماء ؟ ففرضه على نحو الدقة بحيث لا يزيد على الأغسال بغرفة ليس له تحقق في الخارج ، بل هو من المعميات فدلالتها مخدوشة أيضاً .

   هذا على أن غسالة الوضوء ممّا لا إشكال عندنا في طهارتها وجواز استعمالها في رفع الخبث والحدث ، ولا مانع من جمعها في إناء ثمّ يغتسل الجنب بها أو يغسل الميت بها ، هذا كلّه .

   على أ نّها معارضة بصحيحة اُخرى عن أبي بصير يأتي التكلم عليها ، حيث دلّت على عكس ما اشتملت عليه الرواية المتقدمة ، لأ نّها رجّحت الوضوء وأمرت الجنب بالتيمّم . فرواية ابن أبي نجران ممّا لا يسعنا الاعتماد عليها بوجه .

    المقام الثّاني :  في دلالة رواية ابن ابي نجران .

   ولم يتضح لنا معنى قوله (عليه السلام) : «لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنّة والتيمّم للآخر جائز» فانّ المراد من جواز التيمّم للآخر إن كان هو المشروعية فهو كذلك في الجنب أيضاً ، لأ نّه يتيمّم عند فقدانه الماء .

   ثمّ إنّ الوضوء مثل الغسل في كونه فريضة ، لاستنادهما إلى نص الكتاب ، نعم غسل الميت سنّة . إذن فما المرجح لغسل الجنابة على الوضوء ؟ وعليه لا يمكن حمل ذلك على التعليل ولا بدّ من حمله على التعبّد المحض .

ــ[414]ــ

    ذكر جملة من الروايات :

   ومن جملة الروايات :  ما رواه أبو بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلاّ ما يكفي الجنب لغسله ، يتوضؤون هم هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤون ؟ فقال : يتوضؤون هم ويتيمّم الجنب» (1)  وهي على عكس الرواية السابقة .

   والظاهر أن سندها صحيح ، لأن وهيب بن حفص وإن كان مردّداً بين الثقة والضعيف إلاّ أنّ الظاهر كونه الثقة في سند الرواية ، لشهادة النجاشي على أنّ الراوي لكتاب وهيب بن حفص هو محمّد بن الحسين(2) مثل ما في هذا السند .

   هذا على أنّ الظاهر أن (وهيب) شخص واحد ، لا أ نّه متعدد أحدهما موثق وثانيهما ضعيف ، وذلك لأن منشأ توهم التعدد أنّ النجاشي عنون وهيب بن حفص الجريري ووثقه وقال فيه : إن له كتباً ، وعدّ جملة منها وقال : يرويها عنه محمّد بن الحسين، فقال النجاشي: أو النخاس ، ذكره سعد (3) ـ أي سعد بن عبدالله الأشعري  ـ فتوهّم من هذه العبارة أنّ النخاس غير الجريري ، وأنّ النجاشي قد وثق الجريري دون النخاس .

   ولكن الصحيح أنّ الأمر ليس كما توهم ، بل مراد النجاشي من قوله : ذكره سعد أن توصيف وهيب بن حفص بالنخاس مذكور في كلام سعد لا أ نّه شخص آخر ذكره سعد . فهو رجل واحد قد يذكر موصوفاً بالنخاس كما ورد في كلام سعد بن عبدالله وقد يذكر من دون توصيفه بالنخاس .

   ويدل على ذلك أنّ الشيخ ذكر في فهرسته وهيباً ووصفه بالنخاس(4) ولم يذكر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 375 /  أبواب التيمّم ب 18 ح 2 .

(2) لاحظ رجال النجاشي : 431 ، حيث لم ترد فيه هذه الشهادة ، نعم ذكر ذلك الشيخ في الفهرست : 173 / 758 .

(3) رجال النجاشي : 431 .

(4) لاحظ الفهرست : 173 / 758 .

ــ[415]ــ

غيره . ووجه دلالته : أ نّه من البعيد غايته بل لا معنى لتعرضه إلى غير الموثق مع ترك التعرّض للموثق الّذي هو صاحب الكتب والمؤلفات .

   كما أنّ الشيخ لم يتعرّض في رجاله إلاّ إلى وهيب بن حفص الجريري (1) وذكر أنّ الراوي عنه سعد بن عبدالله ومحمّد بن الحسين ولم يتعرّض لغيره ، فلو كان هناك شخص ثان مسمّى بهذا الاسم لذكره ، فان كتابه موضوع لذكر الرواة وعدّ الرجال ولا وجه لتركه .

   ودعوى أنّ الشيخ لعله لم يقف على وهيب النخاس ولذا لم يتعرّض له في كتاب رجاله ، مدفوعة بأنّ الشيخ بنفسه روى في التهذيب رواية عن وهيب الموصوف بالنخاس(2) فهو عالم به ، ولو كان شخصاً ثانياً غير وهيب المطلق لذكره .

   فتحصّل : أنّ كلام الشيخ (قدس سره) في فهرسته وفي رجاله قرينتان على وحدة الرجل فقد يطلق الاسم وقد يقيّد بالنخاس .

   ويؤيده أنّ المسمّى بهذا الاسم ـ وهيب ـ قليل غايته ولعلّه لا يتجاوز ثلاثة أشخاص ، فإذا قيّد الاسم بابن حفص تضيق وصار أقل ، ومع ملاحظة كونه في طبقة واحدة مع غيره المسمّى بهذا الاسم يبعد جدّاً كونه متعدداً ، فالظاهر أنّ الرجل واحد وهو موثق . فالرواية صحيحة وقد دلّت على ترجيح الوضوء وتيمّم المجنب .

   ومن جملة الروايات :  ما رواه الحسن التفليسي قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما ماء يكفي أحدهما أ يّهما يغتسـل ؟ قال : إذا اجتمعت سنّة وفريضة بُدئ بالفرض» (3) .

   ومفروضها وإن كان أمراً متصوراً وقد يتحقق خارجاً ، لأن غسل الجنابة يحتاج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ رجال الطوسي : 317 .

(2) التهذيب 8 : 23 / 74 . والوارد فيه : وهب بن حفص النخاس ، لكن السيِّد المقرَّر له يرى في المعجم 20 : 227 / 13215  أنّ الصحيح هو وهيب .

(3) الوسائل 3 : 376 /  أبواب التيمّم ب 18 ح 3 .

ــ[416]ــ

إلى ماء زائد ـ ليس بمقدار ما يحتاجه الوضوء ـ وقد لا يكون مجموع الماء وافياً لكل من غسل الجنابة وغسل الميت ، إلاّ أن ضعف سندها لا يبقي مجالاً للتكلم في دلالتها فان الحسن التفليسي لم يوثق إلاّ بناءً على اتحاده مع الحسن بن النضر الأرمني كما احتمل ويأتي الكلام عليه في الرواية الآتية إن شاء الله .

   ومنها :  ما رواه الحسين بن النضر الأرمني قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما ، أ يّهما يبدأ به ؟ قال : يغتسل الجنب ويدفن الميت ، لأنّ هذا فريضة وهذا سنّة» (1) .

   وهي ضعيفة سنداً أيضاً ، لأنّ الحسين بن النضر الأرمني لم يوثق ، نعم قد يحتمل أ نّه الحسن بن النضر لا الحسين ، وأ نّه هو الحسن التفليسي بقرينة اتحاد الروايتين مضموناً وكون تفليس مركز الأرامنة .

   وفيه : أ نّا لو سلمنا اتحادهما لا يمكن الاعتماد على الرواية أيضاً ، لعدم ثبوت وثاقة الحسن بن النضر الأرمني ، نعم ذكر الكشي أنّ الحسن بن النضر ـ من دون توصيفه بالأرمني ـ كان من أجلاء أصحابنا ومن أصحاب العسكري (عليه السلام) (2) لكن لم يثبت كون مقصوده هو هذا الحسن الواقع في سند الرواية ، لأ نّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وإن أمكن بقاؤه حياً إلى زمن العسكري (عليه السلام) ، إلاّ أن ثبوت اتحادهما يتوقف على الدليل وهو مفقود .

   ومنها :  رواية محمّد بن علي عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلاّ بقدر ما يكتفي به أحدهما ، أ يّهما أولى أن يجعل الماء له ؟ قال : يتيمّم الجنب ويغسّل الميت بالماء» (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 376 /  أبواب التيمّم ب 18 ح 4 .

(2) رجال الكشي : 535 / 1019 .

(3) الوسائل 3 : 376 /  أبواب التيمّم ب 18 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net