ــ[112]ــ
وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العصر هو لازم الانبساط والتقسيط المزبور ومن مقتضياته بطبيعة الحال ، فلا جرم ينتهي بذلك وقت الظهر ويتعين صرف الوقت في العصر . وتعضده النصوص الواردة في الحائض الناطقة بأنّها تصلي العصر إذا طهرت عنده كما تقدم .
(1) لا إشكال كما لا خلاف في أن مبدأ وقت صلاة المغرب هو الغروب ـ على الخلاف في تفسيره باستتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى(1) ـ وتدل عليه جملة وافرة من الأخبار التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : « . . . وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة»(2) .
والكلام في اختصاص أوّله بمقدار ثلاث ركعات للمغرب ، وآخره بمقدار أربع ركعات للعشاء هو الكلام المتقدم في الظهرين ، وسيأتي البحث عنه مستوفى عند تعرض الماتن له .
وكيف ما كان ، فوقت المغرب من حيث المبدأ لا كلام لنا فيه ، وإنما الكلام في منتهاه ، فالمعروف والمشهور امتداده إلى نصف الليل .
وعن بعض علمائنا ـ كما في محكي المبسوط(3) ـ إلى طلوع الفجر وإن حرم التأخير عن النصف .
وعن المحقق في المعتبر اختصاص الامتداد المزبور بالمضطر(4) وهو أول من ذهب إلى هذا القول كما صرح به في الحدائق قال : وتبعه صاحب المدارك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 165 .
(2) الوسائل 4 : 183 / أبواب المواقيت ب 17 ح 1 .
(3) المبسوط 1 : 75 .
(4) المعتبر 2 : 40 .
ــ[113]ــ
وشيّده(1) وقد تبعه في هذا القول جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالباً انتهى(2) .
وعن الشيخ في الخلاف(3) وابن البراج(4) : أنه غيبوبة الشفق مطلقاً .
وعن ابي الصلاح(5) وابن حمزة(6) ان ذلك للمختار ، أما المضطر فيمتد إلى ربع الليل .
وعن المفيد(7) وابن بابويه(8) اختيار هذا التفصيل ، لكن بالاضافة إلى الحاضر والمسافر بدلاً عن المختار والمضطر .
والصحيح ما عليه المشهور. ويدلنا عليه قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(9) بضميمة صحيح زرارة الوارد في تفسيره من أن أربع صلوات فيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل ، أي منتصفه(10) ، وبعد القطع الخارجي بعدم جواز تأخير الظهرين عن الغروب ، ولا تقديم العشاءين عليه يعلم بأنّ منتهى وقتهما هو منتصف الليل ، وبما أن الخطاب متوجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كوظيفة مقررة على جميع المسلمين وطبيعي المكلفين من غير اختصاص بطائفة دون اُخرى ، فلا سبيل لحمله على خصوص المعذورين والمضطرين .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 3 : 54 .
(2) الحدائق 6 : 176 .
(3) الخلاف1 : 261 .
(4) شرح جمل العلم والعمل : 66 .
(5) الكافي في الفقه : 137 .
(6) الوسيلة : 83 .
(7) المقنعة : 93 ، 95 .
(8) الفقيه 1 : 141 .
(9) الإسراء 17 : 78 .
(10) الوسائل 4 : 10 / أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 1 .
ــ[114]ــ
وعليه ، فلو وردت رواية تامة السند والدلالة وقد دلت على امتداد الوقت إلى ذهاب الشفق أو غيره من التحديدات الواردة في المقام لم يكن بدّ من حملها على الأفضلية ـ كما صنعنا مثل ذلك في النصوص الواردة في تحديد وقت الظهرين بمقدار القدم والقدمين وما شاكل ذلك ـ لا أن يحمل على خروج الوقت بذلك ، أو أن التأخير يحرم وإن لم يخرج الوقت ، أو يحمل على طائفة دون اُخرى ، بل يلتزم بالاختلاف في مراتب الفضل ، فالأفضل الاتيان ما بين الغروب إلى غيبوبة الشفق ، ودونه في الفضيلة إلى ربع الليل ، ودونه إلى ثلثه ، وما بعده إلى منتصف الليل هو وقت الاجزاء .
ويعتضد ذلك بما ورد من أنه «لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما»(1) وما ورد من «إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها»(2) وما ورد عنهم (عليهم السلام) من أنهم ربما كانوا يؤخرون الصلاة ويرخّصون في تأخيرها بأدنى عذر(3) .
وأما مقالة الشيخ في الخلاف وابن البراج من امتداد الوقت إلى ذهاب الشفق فيستدل له بصحيحة زرارة والفضيل قالا : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إن لكل صلاة وقتين غير المغرب فان وقتها واحد ، ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها سقوط الشفق»(4) .
وتقريب الاستدلال بها من وجهين:
أحدهما : من ناحية الصدر وهو قوله (عليه السلام) : «فان وقتها واحد» بدعوى دلالته على أن صلاة المغرب لم تكن كبقية الصلوات بحيث يكون لها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 121 / أبواب المواقيت ب 3 ح 11.
(2) الوسائل 4 : 139 / أبواب المواقيت ب 7 ح 7 .
(3) الوسائل 4 : 193 / أبواب المواقيت ب 19 .
(4) الوسائل 4 : 187 / أبواب المواقيت ب 18 ح 2 .
ــ[115]ــ
وقتان اختياري واضطراري ، بل لها وقت واحد وهو وقت وجوبها ، فيجب الاتيان بها فيه ، ولا يجوز تأخيرها عن ذهاب الشفق .
وفيه : ما لا يخفى ، إذ لا نظر في هذه الجملة إلى منتهى الوقت لتدل على انتهائه بذهاب الشفق ، وإنما النظر معطوف إلى ناحية المبدأ باعتبار امتياز المغرب عن بقية الصلوات في أنّها بأسرها مسبوقة بالسبحة والنافلة ، أما الظهران والفجر فواضح ، واما العشاء فلكونها مسبوقة بنوافل المغرب ، فمن ثم كان لها وقتان ، وكان الوقت الثاني المتأخر عن النوافل المأتية أفضل بطبيعة الحال ، إلا إذا تركها فيكون الأول أفضل . وأما صلاة المغرب فحيث لا نافلة قبلها فلا جرم لم يكن لها إلا وقت واحد .
ونحوها صلاة الجمعة إذ لا نافلة قبلها أيضاً ، ومن ثم ورد في صحيحة زرارة إن «صلاة الجمعة من الأمر المضيق إنما لها وقت واحد حين تزول»(1) .
ويشهد لما ذكرناه : موثقة معاوية بن وهب المشتملة على نزول جبرئيل وإتيانه بوقتين في يومين لكل من الفرائض ما عدا المغرب(2) ، حيث يظهر منها أن الوجه في التفكيك هو مراعاة النوافل وعدم سبق المغرب بها ، ومن ثم كان لها وقتان وللمغرب وقت واحد ، ولعل ما ذكرناه في تفسير الصحيحة هو أحسن وجوه الحمل التي ذكروها في المقام .
ثانيهما : من ناحية الذيل وهو قوله (عليه السلام) : «ووقت فوتها سقوط الشفق» فانّه الصريح في انتهاء الوقت بسقوط الشفق ، وتوافقه على ذلك جملة من الأخبار .
منها : صحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : إن الله يقول في كتابه لابراهيم : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 7 : 316 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3 .
(2) الوسائل 4 : 157 / أبواب المواقيت ب 10 ح 5 .
ــ[116]ــ
رَءَا كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّى) وهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق»(1) .
ومنها : موثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن وقت المغرب ، قال : ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق»(2) . وغير خفي أن للشيخ إلى الحسن بن محمد بن سماعة الواقع في السند طريقين : أحدهما ضعيف بأبي طالب الأنباري ، لكن الطريق الآخر صحيح ، إذ الظاهر أن المراد بالحسين بن سفيان الواقع في الطريق هو الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان البزوفري ، وقد وثقه النجاشي صريحاً(3) .
ومنها : رواية إسماعيل بن مهران(4) غير أنها ضعيفة السند بسهل بن زياد .
وعلى أيّ حال فهذه الأخبار تفرغ بلسان واحد عن انتهاء وقت صلاة المغرب بسقوط الشفق .
ولكنه مع ذلك لم يكن بدّ من رفع اليد عن ظاهرها وحملها على الأفضلية ، جمعاً بينها وبين النصوص الكثيرة الناطقة بجواز التأخير إلى ربع الليل أو ثلثه كما سنتعرض إليها ، وقبل ذلك كله الآية المباركة الصريحة في امتداد الوقت إلى الغسق المفسر ـ كما سبق ـ بمنتصف الليل . ونتيجة ذلك هو الالتزام باختلاف مراتب الفضل حسبما تقدم .
وأما القولان الآخران : أعني ما ذهب إليه المفيد من انتهاء الوقت للحاضر بذهاب الشفق وللمسافر بحلول ربع الليل ، وما ذهب إليه أبو الصلاح ، بل الشيخ في أكثر كتبه من نفس التفصيل لكن بتبديل الحاضر بالمختار والمسافر بالمعذور ، فان اُريد بذلك نفس هذين العنوانين ، فدليل كل من القولين من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 174 / أبواب المواقيت ب 16 ح 6 .
(2) الوسائل 4 : 190 / أبواب المواقيت ب 18 ح 14 .
(3) رجال النجاشي : 68 / 162 .
(4) الوسائل 4 : 188 / أبواب المواقيت ب 18 ح 4 .
ــ[117]ــ
الروايات المستدل بها يبطل باطلاقه القول الآخر كما لا يخفى ، فيتعارضان ولا يمكن التعويل على شيء منهما .
وإن اُريد من السفر مطلق الاضطرار ، ومن الحضر حال الاختيار وإنما ذكر ذلك من باب المثال ليرجع القولان إلى قول واحد ، فتدل عليه حينئذ كلتا الطائفتين من الأخبار ولكنه مع ذلك لا يمكن الالتزام به لوجوه:
أحدها : أنّ صحيحة عمر بن يزيد صريحة في جواز تأخير المسافر إلى ثلث الليل قال : قال أبوعبدالله (عليه السلام) : «وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل»(1) فلا وجه لتحديده بالربع الذي هو أقل منه .
وثانيها : أن الآية الشريفة صريحة في امتداد وقت العشاءين إلى منتصف الليل بعد تفسير الغسق بذلك كما تقدم ، وقد عرفت ظهورها في المختار .
ثالثها : أن طائفة من الأخبار قد نطقت بجواز تأخير المغرب عن الشفق من غير افتراض الاضطرار ولا السفر ، بل في بعضها إلى ربع الليل .
منها : صحيحة اُخرى لعمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فاُقيمت الصلاة فان أنا نزلت اُصلي معهم لم استمكن (أتمكن) من الاذان والاقامة وافتتاح الصلاة ، فقال : ائت منزلك وانزع ثيابك وإن اردت أن تتوضأ فتوضأ وصلّ فانك في وقت إلى ربع الليل»(2) ، ولا يقدح اشتمال السند على القاسم بن محمد الجوهري بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات(3) .
ومنها : صحيحة ثالثة له قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا اُريد المنزل ، فان أخّرت الصلاة حتى اُصلي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 193 / أبواب المواقيت ب 19 ح 1 .
(2) الوسائل 4 : 196 / أبواب المواقيت ب 19 ح 11 .
(3) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .
ــ[118]ــ
في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أفاُصلي في بعض المساجد ؟ فقال : صلّ في منزلك»(1) .
ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخر ساعة ؟ قال : لا بأس إن كان صائماً أفطر ثم صلى وإن كانت له حاجة قضاها ثم صلى»(2) .
فان هذه الأخبار تدلنا بوضوح على جواز التأخير عن سقوط الشفق لأدنى مرجح وإن لم يكن بالغاً حدّ الاضطرار ، بل يظهر من ذيل الأخيرة أن العبرة بقضاء الحاجة العرفية وإن زاد على الساعة بل الساعتين لوضوح اختلاف الحوائج ، فلو كان التأخير المزبور محرّماً لم تسوغه الحاجة العرفية المباحة كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة إسماعيل بن همام قال : «رأيت الرضا (عليه السلام) وكنا عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثم قام فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود»(3) .
ومنها : صحيحة داود الصرمي قال : «كنت عند أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يوماً فجلس يحدّث حتى غابت الشمس ، ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدّث فلما خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى»(4) . والصرمي من رجال الكامل(5) وإن لم يرد فيه توثيق صريح .
وهذه الصحيحة كسابقتها ظاهرة في جواز التأخير حتى اختياراً ، فان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 197 / أبواب المواقيت ب 19 ح 14 .
(2) الوسائل 4 : 196 / أبواب المواقيت ب 19 ح 12 .
(3) الوسائل 4 : 195 / أبواب المواقيت ب 19 ح 9 .
(4) الوسائل 4 : 196 / أبواب المواقيت ب 19 ح 10 .
(5) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .
ــ[119]ــ
فرض كونه (عليه السلام) وجميع من معه معذورين في التأخير بعيد غايته ، نعم التأخير عن أول الوقت الذي لا ريب في أفضليته لابد وأن يكون لمرجح ، ولعله (عليه السلام) كان متشاغلاً ببيان الأحكام ، أو أنه (عليه السلام) أراد بذلك بيان جواز التأخير عن سقوط الشفق .
وكيف ما كان ، فمقتضى الجمع بين مختلف هذه النصوص هو الحمل على اختلاف مراتب الفضل كما سبق .
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما عن صاحب الحدائق من أن للمغرب أوقاتاً ثلاثة : من غروب الشمس إلى مغيب الشفق ، ثم إلى ربع الليل أو ثلثه ، ثم إلى منتصف الليل ، وأن مقتضى الجمع بين الأخبار هو حمل الأول على حال الاختيار ، والثاني على الاضطرار ، والثالث على الأشدّ ضرورة من نوم أو حيض ونحوهما(1) .
وجه الضعف : ما عرفت من لزوم الحمل على اختلاف مراتب الفضل ، لاباء ما دل على جواز التأخير إلى منتصف الليل عن حمله على صورة الاضطرار جداً كما تقدم .
وأما القول بامتداد الوقت إلى طلوع الفجر فسيأتي البحث عنه عند تعرض الماتن له .
وملخص الكلام في المقام : أن صلاة المغرب يجوز تأخيرها عن سقوط الشفق بل عن ربع الليل إلى منتصفه في حال الاختيار ومن دون علّة أو اضطرار ، وعمدة الدليل عليه هو قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(2) ، بعد تفسير الغسق في النص الصحيح بمنتصف الليل(3) وهو المطابق للّغة ، فانه لغة هو شدة الظلام(4) ، ومن البيّن أن منتهى شدّة الظلمة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 6 : 180 .
(2) الاسراء 17 : 78 .
(3) الوسائل 4 : 10 / أبواب اعداد الفرائض ب 2 ح 1 .
(4) مجمع البحرين 5 : 222 .
|