ــ[59]ــ
[1176] مسألة 1 : يجب الاتيان بالنوافل ركعتين ركعتين (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المشهور اعتبار التسليم بين كل ركعتين من النوافل ، فلا يجوز الاتيان بها ركعة واحدة ـ إلا الوتر ـ ولا أكثر من ركعتين ما عدا صلاة الأعرابي التي هي أربع ركعات بتسليمة واحدة ، فيعتبر في غيرهما الاتيان بالنوافل مطلقاً ركعتين ركعتين .
وقد ادعي الاجماع على ذلك ، واستشكل في ذلك المقدّس الأردبيلي فأنكر الاشتراط المزبور عملاً باطلاق الأدلة(1) .
وغير خفي أنّ دعوى الاجماع في مثل المقام مع الاطمئنان أو الظن ولا أقل من احتمال استناد المجمعين إلى أمارة أو اصل ـ كما سيجيء ـ موهونة جداً ، إذ معه لا يبقى وثوق بكونه إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) الذي هو المناط في حجيته .
وكيف كان فيستدل للمشهور بطائفة من الروايات:
الاُولى : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ ؟ قال : لا إلا أن يسلّم بين كل ركعتين»(2) .
ونوقش فيها سنداً تارة: بأن في الطريق عبدالله بن الحسن ولم يوثق ، ودلالة اُخرى : بأن غاية ما يستفاد منها عدم جواز الاتيان بأكثر من ركعتين قبال ما زعمه السائل من جواز الأربع ، ولا دلالة فيها على نفي الركعة .
أقول : المناقشة الاُولى في محلها ، فان عبدالله بن الحسن مع كونه ذا نسب شريف وحسب أصيل مجهول لم يتعرض له في كتب الرجال كما أشرنا إليه سابقاً ، ولأجله لم نعتمد على كتاب الأشعثيات لوقوعه في الطريق .
ــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الفائدة والبرهان 3 : 42 .
(2) الوسائل 4 : 63 / أبواب اعداد الفرائض ب 15 ح 2 .
ــ[60]ــ
وأما المناقشة الثانية : فيمكن الذبّ عنها بأن المستثنى منه في قوله (عليه السلام) «لا إلا أن يسلّم . .» الخ لا يمكن أن يراد به خصوص الأربع الواقع في السؤال ، لامتناع استثناء الفرد عن الفرد ، فلا مناص من أن يراد به مطلق الكيفية التي يمكن إيقاع النافلة عليها من الركعة والثنتين والثلاث وهكذا ، كي يصح الاستثناء ، فيتجه الاستدلال حينئذ كما لا يخفى ، فالانصاف عدم قصورها إلا من حيث السند كما عرفت .
الثانية : ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز بن عبدالله عن أبي بصير قال : «قال ابو جعفر (عليه السلام) في حديث : وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم»(1) .
ونوقش في سندها بجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز ، إذ لم يدركه بنفسه كي يحتمل نقله عنه بلا واسطة ، وحيث إن تلك الواسطة مجهولة فهي في حكم المرسل .
ويندفع : بأن ابن ادريس ممن لا يعمل بأخبار الآحاد . وعليه فلا يحتمل أن تكون الواسطة شخصاً واحداً مجهولاً كي تكون الرواية في حكم المرسل ، بل طريقه إلى الكتاب إما ثابت بالتواتر أو أنه محفوف بالقرائن القطعية الموجبة للجزم بصحة الطريق لدى كل من اطلع عليها . وبذلك تخرج الرواية عن الارسال كما لا يخفى(2) .
نعم ، لو كان الراوي غير ابن ادريس ممن يعمل بأخبار الآحاد اتجه الاشكال .
وبالجملة : بعد ملاحظة مسلكه (قدس سره) في حجية الأخبار لا وقع للمناقشة في سند الرواية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 63 / أبواب اعداد الفرائض ب 15 ح 3 ، السرائر (المستطرفات) 3 : 585 .
(2) ولكنه (طاب ثراه) عدل عن هذا المبنى أخيراً كما أوعزنا إليه في مطاوي هذا الشرح .
ــ[61]ــ
نعم ، يرد على دلالتها أوّلاً : أن غايتها نفي مشروعية الزائد على الركعتين ولا دلالة لها على نفي الركعة الواحدة .
وثانيها : أنها لا تصلح لتقييد المطلقات التي استند إليها المقدّس الأردبيلي في جواز الاتيان بالنوافل ركعة أو أكثر من ركعتين ، لاختصاص صناعة الاطلاق والتقييد بباب الواجبات ، وأما المستحبات فالقيد فيها محمول على أفضل الأفراد لبناء الأصحاب على الالتزام فيها بتعدد المطلوب كما تسالموا عليه في الاُصول ، وعليه فلا دلالة للرواية على عدم مشروعية الزائد على الركعتين أو الناقص عنهما ، لابتنائه على التقييد المزبور الممنوع في أمثال المقام ، بل غايته كون الركعتين أفضل من غيرهما .
الثالثة : رواية الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) «قال : الصلاة ركعتان ركعتان ، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى»(1) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند من جهة عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد القتيبي الواقعين في طريق الصدوق إلى الفضل كما مرّ الكلام فيهما مستقصى(2) ، أنها قاصرة الدلالة أيضاً ، لانصرافها عن النوافل التي هي محل الكلام ، بقرينة ذكر الأذان المختص بالفرائض اليومية ، فلا يناسب التعليل إلا لتلك الصلوات التي كانت في أصل التشريع ركعتين ركعتين وقد زيدت الأخيرتان بعد ذلك ، فكان كل واحد من فصول الأذان التي هي مثنى بازاء ركعة من الفرائض .
وعليه فالرواية أجنبية عن النوافل غير المشروع لها الأذان رأساً .
فتحصل : أن شيئاً من الروايات لا دلالة لها على مسلك المشهور ، لقصورها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 64 / أبواب أعداد الفرائض ب 15 ح 5 ، عيون أخبار الرضا (ع) 2 : 105 .
(2) في ص 51 .
ــ[62]ــ
وأما المطلقات التي استند إليها الأردبيلي فيما مال إليه من جواز الاتيان بأقل من الركعتين أو الأكثر ، وهي إطلاق ما دل على استحباب صلاة إحدى وخمسين ، أو استحباب التنفل للظهر ثمان ركعات وهكذا .
فيرد عليه : أن تلك الروايات ليست في مقام البيان إلا من ناحية العدد والكمية المعتبرة في النوافل ، ولا نظر فيها إلى كيفياتها حتى ينعقد الاطلاق ، ومن هنا لا يصح التمسك بها لنفي سائر الجهات كما لعلّه واضح جداً .
فاتضح أنّ شيئاً من القولين لا يمكن الاستدلال له بالأدلة الاجتهادية .
|