الشك في وجود المادة للماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9100


    الشكّ في المادّة

   (1) يمكن أن يقال بطهارة الماء حينئذ مع قطع النظر عن استصحاب العدم الأزلي الآتي تفصيله ، وذلك لأن الشكّ في أن للماء مادّة أو أ نّه لا مادّة له يساوق الشكّ في نجاسته وطهارته على تقدير ملاقاة النجس ، ومقتضى قاعدة الطهارة طهارته لقوله (عليه السلام) «كلّ شيء نظيف» (1) أو «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أ نّه قذر» (2) هذا وقد استدلّ على نجاسة الماء المذكور بوجوه :

   الأوّل : التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بناءً على جوازه ، كما ربّما يظهر من الماتن في بعض الفروع (3) ، وإن صرح في بعضها (4) الآخر بعدم ابتنائه على التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، بأن يقال في المقام : إنّ مقتضى عموم ما دلّ على انفعال القليل بملاقاة النجس ، نجاسة كل ماء قليل لاقته النجاسة ، وقد خرج عنه القليل الذي له مادّة ، ولا ندري أن القليل في المقام من أفراد المخصص وأن له مادّة حتى لا ينفعل ، أو أ نّه باق تحت العموم ولا مادّة له فينفعل بالملاقاة ، فنتمسك بعموم الدليل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في موثقة عمار المروية في الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

(2) كما في صحيحة حماد بن عثمان المرويّة في الوسائل 1 : 134 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 .

(3) منشأ الظهور ملاحظة الفروع التي تبتني بظاهرها على التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية أو يحتمل فيها ذلك ، كما يجدها المتتبع في تضاعيف الكتاب [ منها : م / 299 ] ومنها مسألتنا هذه كما  هو ظاهر .

(4) كما في مسألة 50 من مسائل النكاح [ 3682 ] فيما إذا شكّ في امرأة في أ نّها من المحارم أو من غيرها ، حيث قال : فمع الشكّ يعمل بمقتضى العموم لا من باب التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز أو المحرمية أو نحو ذلك ...  .

ــ[102]ــ

وبه نحكم بانفعاله .

   هذا ولكنا قد قررنا في الاُصول بطلان التمسك بالعام في الشبهات المصداقية وذكرنا أ نّه مما لا أساس له بلا فرق في ذلك بين العموم والاطلاق لتساويهما من هذه الجهة ، فالتمسك باطلاق قوله (عليه السلام) «الماء إذا بلغ ...» المقتضي لانفعال القليل بالملاقاة غير سائغ في الشبهات المصداقية .

   الثاني : قاعدة المقتضي والمانع ، كما ذهب إليها بعض المتقدمين ـ  على ما نسب إليه  ـ وبعض المتأخرين ممن قارب عصرنا ، حيث ذهب إلى أ نّها المستند لاعتبار الاستصحاب ، وتقريبها في المقام أن يقال : إن ملاقاة النجاسة للماء القليل مقتضية للانفعال ، واتصاله بالمادّة مانع عن الانفعال وكلما علمنا بوجود المقتضي وشككنا في ما يمنع عن تأثيره نبني على عدم المانع وعلى وجود المعلول .

   وقد ذكرنا في بحثي العموم والاستصحاب (1) أن هذه القاعدة أيضاً لا ترجع إلى أساس متين ، والعقلاء لا يبنون على وجود المعلول عند إحراز المقتضي والشكّ في وجود مانعه ، بل المتّبع هو الاستصحاب والأخذ بالمتيقن السابق عند الشكّ في بقائه .

   الثالث : ما أسسه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) ورتّب عليه فروعاً كثيرة في الأبواب الفقهية منها المقام وحاصله : أن الاستثناء من الحكم الالزامي أو ما يلازمه ـ كالنجاسة الملازمة لحرمة الشرب والوضوء والغسل وغيرها من أحكام النجاسات ـ إذا تعلق بعنوان وجودي فهو عند العرف بمثابة اشتراط إحراز ذلك العنوان الوجودي في ارتفاع الحكم الالزامي أو ما يلازمه ولا يكفي في ارتفاعها مجرد وجوده الواقعي(2)، وكان (قدس سره) يمثّل له بما إذا نهى المولى عبده من أن يأذن لأحد في الدخول عليه إلاّ لأصدقائه فشكّ العبد في صداقة زيد وعداوته لمولاه ، فإنّه ليس له أن يتمسّك بالبراءة عن حرمة الترخيص لزيد في الدخول ، بلحاظ أن الشبهة تحريمية موضوعية وهي مورد للبراءة باتفاق من الأخباريين والاُصوليين وذلك لأن العرف في مثله يرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 241 .

(2) أجود التقريرات 1 : 464 .

ــ[103]ــ

لزوم إحراز عنوان الصداقة في جواز الاذن والترخيص ، فالمشكوك محرّم الاذن وإن كان في الواقع صديقاً له . وقد طبقها (قدس سره) على المقام بأن الاستثناء عن ملزوم الحكم الالزامي وهو النجاسة قد تعلق بأمر وجودي أعني اتصاله بالمادّة ، فهو بمنزلة اشتراط إحراز الاتصال في الحكم بعدم النجاسة والانفعال ، وحيث إن الاتصال غير محرز في المقام فهو محكوم بالنجاسة لا محالة وإن كان متصلاً بها واقعاً ، وإنّما نحكم بالطهارة في خصوص القليل الذي أحرزنا اتصاله بالمادّة .

   هذا ولا يخفى أ نّا ذكرنا في محلّه أن هذه القاعدة كالقاعدتين السابقتين لا أساس لها . نعم ، الأمر في خصوص ما مثّل به للمقام كما أفاده فإنّه لا يمكن فيه إجراء البراءة وهذا لا لما أسّسه (قدس سره) بل لأجل استصحاب عدم حدوث الصداقة بين زيد ومولاه ، لأن الصداقة حادثة قطعاً وليست من الاُمور الأزلية غير المسبوقة بالعدم ومعه لا يبقى للبراءة مجال لاشتراط جريانها بعدم أصل حاكم عليها في البين . وتفصيل الكلام في الجواب عمّا بنى عليه موكول إلى محلّه .

   الرابع : استصحاب عدم اتصاف القليل بالاتصال بالمادّة باستصحاب العدم الأزلي ، وتوضيح ذلك : أن الصور المتصورة للمسألة أربع  :

   الاُولى : أن نعلم أن القليل الذي نشك في اتصاله وعدمه مسبوق بالاتصال بالمادّة ونشك في بقاء اتصاله حين ملاقاته النجس كما يتفق ذلك غالباً في المياه الجارية والأنابيب المعمولة في زماننا هذا ، وفي هذه الصورة لا إشكال في جريان استصحاب اتصاله بالمادّة وعدم انقطاعها عنه .

   الثانية : أن نعلم أ نّه مسبوق بالانقطاع ، كما إذا اُلقي مقدار من الماء لم يبلغ الكر على حفيرة وقد وقعت فيها نجاسة أيضاً ، فشككنا في أن الحفيرة بئر ولها مادّة لئلاّ ينفعل الماء الملقى عليها بوقوع النجاسة عليه أو أ نّها صورة بئر لا مادّة لها فالماء غير متصل بها ومحكوم بالانفعال ، وفي هذه الصورة أيضاً لا إشكال في جريان استصحاب عدم الاتصال بالمادّة .

   الثالثة : ما إذا لم تحرز حالته السابقة من الاتصال والانقطاع ، وهذه الصورة هي

ــ[104]ــ

مورد الوجوه الثلاثة المتقدمة دون الصورتين الأوليين كما أن هذه الصورة هي التي ندعي جريان استصحاب العدم الأزلي فيها ، على ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) ومثّل له بما إذا شكّ في قرشية المرأة وذكر أن المرأة حينما وجدت لا ندري أ نّها هل اتصفت بالقرشية أم لم تتصف بها ولم تكن متصفة بها قبل وجودها قطعاً والأصل عدم اتصافها بتلك الصفة حين وجودها أيضاً (1) .

   وعلى هذا التقريب يقال في المقام : إن هذا القليل لم يكن متصفاً بالاتصال قبل خلقته ، ونشك في اتصافه به حين خلقته ووجوده فالأصل أ نّه لم يتصف بالاتصال حين خلقته أيضاً ، فهو ماء قليل بالوجدان وغير متصل بالمادّة بالأصل ، فبضم الوجدان إلى الأصل يتم كلا جزئي الموضوع للحكم بالانفعال .

   هذا، وقد أورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(2) بالمنع من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية وبنى منعه هذا على مقدّمات :

   الاُولى : أن تخصيص العام بالمتصل أو بالمنفصل يوجب تعنون العام بعنوان غير عنوان الخاص لا محالة ، فإذا كان العنوان المأخوذ في الخاص وجودياً كان العام مقيداً بعنوان عدمي ، وإذا كان عدمياً كان العام مقيداً بعنوان وجودي ، وذلك لأنّ الحاكم الملتفت إلى أن موضوع حكمه كالعالم مثلاً له قسمان : العادل والفاسق ، والاهمال في الواقع أمر غير معقول فهو إما أن يرى عدم دخل شيء من الخصوصيتين في موضوع حكمه وإما لا ، وعلى الثاني إما أن يكون ما له دخل من الخصوصية في موضوع الحكم أمراً وجودياً أو عدمياً ، وهذه أقسام ثلاثة لا رابع لها لدورانها بين النفي والاثبات فالحصر فيها عقلي . أمّا القسم الأول وهو ما إذا كان موضوع الحكم مطلقاً وغير مقيد بشيء من الخصوصية : الوجودية والعدمية ، فهو أمر لا يجتمع مع التخصيص ، لأ نّه يرجع إلى الجمع بين النقيضين ، فإن الموجبة الكلية تناقضها السالبة الجزئية لا محالة، فإذا ثبت التخصيص في وجوب إكرام العالم وأن العالم الفاسق لا يجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 223 .

(2) أجود التقريرات 1 : 462 .

ــ[105]ــ

إكرامه ، امتنع معه أن يجب إكرام مطلق العالم سواء أ كان عادلاً أم كان فاسقاً ، كما أ نّه يمتنع أن يختص وجوب الاكرام بالفاسق ، فلا مناص من تقييد موضوع وجوب الإكرام بعدم كونه فاسقاً . وهذا معنى ما ذكرناه من أن تخصيص العام بعنوان وجودي يستلزم تقييده بأمر عدمي .

   الثانية : أن الموضوع إذا كان مركباً ، فإمّا أن يتركّب من غير العرض ومحلّه ، وإمّا أن يكون مركّباً من العرض ومحلّه .

   أمّا على الأوّل : كما إذا كان الموضوع مركباً من جوهرين أو من جوهر وعرض في موضوعه ، أو من عرضين في موضوع واحد ، أو في موضوعين فلا موجب لأخذ أحد الجزءين نعتاً للجزء الآخر بل اللاّزم هو اجتماع الجزءين في الخارج بلا دخل خصوصية اُخرى .

   وأمّا على الثاني كأخذ الكرية والماء في موضوع الاعتصام وعدم الانفعال بمجرد ملاقاة النجاسة ، فلا مناص من أن يؤخذ العرض في الموضوع على نحو وجوده النعتي ، فإنّه لا سبيل إلى أخذه على نحو الوجود المحمولي، فإنّ انقسام الشيء باعتبار أوصافه ونعوته في مرتبة سابقة على انقسامه باعتبار مقارناته ، فإذا كان التخصيص موجباً لتقييد موضوع العام ورافعاً لإطلاقه فإمّا أن يرجع التقييد إلى التقييد بلحاظ الانقسام الأولى ، فيكون الموضوع مقيداً بالوجود النعتي ، أو العدم النعتي المعبّر عنهما بمفاد كان وليس الناقصتين وإما أن يرجع إلى التقييد بلحاظ الانقسام الثانوي ، ليكون المأخوذ في الموضوع الوجود أو العدم المحمولي المعبّر عنهما بمفاد كان وليس التامتين .

   لا سبيل إلى الثاني ، فإنّه مع تقييده بهذا الاعتبار إما أن يبقى الموضوع على إطلاقه بالاعتبار الأول ، أو يكون مقيداً به أيضاً . أمّا الأول فهو مستحيل ، إذ كيف يمكن أن يقيد الماء في موضوع المثال بأن يكون معه كريّة ومع ذلك يبقى على إطلاقه من جهة الاتصاف بالكرية وعدمه وهل هذا إلاّ تهافت وتناقض ، وأمّا الثاني فهو أيضاً لا يمكن من الحكيم لاستلزامه اللغو ، فإن التقييد بالاعتبار الأول يغني عن التقييد بالاعتبار الثاني .

ــ[106]ــ

   ويترتّب على ما ذكرناه أن موضوع الحكم إذا كان مركباً من وجود العرض ومحلّه كما في المثال ، أو مركباً من عدم العرض ومحلّه كما فيما كان الاستثناء من العام عنواناً وجودياً ، ففي جميع ذلك لا مناص من أن يكون الدخيل في الموضوع الوجود أو العدم النعتيين ، دون الوجود أو العدم المحموليين .

   الثالثة : أن العدم الأزلي وإن كان ثابتاً وحقاً فإن كل ممكن مسبوق بالعدم لا محالة فزيد لم يكن في وقت وعلمه وعدالته لم تكونا وهكذا ... إلاّ أن هذا العدم عدم محمولي لا نعتي ، فيصح أن يقال : علم زيد لم يكن ، ولا يصح أن نقول : زيد كان غير عالم ومتصفاً بعدم العلم فإنّه لم يكن موجوداً ليتصف بالوصف الوجودي أو العدمي، فالعدم الأزلي محمولي دائماً ، ولا يصح فيه النعتي بوجه وذلك من جهة أن العدم النعتي كالوجود النعتي يحتاج إلى وجود الموضوع لا محالة .

   ويترتّب على هذه المقدّمات : أن التخصيص بعنوان وجودي يقتضي تعنون العام بعنوان عدمي لا محالة بمقتضى المقدمة الاُولى ، وأن العدم المأخوذ في الموضوع عدم نعتي بمقتضى المقدمة الثانية ، وأن العدم النعتي كالوجود النعتي يحتاج إلى وجود الموضوع لا محالة ، والتقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وعلى ذلك فلا يمكن استصحاب العدم النعتي إذ المفروض عدم العلم به سابقاً بل هو مشكوك فيه من أوّل الأمر ، وأمّا العدم المحمولي فهو وإن كان متيقناً إلاّ أ نّه لا يثبت العدم النعتي . فاشكال جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية هو الاثبات خاصة لا أن العدم قبل وجود موضوعه مغاير للعدم بعد وجود موضوعه ، فإنّ العدم عدم ، وبقاؤه غير مغاير لحدوثه بل بقاء له .

   ولا يخفى أنّ المقدّمة الاُولى والثالثة من هذه المقدّمات ممّا لا ينبغي الشكّ في صحته ، وكذلك المقدمة الثانية فيما إذا كان المأخوذ في موضوع الحكم وجود العرض وذلك لا لما ذكره (قدس سره) فإنّه يندفع بأن التقييد بكل من الاعتبارين يغني عن التقييد بالاعتبار الآخر ، كما هو الحال في كل أمرين متلازمين ، فإن التقييد بأحدهما لا يبقي مجالاً للاطلاق بالاضافة إلى الثاني منهما . بل لأجل أن وجود العرض في نفسه

ــ[107]ــ

عين وجوده لموضوعه ، إذ ليس للعرض وجودان أحدهما لنفسه وثانيهما لموضوعه بل له وجود واحد وهو عين وجوده لموضوعه وكونه وصفاً ونعتاً لمعروضه ، فإذا كان المأخوذ وجود العرض في موضوع خاص ، كالكرية المأخوذة للماء في موضوع الاعتصام وعدم الانفعال بملاقاة النجس ، فلا محالة يكون الدخيل في الموضوع هو اتصاف الماء بالكرية على نحو مفاد كان الناقصة ، فإن وجود الكرية في الماء هو بعينه اتصاف الماء بالكرية ، لما عرفت من أن وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، وأمّا إذا كان الدخيل في الموضوع هو عدم العرض كما هو الحال فيما إذا كان الخارج من العمـوم عنواناً وجودياً فإن العام يتعـنون حينئذ بوصف عدمي لا محالة فلا موجب للالتزام بكون الدخيل في الموضوع هو العدم النعتي .

   وبيان ذلك : أن ما أفاده من أن تركب الموضوع من العرض ومحلّه يستلزم أخذ الاتصاف بالعرض في موضوع الحكم ، وإن كان متيناً لما قدّمناه من أن وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، إلاّ أ نّه يختص بوجود العرض أعني العرض الوجودي ، وأمّا العدمي فلا يأتي فيه ما ذكرناه لأن العدم لا وجود له حتى يقال : إن وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فإذا تركب الموضوع من عدم العرض ومحلّه فلا يستفاد منه في نفسه أن الاتصاف بالعدم مأخوذ في موضوع الحكم فإنّه أعم ويحتاج اعتبار الاتصاف به إلى مؤونة زائدة ، فإن قامت قرينة على اعتباره فهو وإلاّ لما اعتبرنا في موضوع الحكم غير المحل وعدم العرض ولو على نحو العدم المحمولي فإذا ورد لا تكرم فساق العلماء وضممناه إلى العام ، فيستفاد منهما أن موضوع وجوب الاكرام هو العالم الذي لا يكون فاسقاً ، لا العالم المتصف بعدم الفسق لأ نّه يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، وعليه فلا مانع من استصحاب عدم الاتصاف بالفسق الثابت قبل وجود زيد ، إذ لم يكن الاتصاف قبل وجوده والآن كما كان . نعم ، لا يثبت بذلك الاتصاف بعدم الفسق ، إلاّ أنا في غنى عنه فإنّه ليس بموضوع للأثر ، وإنّما الأثر مترتب على العالم الذي لا يكون متصفاً بالفسق على نحو العدم المحمولي ، والمفروض أن له حالة سابقة كما مرّ ، وكم فرّق بين الموجبة معدولة المحمول وبين السالبة المحصلة لأن الاتصاف معتبر في الاُولى دون الثانية .

ــ[108]ــ

   وإلى ما ذكرنا أشار صاحب الكفاية (1) فيما ذكره من أن العام لا يتعنون بعد التخصيص بعنوان خاص ، بل هو بكل عنوان غير عنوان المخصص يشمله الحكم بمعنى أن العالم في مفروض المثال لا بدّ وأن لا يكون فاسقاً ، ولم يؤخذ فيه أي عنوان غير هذا العنوان ، وإن كان ذلك العنوان هو الاتصاف بالعدم على نحو مفاد ليس الناقصة ، فالخارج هو الذي اعتبر فيه الاتصاف بالفسق على وجه النعت دون الباقي تحت العموم .

   والأمر في المقام كذلك حيث إن أدلّة انفعال الماء القليل قد خصصت بالقليل الذي له مادّة ، وهو يوجب تعنون الباقي بالماء القليل الذي لا يكون له مادّة لا القليل المتصف بعدم المادّة ، وعليه فلنا أن نستصحب عدم المادّة في ظرف الشكّ إذ لم تكن له مادّة قبل وجوده والآن كما كان ، وهو استصحاب العدم المحمولي ، لأ نّه الذي يترتب عليه الأثر عند تركب الموضوع من المحل وعدم العرض ، ما دام لم تقم قرينة خارجية على اعتبار الاتصاف بالعدم ، هذا تمام كلامنا في هذه الصورة .

   الرابعة : ما إذا كان القليل مسبوقاً بحالتين متضادتين أعني الاتصال بالمادّة في زمان وعدم الاتصال بها في زمان آخر ، واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ، ولم يجر فيه شيء من استصحابي الاتصال وعدمه للتعارض أو لعدم المقتضي ، فهل هناك أصل آخر يحكم به على الماء بالطهارة ؟ .

   قد يقال : إن مقتضى الاستصحاب في الماء طهارته ، لأ نّه قبل أن يغسل به المتنجس كان طاهراً قطعاً ، فهو الآن كما كان وإن كنّا نشك في اتصاله بالمادّة وعدمه ، كما أن مقتضى الاستصحاب في المتنجس المغسول به نجاسة المغسول وعدم ارتفاع نجاسته بالغسل به ، ولا معارضة بين الاستصحابين كما ذكرناه غير مرّة لأ نّا وإن علمنا بالملازمة الواقعية بين طهارة الماء وطهارة المتنجس المغسول به ، إلاّ أن التفكيك بينهما في مقام الظاهر بالأصل مما لا مانع عنه بوجه (2) وهذا نظير ما ذكره السيد (قدس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 223 .

(2) لا يخفى أن المراد بغسل المتنجس به إنما هو إلقاؤه على الماء لا إيراد الماء على المتنجس ، وإلاّ فلا  إشكال في كفايته في طهارة الثوب بعد ما حكمنا بطهارة الماء .

ــ[109]ــ

سره) في ماء يشك في كريته مع عدم العلم بحالته السابقة .

   ثمّ إنّ التفكيك بين طهارة الماء وطهارة المغسول به في محل الكلام إنما يتم إذا كان الحكم بنجاسة القليل المحتمل اتصاله بالمادّة في الصورة السابقة مستنداً إلى جريان الاستصحاب في العدم الأزلي ، وأمّا بناء على استناده إلى صحّة التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية أو تمامية قاعدة المقتضي والمانع أو صحّة ما أسّسه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أخذ الاحراز فيما علّق عليه الترخيص فلا بدّ من الحكم في المقام بنجاسة الماء أيضاً لأ نّه قليل ، ولا ندري أن له مادّة ومقتضى عموم انفعال القليل أو قاعدة المقتضي والمانع أو عدم احراز اتصاله بالمادّة هو الحكم بنجاسته .

   ولا يبقى بعد ذلك للحكم بطهارته بالاستصحاب أو بغيره مجال ، ولا يلزم حينئذ التفكيك بين الماء والمغسول به بل كلاهما محكومان بالنجاسة ، وهذا بخلاف ما إذا اعتمدنا في الحكم بنجاسة الماء عند الشكّ في أنّ له مادّة على استصحاب عدم اتصاله بالمادّة على نحو العدم الأزلي ، فإنّ التفكيك بناء عليه تام لا إشكال فيه . والوجه فيه : أنّ الاستصحاب المذكور لا يجرى في المقام لسبقه بحالتين متضادتين ، ومعه لا يجرى شيء من استصحابي الاتصال وعدمه ، إما للتعارض وإما لعدم المقتضي على خلاف في ذلك بيننا وبين صاحب الكفاية (قدس سره) (1) وعليه فلا مانع من استصحاب الطـهارة في الماء كما لا مانع من اسـتصحاب بقاء النجاسـة في المغسول به ، فيلزم التفكيك بين طهارة الماء وطهارة المغسول به .

   ثم إن الحكم بنجاسة المغسول به بالاستصحاب في المقام يبتني على اعتبار ورود الماء على المتنجس في التطهير بالقليل ، وأمّا إذا قلنا بعدم اعتباره ، وكفاية ورود المتنجس على الماء فلا ينبغي التأمل في طهارة المغسول به ، إذ المفروض كفاية الغسل به حتى لو لم تكن له مادّة في الواقع فلا يبقى مجال للتفكيك .

   ثم إنّا إذا اعتبرنا ورود الماء على النجس في التطهير بالقليل فلا بدّ من أن نلاحظ دليل اعتبار ذلك ، فإن كان دليله ما اعتمد عليه بعضهم من أن القليل ينفعل بمجرّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 421 .

ــ[110]ــ

   [ 93 ] مسألة 3 : يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادّة (1) فلو كانت المادّة من فوق تترشح وتتقاطر ، فإن كان دون الكر ينجس . نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اتصاله بالنجس ، فلا يمكن تطهير المتنجس به فيما إذا ورد على الماء ، فلا بدّ من اعتبار ورود الماء عليه لئلاّ ينفعل بمجرد الاتصال فنحكم في المقام أيضاً بطهارة المغسول به وإن ورد على الماء ، لأن الماء لا ينفعل في المقام بمجرد اتصاله بالنجس وملاقاته معه كما لا ينفعل بعده ، وذلك بحكم الاستصحاب القاضي بطهارة الماء عند الشكّ في انفعاله ، فهو طاهر حين الاتصال وبعده فلا مانع من تطهير المغسول به مطلقاً .

   نعم ، إذا اعتمدنا في الحكم باعتبار ورود الماء على النجس على الروايات الناطقة بذلك لقوله (عليه السلام) : «صبّ عليه الماء مرّتين» (1) ونحوه فلا محيص من الالتزام بعدم طهارة المتنجس إذا ورد على الماء للشكّ في حصول شرط طهارة المغسول به لأن الماء إن كان له مادّة حين الغسل فهو طاهر يطهّر المتنجس المغسول به لا محالة وإن لم تكن له مادّة فالمغسول به محكوم بالنجاسـة لعدم حصول شرط التطهير به وهو ورود القليل على النجس ، وبما أ نّا نشك في بقاء نجاسته وارتفاعها فمقتضى استصحابها نجاسة المغسول به ، كما أن مقتضى استصحاب الطهارة في الماء طهارته فالتفكيك حينئذ صحيح .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net