ــ[41]ــ
وثانياً : بقصور الدلالة بنحو ما مرّ في الصحيحة ، فان قوله (عليه السلام) : «فان له رخصة» بيان للترخيص الثابت من قِبل الله تعالى الذي هو حكم من الأحكام ، لا أنه إعمال لحقه المختص به (عليه السلام) .
وأما رواية اسحاق ، فمضافاً إلى ضعف سندها بمحمد بن حمزة بن اليسع ومحمد بن الفضيل حسب نقل صاحب الوسائل ، لترددهما بين الموثق وغيره ، قاصرة الدلالة أيضاً ، فانّ ظاهر الإسناد في قوله : «فقد أذنت له» وإن كان إلى الامام إلا أنه ليس بما هو إمام بل بما هو مبيّن للحكم الالهي ويفرغ عن لسان الشارع المقدّس ، نظير ما يقوله المجتهد للمستفتي : أذنت لك في كذا ، أو لا آذن أن تفعل كذا ، فان الجميع بيان عن الحكم الثابت في الشريعة المقدّسة ، ولا خصوصية للامام أو المجتهد بما هو كي يكشف عن الحق والاختصاص .
وقد تلخّص من جميع ما تقدّم عدم اشتراط اقامة الجمعة بالاذن الخاص ، لضعف مستند القائلين بالاشتراط ، فلا فرق في مشروعيتها بين عصري الحضور والغيبة عملاً باطلاق الأدلة ، كما أنها غير واجبة تعييناً ، لقيام الدليل على العدم كما مرّ مستقصى . ونتيجة ذلك هو الوجوب التخييري على التفصيل الذي تقدم ، هذا كله بحسب ما تقتضيه الأدلة الاجتهادية .
وأمّا بالنظر إلى الأصل العملي فنقول : لو أغضينا النظر عن كل ما ورد في صلاة الجمعة من دليل يقتضي الوجوب تعييناً أو تخييراً أو الحرمة وفرضناها كأن لم تكن ، فتخرّجنا من المسألة ولمّا نجزم بشيء ، فالمرجع حينئذ هي العمومات أو الاطلاقات الدالة على وجوب سبع عشرة ركعة على كل مكلف في كل يوم ، ونتيجة ذلك تعين الظهر يوم الجمعة كسائر الايام .
ولو فرضنا التشكيك في ذلك ، لعدم ثبوت عموم أو إطلاق في تلك الأدلة فلا محالة ينتهي الأمر إلى الأصل العملي ، وصور الشك حينئذ أربع:
الاُولى : أن يتردد الأمر بين وجوب الجمعة تعييناً أو تخييراً بعد الجزم بأصل
ــ[42]ــ
المشروعية ، والمرجع حينئذ أصالة البراءة عن تعيّن الجمعة ، لاندراج المقام في كبرى الدوران بين التعيين والتخيير ، والمختار فيها الرجوع إلى البراءة العقلية والنقلية ، للعلم بجامع الوجوب والشك في خصوصية زائدة مدفوعة بالأصل كما حرّر في الاُصول(1) .
الثانية : أن تتردد بين الحرمة والوجوب مع القطع بعدم التعيين على تقدير الوجوب ، فيكون الدوران بين الحرمة والوجوب التخييري ، والحال فيه كما مرّ ، إذ احتمال الحرمة مساوق لاحتمال تعيّن الظهر ، فيدور الأمر بين وجوبها التعييني والتخييري ، والمرجع هي البراءة عن التعييني كما عرفت .
الثالثة : أن يدور الأمر بين كل من الحرمة والوجوب التعييني والتخييري ، وهذه الصورة أيضاً كسابقتيها في الاندراج تحت تلك الكبرى ، لدوران الأمر حينئذ بين تعيّن كل من الظهر أو الجمعة والتخيير بينهما ، فيرجع إلى البراءة عن التعييني ، غايته من الطرفين ، ونتيجة ذلك هو الوجوب التخييري أيضاً .
الرابعة : أن تتردد الجمعة ـ بعد القطع بعدم الوجوب التخييري ـ بين الحرمة والوجوب التعييني ، والمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، للعلم الاجمالي بالتكليف والشك في المكلف به ، فيجب الجمع بين الظهر والجمعة تحصيلاً للقطع بالفراغ عن التكليف المعلوم .
هذا فيما إذا لم يتيقن بوجوب الجمعة في زمن الحضور تعييناً ، وأما مع اليقين به واحتمال انقلابه إلى التخيير أو الحرمة في زمن الغيبة ، فالمرجع هو الاستصحاب بناءً على ما هو المشهور من جريانه في الشبهات الحكمية ، وأما على ما هو التحقيق من المنع فالاستصحاب ساقط في المقام ، والمرجع هو ما ذكرناه على التفصيل الذي عرفت .
هذا تمام الكلام في صلاة الجمعة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاصول 2 : 456 .
|