الطائفة الثانية : ما تضمن التحديد بالقدمين والأربعة أقدام ـ قدمان للظهر وأربعة أقدام للعصر ـ المساوق للذراع والذراعين ، وهي كثيرة لا يبعد فيها دعوى التواتر الاجمالي وأكثرها صحاح .
فمنها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) أنهما «قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، وووقت العصر بعد ذلك قدمان»(4) .
وقد يتوهم أنّ النظر في الصحيحة إنما هو إلى التحديد من ناحية المنتهى ، وأن الوقت ينتهي بالقدمين والأربعة أقدام ، لا أنّ ذلك مبدأ للوقت فهو نظير قولنا : إن وقت صلاة الغداة ما بين الطلوعين ونحو ذلك ممّا يكون النظر فيه إلى الانتهاء .
ــــــــــــ (4) الوسائل 4 : 140 / أبواب المواقيت ب 8 ح 1 ، 2 .
ــ[149]ــ
وفيه : مضافاً إلى أنّ ذلك بعيد عن سياق الكلام في حدّ نفسه وخلاف الظاهر جداً ، ضرورة أن المتبادر من مثل قوله (عليه السلام) : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان . .»الخ أن المبدأ هو القدمان والأربع دون المنتهى ، أن الشيخ (قدس سره) روى هذه الرواية بعينها عن الجماعة المذكورين ، وزاد قوله : وهذا أول وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر(1) ، فهذا الذيل قرينة ظاهرة على ما ذكرناه ، ومن المظنون قوياً اتحاد الروايتين لبعد كونها رواية اُخرى غير الاُولى كما لا يخفى .
وأصرح من ذلك : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سالته عن وقت الظهر ، فقال : ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر ، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ، ثم قال : إن حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة ، وكان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلى العصر . .»الخ(2) . فان قوله (عليه السلام) في الذيل : «وكان إذا مضى . .»الخ صريح فيما ذكرناه من كون التحديد ناظراً إلى المبدأ .
ونحوها في الدلالة صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث «قال : كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلل قامة ، وكان إذا كان الفيء ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلى الظهر ، فاذا كان ضعف ذلك صلى العصر»(3) .
وهذه الرواية مروية بطريقين ، والعبرة بالطريق الثاني ، وأما الأول فهو ضعيف ، لمكان سهل بن زياد فلاحظ .
ونحوها أيضاً صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 2 : 255 / 1012 .
(2) الوسائل 4 : 141 / ابواب المواقيت ب 8 ح 3 ، 4 .
(3) الوسائل 4 : 142 / ابواب المواقيت ب 8 ح 7 .
ــ[150]ــ
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان فيء الجدار ذراعاً صلى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلى العصر . . .»الخ(1) فان الظاهر أن المراد باسماعيل الجعفي هو إسماعيل بن جابر الجعفي وقد وثقه النجاشي صريحاً(2) . نعم ذكره الشيخ في رجاله(3) في طيّ أصحاب الباقر (عليه السلام) بعنوان الخثعمي بدل الجعفي ووثقه ، وذكره أيضاً بهذا العنوان في باب أصحاب الصادق (عليه السلام) ساكتاً عن توثيقه ، كما أنه في باب أصحاب الكاظم (عليه السلام) ، وكذا في الفهرست(4) تعرض لهذا الاسم دون أن يذكر شيئاً من اللقبين ودون أن يوثقه ، والظاهر أن الخثعمي سهو من قلمه الشريف أو من النساخ ، والصحيح هو الجعفي ، فان الخثعمي لم يوجد ذكر له في كتب الرجال أصلاً ، ويشهد له أن العلامة في الخلاصة(5) ذكره بعين عبارة الشيخ بعنوان الجعفي ووثقه ، فالرجل موثق بتوثيق النجاشي والشيخ والعلامة .
وكيف كان ، فهذا الاسم ، أعني إسماعيل الجعفي ، مردد بين اسماعيل بن جابر وإسماعيل بن عبد الرحمن ، وإسماعيل بن عبد الخالق ، والكل موثقون ، فالرواية صحيحة على كل حال .
وهناك روايات اُخرى كثيرة أعرضنا عن ذكرها ، وقد عرفت أنه لا يبعد بلوغها حدّ التواتر ولو إجمالاً فلاحظ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 143 / ابواب المواقيت ب 8 ح 10 .
(2) رجال النجاشي : 32 / 71 .
(3) رجال الطوسي : 124 / 1246 ، 160 / 1789 ، 331 / 4934 .
(4) الفهرست : 15 / 49 .
(5) خلاصة الأقوال : 54 / 30 .
|