ــ[431]ــ
الاُولى : ما إذا كانت اللّفظة على مواضع التيمّم بحيث لا مناص له من مسّها اغتسل أو توضأ أو تيمّم .
الثّانية : ما إذا كانت اللّفظة المنقوشة على غير مواضعه كما لو كانت فوق الزند بحيث لا يقع عليها المس لو تيمّم .
الصورة الاُولى :
ذكر الماتن (قدس سره) فيها أنّ الأمر لا ينتقل إلى التيمّم ، لأنّ الغرض منه أن لا يقع المس على اللّفظة ، فإذا فرضنا أ نّه واقع عليها لا محالة فلا موجب للانتقـال إليه بل ذكر أن حرمة المس ساقطة حينئذ فيتعيّن عليه أن يتوضأ أو يغتسل وإن استلزم ذلك المس .
وما أفاده (قدس سره) من عدم انتقال الأمر إلى التيمّم وإن كان صحيحاً ، لأنّ المقصد منه هو الفرار عن المس ومع كونه في المس مثل الوضوء فلا مسوغ له ، إلاّ أن ما أفاده من سقوط حرمة المس حينئذ وتعين الغسل أو الوضوء عليه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، بل الصحيح وجوب الاستنابة حينئذ ، لأنّ المباشرة في الطهارات إنّما هي معتبرة في حال التمكّن منها لا مطلقاً ، وحرمة المس كافية في المانعية وسلب قدرة المكلّف عن المباشرة شرعاً .
نعم الأحوط حينئذ هو الجمع بين الاستنابة والغسل أو الوضوء بالمباشرة بعد التسبيب ، لأنّ المس فيهما متأخراً عن الطّهارة التسبيبية جائز قطعاً إمّا لأن وظيفته الاستنابة وقد حصلها فهو متطهر ، والمس بعدها يقع في حال الطّهارة دون الحدث وإمّا لأن وظيفته الغسل أو الوضوء بالمباشرة لسقوط حرمة المس حينئذ .
الصورة الثّانية :
وهي ما لو كان اسم الجلالة أو آيات الكتاب في غير مواضع التيمّم . فقد يحتمل فيها وجوب التيمّم ليكون متطهراً حتّى يغتسل أو يتوضأ بعد ذلك ، لعدم تمكّنه منهما من دون تيمّم ، لأ نّهما يستلزمان المس المحرم فيتيمم لأجل الطّهارة حتّى يتمكّن به منهما .
ــ[432]ــ
وقد ذكروا نظيره في الجنب إذا كان اغتساله مستلزماً للمكث في المساجد أو الاجتياز من المسجدين فيما كان الماء في المسجدين أو المساجد ، حيث قالوا : إنّه يتيمّم لدخول المسجد أو المكث فيه فيكون متطهراً وبعد ذلك يدخل المسجدين أو يمكث في المساجد لكي يغتسل .
ويدفعه : ما ذكرناه هناك من عدم جواز التيمّم حينئذ لاستلزام جوازه الدور(1) وكذلك الأمر في المقام ، لأنّ التيمّم إنّما يكون مشروعاً فيما إذا كان المكلّف مأموراً بالغسل أو الوضوء ، مع المس بالمباشرة ليقال إنّه إذا لم يتمكّن من الماء يتيمّم بدلاً عن الطّهارة المائية ، فلو توقّف جواز الطّهارة المائية على مشروعية التيمّم لدار .
إذن لا يشرع له التيمّم حينئذ ولا سيما مع كونه واجداً للماء في نفسه وإن لم يكن واجداً له بالنسبة إليهما . فهذا الاحتمال ساقط .
ثمّ إنّ المسألة تدور بين احتمالات ثلاثة :
أحدها : أن تكون هذه المسألة ملحقة بتلك المسألة ، فنقول بأ نّه يتيمّم للصلاة لفقدانه الماء وعدم تمكّنه من الطّهارة المائية لاستلزامها المس الحرام ، كما قلنا به في تلك المسألة .
ثانيها : أن يقال بوجوب الغسل والوضوء في حقّه وسقوط الحرمة عن المس كما ذهب إليه الماتن (قدس سره) .
ثالثها : أن تجب عليه الاستنابة فيغتسل أو يتوضأ من دون مباشرة .
ومقتضى الاحتياط في المسألة هو الجمع بين تلكم الوجوه ، بأن يتيمّم أوّلاً ثمّ يتوضأ أو يغتسل بالتسبيب ثمّ يغتسل أو يتوضأ بالمباشرة ، لأ نّه يستلزم القطع بإباحة الصلاة في حقّه ، لأ نّه إمّا مأمور بالطّهارة الترابية لعدم تمكّنه من الماء لاستلزامه المس الحرام وقد أتى بالتيمّم ، وإمّا هو مأمور بالطّهارة المائية مع سقوط قيد المباشرة أو بقيدها وقد أتى بهما .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 6 : 342 .
ــ[433]ــ
وإذا كان ممّن وظيفته التيمّم وكان في بعض مواضعه وأراد الاحتياط جمع بين مسـحه بنفسه والجبيرة والاسـتنابة ، لكن الأقوى ـ كما عرفت ـ كفاية مسـحه وسقوط حرمة المس حينئذ .
تمّ كتاب الطّهارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلاّ أنّ الأقوى ـ على ما ظهر ممّا قدّمناه ـ تعين الاستنابة عليه ، لأنّ المباشرة إنّما هي معتبرة في حال التمكّن منها ، وكفى بحرمة المس أن تكون مانعة عن المباشرة ، إذ بها تكون المباشرة ممتنعة شرعاً ، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فتسقط شرطية المباشرة فيجب عليه الاغتسال والتوضي بالاستنابة .
وهكذا الكلام في كل مورد دار الأمر فيه بين التيمّم والطّهارة المائية مع التسبيب .
والسر فيه : أنّ مقتضى ما دلّ على حرمة المسّ على المحدث (1) ثبوت الحرمة على نحو الإطلاق ، إذ لا مخصص لها في المقام كي نلتزم بعدم حرمة المس حينئذ ، ومع ثبوت الحرمة لا يتمكّن المكلّف من الطّهارة المائية بالمباشرة ، وبهذا يظهر عدم وصول النوبة إلى التيمّم لتمكّن المكلّف من الطّهارة المائية مع الاستنابة فيتعيّن عليه ذلك حينئذ ، ولا يبقى لاحتمال وجوب التيمّم في حقّه مجال ، كالمسألة المتقدمة فيما إذا كان الماء في المسجد وكان المكلّف جنباً ويستلزم اغتساله المكث في المسجد .
ولا يبقى لاحتمال سقوط الحرمة عن مسّ المحدث مجال كما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، هذا كلّه إذا كانت الاستنابة مقدورة له .
وإذا لم تمكنه الاستنابة أو كانت حرجاً عليه في مورد فلا شبهة في انتقال الأمر إلى التيمّم ، لأنّ حرمة المس ثابتة على وجه الإطلاق ، ولا مخصص لها في المقام ، ومعها تمتنع عليه الطّهارة المائية بالمباشرة أو الاستنابة فينتقل أمره إلى التيمّم لا محالة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 383 / أبواب الوضوء ب 12 ، 2 : 214 / أبواب الجنابة ب 18 .
ــ[434]ــ
هذا تمام الكلام في كتاب الطّهارة .
ولله الحمد أوّلاً وآخراً وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين ، وقد آل الأمر بنا إلى هنا يوم الأربعاء 18 شعبان ـ 1384 في زاوية المدرسـة الخـليلية الكبرى في النجف الأشرف على مشرفها آلاف التحيّة والثناء .
|