الأخبار الدالة على أن مبدأ الفضيلة هو المثل والمثلان 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5266


   الطائفة الثالثة : ما تضمن التحديد بالمثل والمثلين الذي ذهب إليه المشهور وهي عدة روايات استندوا إليها ، وأكثرها مخدوشة سنداً أو دلالة .

   فمنها : رواية يزيد بن خليفة قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن

ــ[151]ــ

عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، قال : إذن لا يكذب علينا ، قلت : ذكر أنك قلت : إن أول صلاة افترضها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله) الظهر ، وهو قول الله عزوجل : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) فاذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة وهو آخر الوقت ، فاذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء ، قال : صدق»(1) ودلالتها على المطلوب ظاهرة ، فان المتبادر من القامة هي قامة الانسان ، فيراد حينئذ بالتحديد صيرورة الظل مثل الشاخص .

   واحتمال إرادة الذراع من القامة كي تكون العبرة بالذراع والذراعين ، يدفعه مضافاً إلى بعده في نفسه ، وعدم شاهد عليه ، أنه غير محتمل في خصوص المقام لقوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : «وذلك المساء» لعدم صدق المساء بعد مضي الذراعين من الزوال بالضرورة ، فلو سلّم إمكان إرادته منها في بقية الروايات فهو غير محتمل في خصوص هذه الرواية لهذه القرينة . فالدلالة تامة غير أن السند ضعيف بيزيد بن خليفة فانه لم يوثق .

   ومنها : رواية محمد بن حكيم قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو «يقول : إن أول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأول وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان ، قلت : في الشتاء والصيف سواء ؟ قال : نعم»(2) .

   وقد عرفت أن المتبادر من القامة هي قامة الانسان ، وحملها على الذراع خلاف الظاهر جداً .

   نعم ورد في بعض الأخبار أن المراد بها في كتاب علي (عليه السلام) ـ أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 156 / ابواب المواقيت ب 10 ح 1 .

(2) الوسائل 4  : 148 / ابواب المواقيت ب 8 ح 29 .

ــ[152]ــ

مطلقاً ـ هو الذراع ، لكن تلك الأخبار ضعيفة السند(1) فلا يعتمد عليها . فالرواية قوية الدلالة غير أنها كسابقتها ضعيفة السند بمحمد بن الحكيم فانه لم يوثق .

   ومنها : رواية الحسن بن محمد الطوسي في المجالس باسناد تقدم في كيفية الوضوء قال : «لما ولّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتاباً ـ إلى أن قال (عليه السلام) : ـ فانّ رجلاً سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أوقات الصلاة ، فقال : أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس ، فكانت على حاجبه الأيمن ، ثم أراني وقت العصر وكان ظل كل شيء مثله»(2) وهذه أصرح من سابقتها للتصريح فيها بصيرورة الظل مثله وعدم التعبير بالقامة كي يتطرق فيها الاحتمال المتقدم ، غير أنها ضعيفة السند بعدة من المجاهيل ، والسند قد ذكره صاحب الوسائل(3) .

   ومنها : صحيحة البزنطي قال : «سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ، فكتب : قامة للظهر وقامة للعصر»(4) .

   وفيه : أنها ناظرة إلى التحديد من ناحية المنتهى دون المبدأ الذي هو محل الكلام ، فكأنّ المبدأ مفروغ عنه وأنه الزوال ، وليس ذلك مورداً للسؤال ، إذ هو مضافاً إلى بعده عن سياق الرواية مخالف لظاهرها جداً كما لا يخفى ، لبعد خفائه على مثل البزنطي كي يسأل عنه . فالنظر مقصور على بيان غاية الحد ومنتهاه وهو أجنبي عن محل البحث ، فلا دلالة فيها على كون مبدأ العصر هو المثل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولكن الظاهر أنّ رواية علي بن حنظلة [المروية في الوسائل 4  : 147 / أبواب المواقيت  ب 8 ح 26] معتبرة السند فلاحظ .

(2) الوسائل 4  : 161 / ابواب المواقيت ب 10 ح 12 ، أمالي الطوسي: 29 ، 31 .

(3) الوسائل 1  : 397 / أبواب الوضوء ب 15 ح 19 .

(4) الوسائل 4  : 144 / ابواب المواقيت ب 8 ح 12 .

ــ[153]ــ

دون الزوال كما يدعيه المشهور فيكون وزانها وزان صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين»(1) التي هي صريحة في التحديد من حيث المنتهى .

   ويشهد له مضافاً إلى وضوحه في نفسه قوله (عليه السلام) : «قامة ونصف إلى قامتين» ، فان القامة والنصف لا قائل بكونها مبدءاً للعصر ، بل المبدأ إما الزوال أو القامة ، أي المثل كما عليه المشهور . فهذه الرواية أيضاً كالصحيحة لا دلالة لشيء منهما على مسلك المشهور .

   وقد يستدل لهم بموثقة زرارة قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني ، فلما أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد ابن هلال : إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر»(2) .

   وأنت خبير بأنّ ما جعله المشهور غاية للوقت وهو المثل والمثلان قد جعل في هذه الموثقة مبدءاً له فلا ينطبق على مذهبهم بوجه ، بل هي على خلاف مطلوبهم أدلّ .

   والصحيح في توجيه الموثقة أن يلتزم باختصاصها بموردها وهو القيظ ، ويكون ذلك بمنزلة التخصيص في دليل وقت الفضيلة وأن مبدأه هو الزوال بمقتضى سائر الأخبار إلا في القيظ فيتسع الوقت ويتأخر بمقدار المثل والمثلين لأجل الحر ارفاقاً على الاُمة كي يصلّوا مطمئنين مع التوجه وحضور القلب .

   ويشهد له ما في بعض الأخبار من الأمر بالابراد في الصلاة معلّلاً بأن الحر من قيح جهنم(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 143 / أبواب المواقيت ب 8 ح 9 .

(2) الوسائل 4  : 144 / أبواب المواقيت ب 8 ح 13 .

(3) الوسائل 4  : 142 / أبواب المواقيت ب 8 ح 5  ، 6 .

ــ[154]ــ

   فتحصّل إلى هنا : أن شيئاً من الروايات المتقدمة لا تصلح للاستدلال بها لمذهب المشهور ، لضعفها من جهة السند أو الدلالة .

   ولم يبق في البين إلا رواية واحدة هي العمدة في المقام ، وهي موثقة معاوية ابن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ـ إلى أن قال : ـ ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ، ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ـ إلى أن قال : ـ ثم قال : ما بينهما وقت»(1) .

   ولا يعارضها ما في بعض الأخبار الحاكية لقصة نزول جبرئيل بعين ما مرّ غير أنه ذكر فيها بدل القامة والقامتين الذراع والذراعان كما في رواية معاوية ابن ميسرة(2) أو القدمان والأربعة أقدام كما في رواية مفضل بن عمر(3) لضعف سند الروايتين بمعاوية ومفضل ، فلا يستند إليهما كي تعارض الموثقة بهما .

   وبالجملة : فهذه الموثقة قوية السند ظاهرة الدلالة ، وهي عمدة مستند المشهور كما عرفت .

   إلا أنه لا يمكن العمل بها لمعارضتها بالروايات الكثيرة المتقدمة الدالة على أنّ وقت الفضيلة دون ذلك وأنه القدمان والأربعة أقدام ، أو الذراع والذراعان على اختلاف التعبير ـ الراجعان إلى معنى واحد كما مر ـ التي لا يبعد فيها دعوى التواتر ولو إجمالاً ولا أقل أن فيها الصحاح والموثقات الكثيرة بحيث تعدّ من الروايات الواضحة المشهورة ، بل من السنّة القطعية ، وتكون هذه الموثقة في قبالها من الشاذ النادر فتطرح لكون الترجيح مع تلك الأخبار .

   على أن هذه الموثقة موافقة للعامة ، وتلك مخالفة لهم ، فتكون هناك جهة اُخرى لترجيح تلك الأخبار على الموثقة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 157 / أبواب المواقيت ب 10 ح 5 .

(2) ، (3) الوسائل 4  : 158 / أبواب المواقيت ب 10 ح 6  ، 7 .

ــ[155]ــ

   وإن أبيت إلا عن الأخذ بها وعدم طرحها فيمكن حملها ـ ولو بعيداً ـ على إرادة الذراع من القامة دون الشاخص ، باعتبار أن قامة رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعاً كما في رواية أبي بصير(1) فتدبر جيداً .

   بقي الكلام في الجمع بين الطائفتين الأولتين ، أعني ما دلّ على كون العبرة بالقدم والقدمين ، وما دلّ على كون الاعتبار بالقدمين والأربعة أقدام .

   والصحيح في وجه الجمع هو الحمل على اختلاف مراتب الفضل ، فالأفضل هو القدم والقدمان ، ودون ذلك في الفضيلة القدمان والأربعة أقدام .

   ويشهد له ما ورد في غير واحد من الأخبار من الحث على التعجيل في وقت الفريضة والتخفيف في النافلة كي يبادر إلى الفريضة معجّلاً .

   وبالجملة : فهذان وقتان للفضيلة مع اختلاف في مرتبتهما ، فالأفضل الاتيان بالظهر عند القدم ، وبالعصر عند القدمين بعد ما فرغ من النافلة قبلهما ، ودون ذلك عند القدمين والأربعة ، فلو فات كلا الوقتين ترك النافلة وبدأ بالفريضة .

   وأصرح رواية تشهد لما ذكرناه من الجمع هي : موثقة ذريح المحاربي المصرّحة بأن النصف أعني القدم والقدمين أحبّ(2) فتدل على أن هذا الوقت أفضل من القدمين والأربعة أقدام مع اشتراكهما في أصل الفضيلة .

   فان قلت : كيف يكون القدم والقدمان أفضل مع التصريح في بعض الأخبار كصحيحة زرارة المتقدمة(3) وغيرها بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي الظهر عند الذراع والعصر عند الذراعين ، الظاهر في أنه (صلى الله عليه وآله) كان لا يزال يستمر على ذلك فكيف كان يداوم على غير الأفضل ؟

   قلت : ما ذكرنا إنما كان بلحاظ مصلحة نفس الوقت ، والملاك الذي يشتمل عليه في حدّ نفسه ولا ينافي ذلك طروء عنوان آخر يتضمن ملاكاً أقوى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 145 / أبواب المواقيت ب 8 ح 16 .

(2) الوسائل 4  : 146 / أبواب المواقيت ب 8 ح 22 .

(3) في ص 149 .

ــ[156]ــ

يقتضي أفضلية التأخير إلى الذراع والذراعين في بعض الأحيان ، وهو اجتماع الناس والانتظار لذلك توسعة لهم وإرفاقاً عليهم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net