ــ[246]ــ
[1193] مسألة 3 : نافلة يوم الجمعة عشرون ركعة ، والأولى تفريقها بأن يأتي ستاً عند انبساط الشمس ، وستاً عند ارتفاعها ، وستاً قبل الزوال (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما يتضح بمراجعة الكافي(1) والتهذيب(2) .
ومنها : موثقة زرارة قال : «سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس ، فاذا زال النهار قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات . . .»(3) الحديث .
وهى معتبرة السند وإن اشتمل على موسى بن بكر إذ هو ثقة على الأظهر لشهادة صفوان بأنّ كتابه مما لا يختلف فيه أصحابنا ، مضافاً إلى وقوعه في أسناد تفسير القمي كما نبّه عليه سيدنا الاُستاذ (قدس سره) في المعجم(4) .
والمتحصل من جميع ما تقدم : أنّ الأصح ما اختاره الشيخ من التفصيل بين من له شغل مانع فيجوز له التقديم ، وبين غيره فلا يجوز .
(1) تقدم الكلام حول نوافل يوم الجمعة في صدر الكتاب في فصل أعداد الفرائض والنوافل وعرفت أنّ نصوص المقام مختلفة ، ففي بعضها أنها عشرون ركعة ، وفي بعضها أنها اثنان وعشرون ، وفي بعضها أنها كسائر الأيام مع الاختلاف في كيفية الاتيان ، فهي مختلفة كماً وكيفاً ، وحيث إنّ أكثرها معتبر السند فيجوز الأخذ بكل منها .
وتحمل على الاختلاف في مراتب الفضل ، وبطبيعة الحال يكون اختيار الأكثر أفضل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 3 : 289 / 7 .
(2) التهذيب 2 : 266 / 1060 .
(3) الوسائل 4 : 231 / أبواب المواقيت ب 36 ح 7 .
(4) معجم رجال الحديث 20 : 31 / 12767 .
ــ[247]ــ
وركعتين عنده (1) .
[1194] مسألة 4 : وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى زوال الحمرة((1)) المغربية (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي عند الوقت الذي يترقب فيه الزوال من دون العلم بتحققه وإلا فتتقدم الفريضة عندئذ ، ففي صحيحة عبدالله بن سنان قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة»(2) .
وفي صحيحة حريز(3) قال : سمعته يقول : «أما أنا إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأت بالفريضة وأخّرت الركعتين إذا لم أكن صليتهما»(4) .
(2) اتفقت كلمات الأصحاب على أنّ مبدأ وقت نافلة المغرب هو بعد فريضته ، وإنما الكلام في منتهى الوقت .
فالمشهور أنه زوال الحمرة المغربية الذي هو مبدأ وقت الفضيلة لفريضة العشاء ، بل ادعى بعضهم الاجماع عليه .
ولكن جماعة منهم الشهيد في الذكرى(5) وصاحب المدارك(6) ، وكاشف اللثام(7) ذهبوا إلى امتداد الوقت بامتداد وقت الفريضة ، نظراً إلى أنه لم يرد في المقام ما يدل على التحديد بذهاب الحمرة كما ورد في الظهرين من التحديد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأولى الاتيان بها بعد زوال الحُمرة من دون تعرّض للأداء والقضاء .
(2) الوسائل 7 : 319 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 15 .
(3) الوسائل 7 : 320 / أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 20 .
(4) ولكنهما معارضتان بصحيحي الأشعري وابن أبي نصر وغيرهما ، ففي الاُولى «وركعتان بعد الزوال» ، وفي الثانية «وركعتان إذا زالت» الوسائل 7 : 323 / أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 5 ، 6 .
(5) الذكرى 2 : 367 .
(6) المدارك 3 : 74 .
(7) كشف اللثام 3 : 57 .
ــ[248]ــ
بالذراع أو بالذراعين حسبما تقدم ، وعليه فيكون المتبع هو الاطلاقات بعد سلامتها عن التقييد ، هذا .
ويستدل للمشهور ـ كما في الجواهر(1) ـ بوجوه :
أحدها : أن ذلك هو المعهود من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والمعصومين (عليهم السلام) .
ويردّه : أنه إن اُريد من المعهودية الالتزام بذلك في مقام العمل فهو أعم من التحديد على وجه يكون قضاءً بعد ذلك ، ولعله لأجل اختيار ما هو الأفضل فلا ينهض لتقييد المطلقات ، وإن اُريد بذلك أنهم متى فاتتهم النافلة قبل ذهاب الحمرة كانوا يأتون بها قضاءً ، فهو قول بلا دليل لعدم السبيل إلى إثباته بوجه .
ثانيها : أن ذلك هو مقتضى الانسباق والانصراف من النصوص الآمرة بالاتيان بالنافلة بعد صلاة المغرب .
وفيه : أن دعوى الانصراف بمثابة يمنع عن التمسك بالمطلقات بعد زوال الحمرة ، ولا سيما مع اهتمام الشارع بالاتيان بها بقوله (عليه السلام) : «لا تدعهن في حضر ولا سفر»(2) كما ترى فانها عارية عن كل شاهد كما لا يخفى .
ثالثها : أن وقت المغرب مضيق ينتهي بذهاب الحمرة كما نطق به بعض النصوص ، فاذا كانت الفريضة مضيّقة فنافلتها أحرى بذلك وأولى .
وفيه أوّلاً : أنه إن اُريد من الضيق في تلك النصوص الضيق الحقيقي بمعنى فوات المغرب بذهاب الحمرة وصيرورتها قضاءً فلا يلتزم به لا صاحب الجواهر ولا غيره ، ولا ينبغي الالتزم به ، فان الضيق المزبور محمول على الأفضلية بلا ريب كما تقدم سابقاً .
وإن اُريد منه الضيق التنزيلي الادعائي بمعنى أن التأخير حيث يستوجب فوات الفضيلة الثابتة أول الوقت فهو بمثابة فوات أصل الصلاة مبالغة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 7 : 186 .
(2) الوسائل 4 : 86 / أبواب أعداد الفرائض ب 24 ح 1 .
ــ[249]ــ
مرجوحيته وأفضلية التقديم ، فلا مانع إذن من الالتزام بمثله في النافلة أيضاً بمناط واحد ، ولا يلزم من ذلك التحديد المدعى كي لا يجوز الاتيان بها بعد ذهاب الحمرة .
وثانياً : قد تقدم سابقاً توجيه الضيق في هذه الروايات وأنها ناظرة إلى الضيق بلحاظ أول الوقت حيث لا نافلة قبل صلاة المغرب ، بخلاف سائر الفرائض فتكون طبعاً مضيقة من ناحية المبدأ وهو خارج عما هو محل الكلام من التحديد من ناحية المنتهى .
وثالثاً : لو تنازلنا وسلّمنا دلالتها على الضيق الحقيقي من ناحية المنتهى فليت شعري أيّ تلازم بين الضيق في وقت الفريضة وبينه في وقت النافلة ، ومن الجائز أنّ الفريضة لمكان أهميتها ورفعة شأنها لوحظ فيها التضييق ، ولم تكن النافلة بهذه المثابة لتستوجب العناية ، ومن ثم ساغ تأخيرها عملاً باطلاق أدلتها الكاشف عن التوسع في التطوع .
رابعها : ما ذكره المحقق (قدس سره)(1) ولعله أحسن ما قيل في المقام : من أن التأخير عن ذهاب الحمرة يستوجب التطوع في وقت الفريضة وهي صلاة العشاء ، حيث إنّ وقتها وإن دخل منذ الغروب مترتباً على صلاة المغرب كما في الظهرين ، لكن أفضلية التأخير إلى ذهاب الحمرة تسوّغ الاشتغال بالتطوع في في هذه الفترة من غير أيّة حزازة ، فلا مانع من الاتيان بالنافلة في هذه الحالة . أما بعد ذلك فلأجل أنه مأمور فعلاً بفريضة العشاء لفعلية أمرها من جميع الجهات حتى من ناحية وقت الفضيلة ، فالتلبس بالنافلة عندئذ تطوع في وقت الفريضة ، وهو منهي عنه في الروايات الكثيرة ، فالتحفظ عن الوقوع في هذا المحذور يستلزم المصير الى التحديد المزبور الذي عليه المشهور .
أقول : يرد عليه أوّلاً : أنه مبني على القول بحرمة التطوع في وقت الفريضة ، وأما بناءً على جوازه وإن كان مكروهاً ـ كما هو الأصح ـ فغايته مرجوحية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعتبر 2 : 53 .
ــ[250]ــ
الاتيان بالنافلة بعد ذهاب الحمرة لا محدودية الوقت بذلك وتقييد الاطلاقات كما هو المدعى .
وثانياً : أنه لا يتم حتى على القول بالحرمة أو البناء على ارتكاب التقييد في الاطلاقات وإن قلنا بالكراهة ، وذلك لأن محل الكلام هو تحديد الوقت في حدّ ذاته وبعنوانه الأولي ، وأما المنع بالعنوان الثانوي العارضي فهو أمر آخر لا ربط له بمحل البحث ، ضرورة وضوح الفرق بين انقضاء الوقت بسقوط الحمرة وبين عدم جواز النافلة لمكان المزاحمة .
وتظهر الثمرة فيما لو استحب تأخير الفريضة عن أول وقت الفضيلة إما لانتظار الجماعة أو لاستكمال الأذان أو لأمر آخر ، فاذا كان الفصل بين ذهاب الحمرة وبين انعقاد الجماعة مثلا الذي مبدؤه قول المقيم : قد قامت الصلاة ، بمقدار يسع للاتيان بالنافلة ، ساغ بعنوان الأداء على الثاني دون الأول .
خامسها : أن جملة من النصوص قد نطقت بأن المفيض من عرفات إذا صلى المغرب بالمزدلفة أخّر النافلة إلى ما بعد العشاء(1) ، بدعوى أنّ الوجه في هذا التأخير إنما هو انقضاء الوقت ، إذ لو كان ممتداً لوقعت في وقتها على التقديرين فما هوالموجب للتأخير .
ويندفع : بمنع ذلك ، ومن الجائز أن يكون الوجه في التأخير المزبور التحفظ عن التطوع في وقت الفريضة ، حيث إن الغالب وصول المفيض إلى المزدلفة بعد ذهاب الحمرة المغربية ، إذ المسافة بينها وبين عرفات ما يقارب الفرسخين فتستوعب من الوقت هذا المقدار بطبيعة الحال ، فلا جرم تقع النافلة في وقت فريضة العشاء لو قدّمها عليها .
ويكشف عما ذكرناه بوضوح : صحيحة أبان بن تغلب قال : «صليت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلى المغرب قام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 14 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 .
|