وقت صلاة الجمعة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6652


ــ[136]ــ

   ووقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص فان أخّرها عن ذلك مضى وقته ، ووجب عليه الاتيان بالظهر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إيقاع صلاة الغداة بعد الطلوع ، فكأنّ المغروس في ذهنه امتداد الوقت إلى طلوع الشمس وقد أقرّه الامام (عليه السلام) على هذا الاعتقاد ، غير أنّه سأل عن أن الافضل البدأة بالنافلة في مثل هذا الوقت أم بالفريضة ، فأجاب (عليه السلام) بالثاني ، وإلا فلو كان الوقت للاختيار دون الفضيلة لم يكن موقع لهذا السؤال كما لا يخفى فتدبّر .

   وكيف كان ، فقد عرفت أنّ الأولى التحديد بتجلل الصبح كما وقع في الأخبار دون طلوع الحمرة ، لعدم وروده في شيء من النصوص ، وقد عرفت الفرق بين الحدين .

   (1) اختلفت الأنظار في تعيين وقت صلاة الجمعة على أقوال :

   فالمنسوب إلى أبي الصلاح(1) وابن زهرة(2) تضييق الوقت وعدم زيادته على نفس العمل ، فوقت الصلاة من حين الزوال إلى أن يمضي مقدار أدائها مع الخطبتين والأذان ، ولا يتسع الوقت أكثر من ذلك ، فاذا مضى هذا المقدار ولم يؤدها سقطت الجمعة وانتقل الفرض إلى الظهر ، بل ادعى في الغنية قيام الاجماع عليه .

   وبازاء هذا القول من أفرط فجعل وقتها وقت صلاة الظهر فيمتد إلى الغروب ، نسب ذلك إلى ابن إدريس(3) ، واختاره الشهيد (قدس سره) في الدروس(4) والبيان(5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي في الفقه : 153 .

(2) غنية النزوع : 90 .

(3) السرائر 1  : 301 .

(4) الدروس 1  : 188 .

(5) البيان : 186 .

ــ[137]ــ

   وذهب المشهور إلى امتداد الوقت إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، وعن المنتهى دعوى الاجماع عليه(1) .

   وحكي عن الجعفي أنّ وقتها ساعة من النهار ، أي يمتد من الزوال بمقدار ساعة(2) .

   وعن المجلسيين(3) وتبعهما صاحب الحدائق(4) : تحديد الوقت من الزوال إلى أن يبلغ الظل الحادث مقدار الذراع وهو القدمان .

   هذه هي الأقوال في المسألة ، وقد اعترف غير واحد بأن القول المشهور لا شاهد عليه في شيء من النصوص ، لخلو الأخبار عن التحديد بذلك رأساً ، وإنما المستند في هذا القول مجرد الشهرة الفتوائية بين الأصحاب قديماً وحديثاً .

   وكيف كان ، فقد استدل للقول الأول بجملة من النصوص وفيها الصحيح والموثق .

   منها : صحيحة ربعي وفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إن من الأشياء أشياء موسّعة وأشياء مضيّقة ، فالصلاة مما وسّع فيه ، تقدّم مرّة وتؤخّر اُخرى ، والجمعة مما ضيّق فيها ، فانّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول ، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»(5) وبمضمونها صحيحة زرارة(6) .

   ومنها : صحيحة ابن مسكان أو ابن سنان ـ أي عبدالله بن سنان ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : وقت صلاة الجمعة عند الزوال ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة . . .»(7) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 1  : 318  ، السطر 20 .

(2) حكاه عنه في الحدائق 10  : 134 .

(3) روضة المتقين 2  : 74  ، بحار الأنوار 86  : 173 .

(4) الحدائق 10  : 138 .

(5) الوسائل 7  : 315 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 1 .

(6) الوسائل 7  : 316 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3 .

(7) الوسائل 7  : 317 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 5 .

ــ[138]ــ

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه «قال : وقت الجمعة زوال الشمس . . .»الخ(1) ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب .

   هذا ولكن الاستدلال بهذه الروايات لا يتم .

   أما أوّلاً : فلأن التضييق المذكور فيها إن اُريد الحقيقي كما هو الظاهر منها فهو لا يمكن الالتزام به ، لامتناع إيقاع العمل عادة في زمان يقارن مبدؤه الزوال التحقيقي بحيث لا يتقدم ولا يتأخر عنه آناً ما ، فان هذا إنما يتيسر لمثل النبي (صلى الله عليه وآله) باخبار جبرئيل كما ورد في
بعض الأخبار أنه (صلى الله عليه وآله) كان يخطب فيقول جبرئيل : يامحمد قد زالت الشمس فانزل فصل(2)، وأما بالنسبة إلى عامة الناس فلا شك أنه تكليف متعسر بل متعذر لعدم العلم غالباً بدخول الزوال إلا بعد مضيّ دقيقة أو دقيقتين من الأوحدي الممارس على الأوقات الذي هو أقل القليل من المكلفين . فتشريع وجوب غير قابل للامتثال بالاضافة إلى عامة الناس قبيح على الشارع الحكيم .

   ولا يقاس المقام بالتضييق في مثل الصوم الذي يتحد فيه الوقت مع العمل من حيث المبدأ والمنتهى ، فان الواجب هناك هو الامساك والكفّ عن المفطرات والمطلوب هو الترك ، فيمكن الامساك قبل طلوع الفجر بدقائق أو أكثر من باب المقدمة العلمية . وأما في المقام فالمطلوب هو الفعل والواجب أمر وجودي والمفروض عدم جواز تقديمه على الوقت ولا تأخيره حتى آناً ما فيرد حينئذ ما عرفت من المحذور .

   وإن اُريد به الضيق العرفي غير المنافي للتأخير بالمقدار المزبور ، فهو خلاف الظاهر(3) من هذه الروايات جداً ، فان المتبادر منها إنما هو التضييق الحقيقي كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7  : 318 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 11 .

(2) الوسائل 7  : 316 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4 .

(3) لعل امتناع إرادة التضييق الحقيقي كما اعترف (قدس سره) به قرينة واضحة على إرادة    التضييق العرفي ومعه كيف يكون هذا المعنى خلاف الظاهر .

ــ[139]ــ

لا يخفى على من تأمّلها .

   هذا مضافاً إلى أن المستفاد من بعض الأخبار جواز التأخير بمقدار ينافي التضييق مطلقاً .

   ففي صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك . .»الخ(1) فان التأخير عن الزوال بمقدار شراك النعل المساوق لعرض الاصبع تقريباً لا يجامع الضيق .

   وفي رواية محمد بن أبي عمر (عمير) قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الصلاة يوم الجمعة ، فقال : نزل بها جبرئيل مضيّفة ، إذا زالت الشمس فصلّها ، قال قلت : إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صلّيتها ؟ فقال أبوعبدالله (عليه السلام) : أما أنا فاذا زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة(2) دلت على جواز التأخير بمقدار أداء الركعتين ، وإن كان الأفضل عدمه ، ولذا لم يبدأ هو (عليه السلام) بشيء قبل المكتوبة .

   وثانياً : أن مثل هذا التعبير ـ أعني التوقيت بالزوال ـ الواقع في تلك الأخبار قد ورد في غيرها بالاضافة إلى صلاة الظهر يوم الجمعة ، وفي بعضها بعنوان مطلق المكتوبة يوم الجمعة الأعم من صلاتي الجمعة والظهر ، ولا شك في عدم التضييق في صلاة الظهر مطلقاً ، فيكون ذلك قرينة على عدم إرادته بالنسبة إلى صلاة الجمعة أيضاً وأن المراد بالتضييق في مجموع هذه الأخبار معنى آخر كما ستعرف .

   ففي موثقة سماعة قال : «قال وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس»(3) .

   وفي رواية الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7 : 316 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4 .

(2) الوسائل 7  : 319 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 16 .

(3) الوسائل 7  : 317 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 8 .

ــ[140]ــ

عيسى عن ربعي بن عبدالله ، وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن سماعة جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس»(1) .

   وقد رواها الكليني بطريقين ـ كما عرفت ـ ينتهي أحدهما إلى ربعي والآخر إلى سماعة ، والأول صحيح ، والثاني موثق ، نعم في محمد بن إسماعيل كلام وأن المراد به هل هو الموثّق أو الذي لم يوثق ؟ بل قد وقع البحث في كل رواية يرويها الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وأن محمداً هذا من يراد به ؟

   فقيل إنه محمد بن إسماعيل بن بزيع . وفيه : ما لا يخفى لاختلاف الطبقة ، وقيل غير ذلك ، بل قد أفردوا في ذلك رسالة مستقلة بل رسائل ، لكنا في غنية عن ذلك كله ، فان هذا السند بعينه مذكور في طريق كتاب كامل الزيارات فلا حاجة بعدئذ إلى تحقيق حال الرجل وتشخيص المراد به ، فانه أياً من كان فهو موثق بتوثيق ابن قولويه مؤلف الكتاب ، لما ذكرناه غير مرّة من أنه لا يروي إلا عن الثقة على ما التزم به في كتابه ، فروايته عن الرجل توثيق له منه ، وهو لا يقل عن توثيق النجاشي وغيره(2) .

   وكيف كان ، فقد دلت الروايتان على اختصاص وقت الظهر يوم الجمعة بالزوال كما دلت تلك الأخبار على اختصاص الجمعة بها .

   وأما ما دل على التوقيت بعنوان مطلق المكتوبة فهي صحيحة عبدالله بن سنان قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة»(3) . فان المكتوبة مطلقة تشمل الظهر والجمعة .

   ونحوها رواية محمد بن أبي عمر (عمير) المتقدمة ، فان السؤال فيها عن الصلاة يوم الجمعة لا عن صلاة الجمعة ، وبينهما فرق واضح ، فان الأول يعمّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7  : 318 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 14 ، الكافي 3  : 420 / 1 .

(2) ولكنه (قدس سره) قد عدل عن هذا المبنى أخيراً .

(3) الوسائل 7  : 319 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 15 .

 
 

ــ[141]ــ

الظهر ، وقد ذكر (عليه السلام) في ذيل الحديث : أنه لم يبدأ بشيء قبل المكتوبة ، الشاملة لكل منهما .

   وفي صحيحة حريز قال : «سمعته يقول أما أنا إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأت بالفريضة . .» الخ(1) والفريضة شاملة لهما .

   فالصحيح حينئذ أن يقال : إن التضييق والتوقيت في هذه الروايات بأجمعها ناظر إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء ، والمراد تحديد الوقت من ناحية المبدأ ، وأن يوم الجمعة بما هو سواء أكانت الفريضة فيه هي الجمعة أم الظهر يمتاز عن بقية الأيام ، لا أن صلاة الجمعة تمتاز عن بقية الصلوات ، وذلك فان وقت الفضيلة في بقية الأيام يتسع رعاية للنوافل المتقدمة على الفريضة ، وللمكلف تأخير الفريضة عن أول الزوال بمقدار القدم أو القدمين والابتداء بالنوافل ، كما أن له تركها والبدأة بالفريضة لدى الزوال فلا تضييق في وقت الفضيلة ، بل يتسع مبدؤه كما عرفت رعاية لشأن النوافل .

   وأما في يوم الجمعة فحيث إن النوافل ساقطة ـ لتقدمها على الزوال ـ (2) فيتضيق وقت الفضيلة لا محالة ، ويكون مبدؤه هو الزوال لعدم الموجب للتأخير كي يتسع الوقت على حذو سائر الأيام ، وهذا كما ترى من خصوصيات يوم الجمعة بما هو ، لانتفاء المزاحم في هذا اليوم سواء أكان الفرض هو الظهر أم الجمعة(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7  : 320 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 20 .

(2) بل يستحب الاتيان بركعتين منها عند الزوال كما عليه النص والفتوى فلاحظ.

(3) قد يختلج بالبال عدم حسم مادة الاشكال الوارد على الضيق الحقيقي الذي هو الظاهر  من الأخبار ـ كما تقدم ـ بالالتزام بوقت الفضيلة ، لعدم الفرق بين الوجوب والاستحباب  فيما هو المناط في الاشكال من قبح تشريع حكم لا يقبل الامتثال بالاضافة إلى عامة الناس ، وقد عرضت ذلك على سيدنا الاُستاذ (قدس سره) فأفاد بأن الحكم الاستحبابي  حيث لا إلزام فيه فيكفي في تشريعه مجرد إمكان الامتثال ولو من بعض الأفراد في بعض  الأحيان ، وأيّده (قدس سره) بأنه لا ريب في استحباب المبادرة لكل صلاة فريضة أم  نافلة في أول وقتها الحقيقي ولو من باب استحباب المسارعة والاستباق إلى الخير بحيث لو اتفق وقوعها في أول الوقت تحقيقاً كان مجزئاً بل مصداقاً للفرد ، فلولا إمكان التضييق في وقت الفضيلة لم يتحقق الاستحباب في الفرض .

ــ[142]ــ

   وبالجملة : فهذه الروايات لا دلالة فيها على التضييق في وقت صلاة الجمعة بحيث ينقضي الوقت بعد مضي مقدار أدائها كما زعمه أبو الصلاح وابن زهرة(1) بوجه ، بل الضيق فيها باعتبار السعة في غيرها لا بمعنى لزوم وقوعها في الأول التحقيقي من الزوال .

   هذا وقد استدل للجعفي بمرسلة الصدوق قال : «وقال أبوجعفر (عليه السلام) أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها ، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا يسأل الله عبد فيها خيراً إلا أعطاه»(2) .

   وقد رواها الشيخ في مصباح المتهجد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) بعين هذا المتن(3) . ومن هنا قد يطمأن بل يقطع باتحاد الروايتين ، لاتفاقهما في ألفاظ الرواية زائداً على المعنى .

   وكيف كان ، فلا يمكن الاستدلال بالرواية لهذا القول ، لا لضعف السند بدعوى الارسال في الاُولى وجهالة طريق الشيخ إلى حريز في الثانية فتكون كالمرسل أيضاً كما قيل ،

   إذ فيه : أن طريقه إليه مبيّن في الفهرست(4) ، وقد ذكر له طرقاً ثلاثة كلها صحيحة ، ومن الواضح أن الطرق المذكورة في الفهرست إلى الرواة لا تختص بما يرويه عنهم في كتاب دون كتاب ، بل قد صرح بالاطلاق في المقام بقوله :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم ذكر المصدر في ص : 136.

(2) الوسائل 7  : 318 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 13 ، الفقيه 1  : 267 / 1223 .

(3) الوسائل 7  : 320 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 19 ، مصباح المتهجد  : 364 .

(4) الفهرست : 62 / 239 .

ــ[143]ــ

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان ، فلا يقاس بالطرق المذكورة في مشيخة التهذيب المختصة بالروايات المذكورة في كتاب التهذيب غير النافعة بالاضافة إلى الرواية المبحوث عنها في المقام ، لكونها مذكورة في كتاب المصباح دون التهذيب كما لا يخفى ، فالنقاش من حيث السند في غير محله(1) .

   بل الوجه في عدم صلاحية الاستدلال قصور الدلالة .

   أما أوّلاً : فلأن الساعة المذكورة في الرواية لا يراد بها معناها المصطلح الحادث في العصر الحاضر ، أعني ستين دقيقة التي هي جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار بالضرورة ، فانّ هذا الاطلاق لم يكن معهوداً في الأزمنة السابقة قطعاً ، بل هي بمعناها اللغوي ، وهي في اللغة تطلق على معنيين :

   الأول : نفس الوقت والزمان ، ومنه إطلاقها في صدر هذه الرواية أعني قوله (عليه السلام) «ساعة تزول الشمس» أي وقت زوالها .

   الثاني : الجزء من الزمان ومقدار منه دون أن يحدّد بحدّ مضبوط يقال : صليت مع زيد ساعة ، أي برهة من الزمن ، سواء أكان مقدارها نصف ساعة بالمعنى المصطلح أم ساعتين . والساعة المذكورة في ذيل الرواية أعني قوله (عليه السلام) : «إلى أن تمضي ساعة» إنما هي بهذا المعنى كما لا يخفى .

   وعليه فالتحديد المذكور في هذه الرواية قابل للانطباق على مذهب المشهور ، أعني بلوغ الظل مثل الشاخص ، إذ يصدق على هذا المقدار أيضاً أنه ساعة بعد الزوال ، فلا دلالة في الرواية على التحديد بأقل من ذلك كي يكون قولاً آخر مقابل قول المشهور .

   وثانياً : لو سلّم أن المراد بالساعة في الرواية أقل من ذلك أو أنه المعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل في محله ، إذ لم يعلم أن الشيخ أخذ هذه الرواية من كتاب حريز حتى يكون طريقه في    الفهرست إلى الكتاب مجدياً ، وقد تقدم منه (قدس سره) نظير هذا الاشكال في صلاة    الغفيلة فراجع [ص 74] ولاحظ .

ــ[144]ــ

المصطلح ، فلا دلالة فيها على مضي الوقت من أصله بعد انقضاء هذا المقدار من الزمان كي ينتقل إلى الظهر كما يدعيه هذا القائل ، ضرورة أن التحديد فيها إنما هو لأول الوقت لا لأصله ، لقوله (عليه السلام) فيها «أول وقت الجمعة . . .» حيث إن لكل صلاة وقتين كما نطقت به جملة من الأخبار وقد تقدم بعضها ، وهذا تحديد لأول الوقت ، أي للوقت الأول من حيث المبدأ والمنتهى ، وأنه يبتدئ من الزوال وينتهي بعد ساعة ، ثم يدخل الوقت الثاني ، وإن كان مفضولاً بالاضافة إلى الأول ، فلا دلالة فيها على انقضاء الوقت من أصله بعد انقضاء الساعة كما هو المدعى .

   ويؤيده : قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) . . .»الخ المشعر بأنّ هذه الخاصية من آثار وقت الفضيلة ولذا ينبغي الاهتمام بها والمحافظة عليها .

   وبالجملة : فلا نظر في الرواية إلى التحديد بالاضافة إلى أصل الوقت .

   وأما مقالة المجلسيين من التحديد بالقدمين فيستدل لها بأحد وجهين :

   الأول : ما تضمنته جملة من روايات الباب(1) ـ وقد تقدم بعضها وغيرها ـ من أنّ وقت العصر في يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام بضميمة ما هو المعلوم من الخارج من أن وقت الظهر في سائر الأيام إنما هو ما بعد القدمين ، فانه يدل بالالتزام على انتهاء وقت الجمعة عند القدمين كي يدخل حينئذ وقت العصر رعاية للترتيب المعتبر بينهما .

   والجواب عن هذا ظاهر جداً ، فان المستفاد من تلك الأخبار بمقتضى الاطلاق أنّ وقت العصر يوم الجمعة هو ما ذكر ، سواء أكانت وظيفته هي الجمعة أم الظهر ، كما لو كان مسافراً وغيره ممن كان معذوراً عن إقامة الجمعة ، فيظهر من ذلك أنّ هذا من خصوصيات يوم الجمعة دون صلاتها ، وإلا لاختص الحكم بمن يؤدي فريضة الجمعة وهو مناف للاطلاق كما عرفت ، ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7  : 315 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 1  ، 3  ، 5 .

ــ[145]ــ

ريب في امتداد وقت الظهر في هذا اليوم كغيره إلى الغروب .

   فالسر في هذه الخصوصية الموجبة لامتياز هذا اليوم عن سائر الأيام ليس هو التضيق في وقت صلاة الجمعة أو الظهر بالضرورة ، بل هو تقدم النوافل على الزوال في هذا اليوم ، فيرتفع المزاحم الذي كان هو الموجب للتأخير في سائر الأيام بمقدار أربعة أقدام ، ونتيجة ذلك عدم المقتضي لتأخير صلاة العصر في يوم الجمعة إلا بمقدار أداء الظهر أو الجمعة غير المستوعب من الوقت إلا بمقدار القدمين .

   وبالجملة : إنما يتأخر وقت فضيلة الظهرين عن الزوال بمقدار الذراع أو الذراعين رعاية للنوافل المتقدمة عليهما ـ كما سبق ـ وأما مع سقوط النوافل كما في السفر ، أو تقدمها على الزوال كما في يوم الجمعة فحيث لا مزاحم في البين فلا موجب للتأخير ، بل يكون مبدأ الظهر أو الجمعة هو الزوال ، ومبدأ العصر هو الفراغ عن الفريضة السابقة ، فلا محالة يصادف وقت العصر في يوم الجمعة وقت فضيلة الظهر في سائر الأيام وهو القدمان كما عرفت .

   الثاني : أن مقتضى العمومات وجوب صلاة الظهر على كل مكلف في كل يوم من الزوال إلى الغروب ، وقد ثبت في يوم الجمعة قيام الخطبتين مقام الركعتين الاُوليين ، أي بدلية الجمعة عن الظهر ، فيكون ذلك بمنزلة المخصص لعموم العام ، والمتيقن من البدلية ما لو أتى بالجمعة قبل بلوغ الفيء إلى القدمين ، وأما في الزائد على ذلك فحيث يشك في البدلية فيندرج المقام حينئذ في كبرى الدوران بين التمسك بعموم العام أو استصحاب حكم المخصص ، وحيث إن المختار في تلك المسألة هو الأول فيجب الاتيان بالظهر تمسكاً بعموم الدليل ، فلا تجزئ الجمعة بعد التجاوز عن القدمين .

   وفيه : أن المقام أجنبي عن ذلك البحث ، فان الموضوع في تلك المسألة ما إذا لم يكن لدليل المخصص إطلاق يثبت به عموم التخصيص بحيث انتهى الأمر إلى الأصل العملي وهو الاستصحاب ، فيكون عموم العام مقدّماً عليه حينئذ كما اُفيد .

ــ[146]ــ

   وأما مع ثبوت الاطلاق فلا ريب في أنه هو المتّبع ، ومعه لا يبقى مجال للترديد المزبور ، ومن الواضح ثبوت الاطلاق في المقام ، فان قوله (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار : «تجب الجمعة إذا كان لهم من يخطب بهم» غير قاصر الشمول بالاضافة إلى ما بعد القدمين ، بل مقتضى الاطلاق عموم البدلية من الزوال إلى الغروب ، لعدم التحديد بوقت معيّن في شيء من الأخبار ، فيكون وقتها هو وقت الظهر فضيلة وإجزاءً .

   ومن هنا كان الأوجه في النظر ابتداءً هو ما اختاره الحليّ والشهيد من استمرار الوقت إلى الغروب كالظهر وأن وقتيهما واحد ، عملاً باطلاق دليل البدلية .

   إلا أنه يمنع عن الأخذ بهذا الاطلاق أمران :

   الأول : عدم فتوى المشهور بذلك ، بل تسالم الأصحاب على خلافه تقريباً ، وقد تقدم من العلامة(1) دعوى الاجماع على انتهاء الوقت عند صيرورة الظل مثل الشاخص ، فكأنه لم يعتن بخلاف الحليّ والشهيد فادعى الاجماع غير مكترث بخلافهما ، بل لعل عدم الامتداد إلى الغروب من مرتكزات المتشرعة والمغروس في أذهانهم كما لا يخفى .

   الثاني : عدم معهودية وقوعها قبل الغروب ولو بساعة أو ساعتين أو أكثر لا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ولا في زمن الأئمة (عليهم السلام) ولا من بعدهم مع كثرة الطوارئ والعوارض الموجبة للتأخير كما في غيرها من سائر الصلوات من السفر والمرض ونحوهما ، فلو جاز التأخير لاتفق ولو في مورد واحد ، ولنقل إلينا بطبيعة الحال ولو في رواية واحدة مع عدم الاشارة إلى ذلك في شيء من الأخبار لا قولاً ولا فعلاً ، فيقطع من ذلك بعدم اتحاد الوقتين ، وأنّ وقت الجمعة أقل من الظهر تحقيقاً .

   وعليه فلابد من رفع اليد عن الاطلاق المزبور بالمقدار اللازم وما تقتضيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص  : 137 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net