ثانيتهما : صحيحة علي بن عطية عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه «قال : الصبح (الفجر) هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنه بياض نهر سوراء»(2) .
ونوقش في سندها أيضاً باشتمال طريق الصدوق إلى ابن عطية على علي بن حسان المردد بين الواسطي الثقة والهاشمي الضعيف ، لتأليفه تفسيراً باطنياً لم يوجد فيه من الاسلام شيء .
ويندفع : بأن المراد هو الواسطي لا غير كما صرح به الصدوق في بعض الروايات التي يرويها عن علي بن عطية ، وأما الهاشمي فهو لا يروي إلا عن عمّه عبدالرحمن بن كثير في تفسيره ولم تعهد له رواية عن ابن عطية ولا عن غيره . على أن كلاً من الكليني والشيخ(3) رواها بطريق صحيح . فالمسألة لا إشكال فيها .
بقي شيء : وهو أن ظاهر تعليق الامساك على التبين في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الاَْسْوَدِ مِنَ الْفَجرِ)(4) أن للتبين موضوعية في تعلق الحكم وتحقق الفجر ، فما دام لم ير البياض المنتشر في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم رجال الحديث 21 : 89 / 13599 .
(2) الوسائل 4 : 210 / أبواب المواقيت ب 27 ح 2 .
(3) الكافي 3 : 283 / 3 ، التهذيب 2 : 37 / 118 .
(4) البقرة 2 : 187 .
ــ[201]ــ
الاُفق ولم يتميز عن الخيط الاسود ولم يتبين النور المنبسط في ناحية المشرق لم يحكم بوجوب الامساك ولا بجواز الصلاة ، فتحقق البياض في نفسه لا أثر له ، وإنما الموضوع للأثر هو المتبين منه .
نعم ، لا شبهة في أن عدم التبين إذا كان مستنداً إلى مانع خارجي من وجود غيم أو ضباب أو عجاج أو عمى ونحو ذلك من موانع الرؤية لم يقدح ، إذ القصور حينئذ إنما هو في الرائي لا المرئي ، فان الفجر متبيّن في نفسه ومتحقق من غير قصور فيه ، وهذا واضح لا غبار عليه .
وإنما الكلام فيما إذا استند عدم استبانة البياض إلى ضياء القمر القاهر على ضوء الفجر والمانع عن رؤيته وتبينه ، فقد يقال بعدم تحقق الطلوع حينئذ ، لعدم تبين البياض وإن اقتضته الموازين العلمية كالساعة الدقيقة ، وقد عرفت أن للتبين موضوعية في تحقق الطلوع وما هو الموضوع للأثر ، فالعبرة بالتبين الحسي ولا يكفي التقديري .
اختار ذلك المحقق المهمداني في مصباح الفقيه وقال ما لفظه : مقتضى ظاهر الكتاب والسنة وكذا فتاوى الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتبينه في الاُفق بالفعل ، فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثر في تأخر تبين البياض المعترض في الاُفق ، ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه ، فانّ ضوء القمر مانع عن تحقق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر ، والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقق . وقد تقدم في مسألة التغير التقديري في مبحث المياه من كتاب الطهارة ما له نفع للمقام فراجع(1) .
ولكن الظاهر عدم الفرق بين ضوء القمر وبين غيره من موانع الرؤية فانه أيضاً مانع عن التبين الذي اُخذ في الموضوع طريقاً لاستعلام الفجر وكاشفاً عن تحققه ، ضرورة عدم الفرق في أصل تكوين البياض بين الليالي المقمرة وبين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 25 ، السطر 18 .
ــ[202]ــ
[1181] مسألة 2 : المراد باختصاص أوّل الوقت بالظهر وآخره بالعصر وهكذا في المغرب والعشاء عدم صحة الشريكة في ذلك الوقت مع عدم أداء صاحبته(1) فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غيرها ، والقاهرية المدعاة إنما تمنع عن فعلية الرؤية لا عن تحقق المرئي ، كما يرشدك إليه بوضوح فرض الانخساف في هذه الحالة ، فان البياض الموجود يستبين وقتئذ بنفسه لا محالة ، فاذا علم به من أيّ سبيل كان ولو من غير طريق الرؤية ترتب عليه الحكم بطبيعة الحال .
وبالجملة : حال ضياء القمر حال الأنوار الكهربائية في الأعصار المتأخرة ولاسيما ذوات الأشعة القوية ، لاشتراك الكل في القاهرية ، غاية الأمر أنّ منطقة الأول أوسع ودائرته أشمل من غير أن يستوجب ذلك فرقاً في مناط القهر كما هو واضح ، فالقصور في جميع هذه الفروض إنما هو في ناحية الرائي دون المرئي .
وأما قياس المقام بالتغيّر التقديري فهو مع الفارق الظاهر ، إذ المستفاد من الأدلة أن الموضوع للنجاسة هو التغير الفعلي الحسي ، فله موضوعية في تعلق الحكم ولا يكاد يترتب ما لم يتحقق التغير ولم يكن فعلياً في الخارج ، ولا يكفي الفرض والتقدير .
وأما في المقام فالأثر مترتب على نفس البياض ، والتبين طريق إلى إحرازه وسبيل إلى عرفانه ، والمفروض تحققه في نفسه ، غير أنّ ضوء القمر مانع عن رؤيته ، فالتقدير في الرؤية لا في المرئي ، فانه فعلي بشهادة ما عرفت من افتراض الانخساف ، فاذا علم المكلف بتحققه حسب الموازين العلمية المساوق للعلم بطلوع الفجر كيف يسوغ له الأكل في شهر رمضان أو يمنع من الدخول في الصلاة بزعم عدم تحقق الرؤية ، فان هذه الدعوى غير قابلة للإصغاء كما لا يخفى .
(1) قد تقدّم هذا التفسير في مطاوي المباحث السابقة ، وعرفت أنه ليس
ــ[203]ــ
كما إذا أتى بقضاء الصبح أو غيره من الفوائت في أول الزوال أو في آخر الوقت ، وكذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدّى صاحبة الوقت ، فلو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت فدخل الوقت في أثنائها ولو قبل السلام حيث إن صلاته صحيحة((1)) لا مانع من إتيان العصر أوّل الزوال ، وكذا إذا قدّم العصر على الظهر سهواً أو بقي من الوقت مقدار أربع ركعات ، لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت ولا تكون قضاءً ، وإن كان الأحوط عدم التعرض للأداء والقضاء ، بل عدم التعرض لكون ما يأتي به ظهراً أو عصراً ، لاحتمال احتساب العصر المقدّم ظهراً وكون هذه الصلاة عصراً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى الاختصاص عدم صلاحية الوقت في حدّ ذاته للشريكة أو لصلاة اُخرى ، بل المراد أن ذات الوقت لا تزاحمها صلاة اُخرى لدى الدوران ، فاذا لم تكن ثمة مزاحمة كما لو صلى العصر قبل الظهر سهواً أو باعتقاد الاتيان وتذكر في وقت الاختصاص بالعصر ، أو صلى الظهر قبل الوقت معتقداً دخوله ودخل الوقت في الأثناء ولو قبل التسليم ـ وقلنا بصحة الصلاة حينئذ ، على كلام فيه سيوافيك في محله إن شاء الله تعالى ـ ساغ الاتيان بالظهر في الأول وبالعصر في الثاني فتصح الشريكة وكذا غيرها ، كقضاء الفوائت في ذينك الوقتين ، وإن كانا اختصاصيين ، لفرض سلامة صاحبة الوقت عن المزاحم ، وإنما لا تصح في صورة التزاحم لا غير حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الصحة إشكال كما يأتي .
|