ــ[263]ــ
[1198] مسألة 8 : وقت نافلة الليل ما بين نصفه والفجر الثاني (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويظهر منهما ـ كما أشرنا إليه آنفاً ـ اختصاص الاستحباب بالمنام أوّلاً ، وبالانتباه قبل الطلوع أو عنده ثانياً ، فلا دليل على المشروعية لدى فقد أحد القيدين عدا إطلاق فتوى الأصحاب بالاستحباب ، وقد عرفت ما فيه ، إلا بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى المشهور .
(1) يقع الكلام تارة من حيث المبدأ واُخرى من ناحية المنتهى ، فهنا مقامان :
أما المقام الأوّل : فالمعروف أنه انتصاف الليل ، وقيل أوّله ، ويستدل للمشهور بوجوه :
أحدها : الاجماع .
وفيه : أنه إن اُريد به الاجماع على جواز الاتيان بها لدى الانتصاف ، فهذا مسلّم لا غبار عليه .
وإن اُريد به قيامه على اتصافه بالأوّلية كي يترتب عليه لازمه وهو عدم جواز الاتيان بها قبل ذلك ، فهذا أوّل الكلام ، بل لا نظن كونه مقصوداً ومنظوراً لهم لو لم يظن بالعدم ، ولا أقل من الشك ، فهذا الاستدلال ساقط .
ثانيها : مرسلة الصدوق قال : «قال أبوجعفر (عليه السلام) : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره»(1) .
وهي كما ترى صريحة في المدعى ، غير أنّ إرسالها مانع عن الاستدلال بها .
ثالثها : الأخبار الناطقة بأنّ النبي والوصي(عليهما السلام) كانا ملتزمين بالاتيان بها بعد النصف ، فلو ساغ قبله لصدر منهما ولو مرّة .
ويدفعه : أنّ حكاية الفعل لا تدل على التوقيت ، ولعله كان من أجل اختيار الفرد الأفضل ، ألا ترى أنه لم يحك عن أحد من المعصومين (عليهم السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 248 / أبواب المواقيت ب 43 ح 2 . الفقيه 1 : 302 / 1379 .
ــ[264]ــ
الاتيان بالظهرين قبل الغروب بساعة ، بل كانوا ملتزمين بوقت الفضيلة ، مع ضرورة امتداد الوقت إلى الغروب ، فلا مجال للاستدلال بعملهم الخارجي على التوقيت الشرعي بوجه .
رابعها : الروايات الكثيرة الدالة على جواز التقديم على النصف للمعذور كالمريض والمسافر والشاب وخائف الجنابة وغيرهم ، فانه لو كان التقديم سائغاً في طبعه والوقت واسعاً في نفسه فما هو الموجب لهذا التخصيص وذكر هؤلاء بالتنصيص ، بل هو سائغ لهم ولغيرهم بمناط واحد .
والجواب : أنّه يمكن أن يكون امتيازهم عن غيرهم مع فرض سعة الوقت في نفسه مرجوحية التقديم في حال الاختيار وارتفاعها عن المعذور فيكون الأفضل التأخير عن النصف إلا لهؤلاء المعذورين .
خامسها : ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة ، فيصلي أوّل الليل أحب إليك أم يقضي ؟ قال : بل يقضي أحبّ إليّ ، إني أكره أن يتخذ ذلك خُلقا ، وكان زرارة يقول : كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها ، إنما وقتها بعد نصف الليل»(1) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بمحمد بن سنان ، أنّ محل الاستشهاد وهو الذيل وإن كان صريحاً في المطلوب ، لكنه قول زرارة نفسه دون الامام (عليه السلام) ، ولعله رأيه وفتواه ، ولا اعتداد به ما لم ينسبه إليه (عليه السلام) .
والمتحصل لحدّ الآن : أنّ هذه الوجوه لا يتم الاستدلال بشيء منها للقول المشهور . والصواب أن يستدل له بوجهين آخرين :
أحدهما : موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إنما على أحدكم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 256 / أبواب المواقيت ب 45 ح 7 . التهذيب 2 : 119 / 448 .
ــ[265]ــ
إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة . .» الخ(1) .
دلت بمقتضى المفهوم على أنه ليس لأحد أن يقوم قبل انتصاف الليل ـ ولم أرَ من استدل بها في المقام ـ وبذلك تقيد المطلقات . ومن المعلوم أنه لا مجال لحمل التقييد على أفضل الأفراد حتى في باب المستحبات بعد أن كانا متخالفين في النفي والاثبات كما نبهنا عليه في الاُصول(2) .
ثانيهما : الروايات الدالة على تقديم القضاء لدى الدوران بينه وبين الاتيان بها في أول الليل التي منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : «قلت له : إن رجلاً من مواليك من صلحائهم شكى إليّ ما يلقى من النوم ـ إلى أن قال ـ : ولم يرخص في النوافل (الصلاة) أول الليل ، وقال القضاء بالنهار أفضل»(3) ونحوها غيرها .
فانها خير دليل على أنّ مبدأ الوقت إنما هو الانتصاف ، إذ لو كان هو أول الليل كان التقديم اتياناً لها في وقتها وتتصف حينئذ بالأداء بطبيعة الحال فكيف يفضّل عليه التأخير والاتيان في خارج الوقت ، فانّ مرجعه إلى تفضيل القضاء على الأداء وترجيحه عليه ، وهو كما ترى مناف لحكمة التوقيت وتشريع الأجل ، هذا .
ويستدل للقول الآخر أعني امتداد الوقت منذ أوّل الليل بوجوه :
أحدها : المطلقات المتضمّنة لاستحباب صلاة الليل على اختلاف ألسنتها ، من أنها ثمان ركعات ، أو إحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة ركعة في الليل ، ولعل منها : قوله تعالى : (يَـأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 495 / أبواب التعقيب ب 35 ح 2 .
(2) لاحظ محاضرات في اُصول الفقه 5 : 383 .
(3) الوسائل 4 : 255 / أبواب المواقيت ب 45 ح 1 .
ــ[266]ــ
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ . . .) الخ(1) فان مقتضى إطلاقها عدم الفرق في الاستحباب وقيام الليل المأمور به بين الانتصاف وما قبله وما بعده .
وفيه : أنّ مقتضى الجمع بين هذه المطلقات وبين مثل موثقة زرارة ونحوها مما دل على التحديد بالنصف ارتكاب التقييد ، عملاً بصناعة الاطلاق والتقييد المطّردة في أبواب الفقه ، هذا إذا كانت واردة في مقام البيان من ناحية التوقيت وإلا فلا إطلاق من أصله .
وثانيها : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله إلى آخره ، إلا أن أفضل ذلك بعد انتصاف الليل»(2) .
ثالثها : معتبرة محمد بن عيسى قال : «كتبت إليه أسأله : ياسيدي روي عن جدّك أنه قال : لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل ، فكتب في أيّ وقت صلى فهو جائز إن شاء الله»(3) .
وهي كسابقتها صريحة في التعميم ، كما أنها إما صحيحة السند باعتبار وقوع محمد بن عيسى والد أحمد بن محمد بن عيسى في أسناد كامل الزيارات ، أو لا أقل من أنها حسنة لما قيل في حقه من أنه شيخ القميين ووجه الأشاعرة .
والظاهر أن المروي عنه هو الرضا (عليه السلام) لأن أكثر رواياته عنه ، وإن كان يروي عن الجواد (عليه السلام)أيضاً . ولعل نظره في قوله : «روي عن جدك إلى موثقة سماعة المتقدمة آنفاً المروية عن الصادق (عليه السلام) الذي هو جدّ الرضا (عليه السلام) .
وكيف ما كان ، فهي معتبرة وصريحة في التوسعة كالموثقة ، غايته أن النصف أفضل .
ويندفع : بأنّ الأمر وإن كان كذلك ، لكنهما مطلقتان بالنسبة إلى ذوي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المزّمل 73 : 1 ـ 4 .
(2) الوسائل 4 : 252 / أبواب المواقيت ب 44 ح 9 .
(3) الوسائل 4 : 253 / أبواب المواقيت ب 44 ح 14 .
ــ[267]ــ
الأعذار وغيرهم ، ومقتضى الجمع بينهما وبين موثقة زرارة ونحوها مما دلّ على التحديد بالنصف ، حملهما على صورة العذر بشهادة النصوص المصرحة بالتقديم لخصوص المعذورين .
رابعها : رواية الحسين بن علي بن بلال قال : «كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فان فات فأوّله وآخره جائز»(1) .
وهي صريحة في أفضلية النصف دون التوقيت به ، بل الوقت واسع من أول الليل .
وفيه : أنها ضعيفة السند ، فان ابن بلال لم يوثّق في كتب الرجال . نعم الراوي عنه وهو إبراهيم بن مهزيار من رجال كامل الزيارات فلا نقاش من ناحيته(2) .
خامسها : ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من الاستدلال بما دلّ على جواز التقديم لخائف الجنابة كصحيحة يعقوب بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجّل صلاة الليل والوتر في أول الليل ؟ قال : نعم»(3) بتقريب أن خوف الجنابة لا يسوّغ التقديم على الوقت ، بل غايته الانتقال إلى التيمم ، ألا ترى أن من يخافها لا يجوز له تقديم الظهرين على الزوال ، بل يكتفي بالطهارة الترابية بلا إشكال ، لوضوح ترجيح الوقت على الطهارة المائية لدى الدوران ، ولا يكون العجز عنها مسوّغاً للصلاة قبل الوقت بالضرورة .
وعليه فتسويغ التقديم في محل الكلام خير دليل على توسعة الوقت في حد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 253 / أبواب المواقيت ب 44 ح 13 .
(2) حسب الرأي السابق المعدول عنه .
(3) الوسائل 4 : 252 / أبواب المواقيت ب 44 ح 10 .
ــ[268]ــ
ذاته ، فيجوز الاتيان بها من أوّل الليل حتى اختياراً ، لا أن التوسعة ناشئة من الضرورة فانها لا تقتضيها كما سمعت(1) .
ويندفع : بأنّ ما دل على التحديد بالنصف ـ ممّا تقدم ـ قابل للتخصيص بغير خائف الجنابة ، وليس مما يأبى ويمتنع عنه إذا ساعده الدليل ، وقد دل الدليل على ثبوت التوسعة له ولغيره من المعذورين ، ومقتضى الصناعة ارتكاب التقييد الذي ليس هو بعزيز في الفقه فيلتزم به ولا ضير فيه .
ولا يقاس ذلك بالظهرين وغيرهما من الفرائض ، لعدم نهوض أيّ دليل ثمة على التقديم لأيّ أحد ، ولو قام لالتزمنا به أيضاً كالمقام وارتكبنا التقييد بمناط واحد .
وعلى الجملة : لا يثبت بالدليل المزبور إلا التوسعة لخائف الجنابة لا لعامة المكلفين ليدل على جواز التقديم حتى في حال الاختيار كما لعله واضح .
فتحصل : أنّ الأصح ما عليه المشهور من التوقيت بمنتصف الليل للمختار وإن كان واسعاً منذ أوّل الليل بالنسبة إلى المعذور .
وأما المقام الثاني : فالمشهور بل لعله المتسالم عليه امتداد الوقت إلى طلوع الفجر الصادق ، ونسب إلى السيد المرتضى (قدس سره) انتهاؤه بطلوع الفجر الكاذب(2) .
ولكنه لا دليل عليه ، بل إن الأدلة الناطقة بالتعجيل في صلاة الليل لمن خاف مفاجأة الصبح وطلوعه ، وأنه يكتفي حينئذ بقراءة الحمد ، أو أنه يبدأ بالوتر كما في الروايات الآتية ، حجة عليه ، ضرورة أنّ الخوف المزبور إنما يكون بعد الفجر الأول ـ الكاذب ـ إذ لو كان قبله لم يكن وجه للبدأة بالوتر ، فان الأفضل إيقاعها ما بين الفجرين .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 50 السطر 16 .
(2) حكاه عنه في المختلف 2 : 56 .
ــ[269]ــ
إلا أن يريد (قدس سره) بذلك انتهاء وقت فضيلة صلاة الليل أو هي مع الشفع بانتهاء الفجر الأول حتى يكون ما بين الفجرين مختصاً بصلاة الوتر ، لما في غير واحد من الأخبار من استحباب الاتيان في هذا الوقت ، فما عليه المشهور هو المتعيّن .
وكيف ما كان ، فالتحديد المزبور بناءً على ما هو المشهور من انتهاء الليل بطلوع الفجر وأنه اسم لما بينه وبين غروب الشمس ، وأنّ ما بين الطلوعين ملحق بالنهار أو أنّه لا من الليل ولا من النهار ، واضح لا غبار عليه ، ولا يحتاج إلى تجشم الاستدلال ، ضرورة انتفاء الموضوع بانتهاء الليل ، فلا مجال لتوهم أنّ ما بعده وقت لصلاة الليل .
وأما بناءً على ما هو الصواب من الحاقه بالليل وأنه اسم لما بين غروب الشمس وطلوعها ـ على ما سبق في محله ـ فالحكم بانتهاء الوقت بطلوع الفجر يحتاج إلى إقامة الدليل ، لفرض بقاء الليل إلى طلوع الشمس .
ويدلنا عليه مضافاً إلى التسالم ، والاجماع القطعي حيث لم ينقل عن أحد امتداد الوقت إلى طلوع الشمس : جملة من الروايات التي نطقت بانتهاء الوقت وصيرورتها قضاء بعد طلوع الفجر ، عمدتها صحيحة جميل بن دراج قال : «سألت أباالحسن الأول (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فقال : نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمد المخزون»(1) .
حيث قرّر (عليه السلام) ما كان مركوزاً في ذهن السائل من القضاء بعد طلوع الفجر ، وبما أنّ المخالفين لا يرون ذلك ، وَصّفَه بأنّه من سرّ آل محمد المخزون ، فالدلالة تامة كالسند ، إذ المراد بابراهيم الواقع فيه هو إبراهيم بن هاشم ، بقرينة الراوي والمروي عنه ، وهو ثقة على الأظهر لوقوعه في أسناد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 273 / أبواب المواقيت ب 56 ح 1 .
ــ[270]ــ
كامل الزيارات(1) ، بل ادعى ابن طاووس(2) الاتفاق على وثاقة جماعة هو أحدهم ، ولا أقل من أنه ممدوح ، كما أنّ محمد بن عمرو الزيات الذي يروي عنه إبراهيم قد وثقه النجاشي(3) ، وما في نسخة الوسائل من ذكر (عمر) بدل (عمرو) غلط ، فان محمد بن عمر الزيات لا وجود له في الروايات والصواب ما عرفت .
وتؤكدها جملة من الروايات :
منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفاجأه الصبح يبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك ؟ قال : بل يبدأ بالوتر ، وقال : أنا كنت فاعلاً ذلك»(4) .
فان أمره (عليه السلام) بالاقتصار على الوتر وترك صلاة الليل خوفاً من مفاجأة الصبح خير دليل على انتهاء الوقت بطلوع الفجر .
ومنها : صحيحة معاوية بن وهب قال : «سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل»(5) فان الوقت لو كان ممتداً إلى طلوع الشمس لم يكن وجه للاقتصار على الوتر ، وترك صلاة الليل .
ومنها : ما تضمن التعجيل في صلاة الليل بالاكتفاء بقراءة الحمد لدى خوف مفاجأة الصبح ، وهو ما رواه اسماعيل بن جابر أو عبدالله بن سنان قال : «قلت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسب الرأي السابق .
(2) فلاح السائل : 284 .
(3) رجال النجاشي : 369 / 1001 .
(4) الوسائل 4 : 257 / أبواب المواقيت ب 46 ح 2 .
(5) الوسائل 4 : 258 / أبواب المواقيت ب 46 ح 3 .
ــ[271]ــ
والأفضل إتيانها في وقت السحر وهو الثلث الأخير من الليل ، وأفضله القريب من الفجر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : اقرأ الحمد واعجل واعجل»(1) فانه لولا الانتهاء لم يكن أيّ مقتض للتعجيل .
ومنها : ما دل على أنّ من قام من النوم ، فان كان شاكاً في طلوع الفجر صلى صلاة الليل وإلا بدأ بالفريضة ، كمعتبرة المفضل بن عمر قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أقوم وأنا أشك في الفجر ، فقال : صلّ على شكك ، فاذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين ، وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصلّ غيرها ، فاذا فرغت فاقض ما فاتك»(2) وهي صريحة في المطلوب .
(1) فالقريب أفضل الأفضل ، ومن ثم قيل إنها كلما كانت أقرب إلى الفجر كانت أفضل ، إلا أنّ هذا لا دليل عليه ، لخلوّه عن النص كما اعترف به غير واحد ، وإنما الوارد في لسان الروايات أفضلية الاتيان بها في الثلث الأخير أو في السحر أو في آخر الليل .
فمن الأول : صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ساعات الوتر ، قال : أحبّها إليّ الفجر الأول ، وسألته عن أفضل ساعات الليل ، قال : الثلث الباقي . . .»الحديث(3) فانها وإن لم تصرح بأفضلية الاتيان بصلاة الليل في الثلث الباقي إلا أنه يستفاد منها ذلك بقرينة سبق السؤال عن ساعة الوتر كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 257 / أبواب المواقيت ب 46 ح 1 .
(2) الوسائل 4 : 262 / أبواب المواقيت ب 48 ح 4 .
(3) الوسائل 4 : 272 / أبواب المواقيت ب 54 ، ح 4 .
ــ[272]ــ
ومن الثاني : صحيحة أبي بصير قال : «سالت أباعبدالله (عليه السلام) عن التطوع بالليل والنهار ، فقال : الذي يستحب . . . ـ إلى أن قال ـ : ومن (في) السحر ثمان ركعات . . .»الخ(1) والسند صحيح ، فان المراد من شعيب الواقع في الطريق هو العقرقوفي الثقة بقرينة رواية حماد بن عيسى عنه ، ولعله إليه يشير قوله تعالى : (وَبِالاَْسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(2) وقوله تعالى : (وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالاَْسْحَارِ)(3) . وتؤيد الصحيحة نصوص اُخر ضعيفة السند .
ومن الثالث : ذيل الصحيحة المزبورة ، وموثقة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «صلاة النافلة ـ إلى أن قال : ـ . . . وثمان ركعات من آخر الليل . . .»الخ(4) .
فان عثمان بن عيسى الواقع في السند وإن كان شيخ الواقفية وورد فيه من الطعن ما ورد ، إلا أنّ الكشي(5) حكى عن بعضهم أنّه عدّه من أصحاب الاجماع مكان فضالة بن أيوب . مضافاً إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات(6) .
وموثقة ابن بكير عن رزارة قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات الزوال ـ إلى أن قال ـ : وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل . . .» الخ(7).
وموثقته الاُخرى قال : قال أبوعبدالله (عليه السلام) : ما كان يحمد (يجهد)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 59 / أبواب أعداد الفرائض ب 14 ح 2 .
(2) الذاريات 51 : 18 .
(3) آل عمران 3 : 17 .
(4) الوسائل 4 : 51 / أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 16 .
(5) رجال الكشي : 556 / 1050 .
(6) حسب الرأي السابق المعدول عنه .
(7) الوسائل 4 : 59 / أبواب أعداد الفرائض ب 14 ح 3 .
ــ[273]ــ
الرجل أن يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام ويذهب»(1) .
وموثقة مرازم عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : «قلت له : متى اُصلّي صلاة الليل ؟ قال : صلّها في آخر الليل»(2) فانّ علي بن الحكم الواقع في السند ثقة على الأظهر ، وكذلك هارون ، فانه ابن خارجة الثقة على ما تقتضيه رعاية الطبقة وملاحظة الراوي والمروي عنه ، ونحوها غيرها .
وعلى الجملة : فمورد النصوص إنما هو هذه العناوين الثلاثة ، هذا .
ولا تنافي بين الأولين ، بل يمكن إرجاعهما إلى أمر واحد ، نظراً إلى أنّ السحر وإن فسّر في كلمات بعض الفقهاء واللغويين(3) بالسدس الأخير أو قبيل الصبح ، أو آخر الليل ، إلا أنّ المراد من الثلث الباقي هو السدس الأخير ، بضميمة ما بين الطلوعين المعادل لهذا المقدار تقريباً ، بناءً على المختار من كونه من الليل ، فيكون مجموع السدسين متحداً مع الثلث ومنطبقاً عليه مع اختلاف يسير لا يعبأ به .
وبعبارة اُخرى : مبدأ السدس الأخير من الليل الذي ينتهي بطلوع الفجر هو مبدأ الثلث الباقي منه إلى طلوع الشمس ، فالتعبير الأول مبني على الغض عما بين الطلوعين باعتبار انتهاء وقت صلاة الليل بذلك ، والتعبير الثانى مبني على رعايته ، فلا اختلاف إلا بمقدار لا يعتنى به كما سمعت ، فيكون المراد به ما قبل طلوع الفجر بمقدار ساعة ونصف إلى ساعتين تقريباً حسب اختلاف فصول السنة من حيث قصر الليل وطوله .
وأما الثالث : أعني آخر الليل ، فان اُريد به الثلث الباقي فلا منافاة ، وإن اُريد به الأقل من ذلك ـ كما لعله الأظهر ـ فيمكن الجمع تارة : بحمل ما دل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 271 / أبواب المواقيت ب 53 ح 5 .
(2) الوسائل 4 : 272 / ابواب الواقيت ب 54 ح 3 .
(3) تهذيب اللغة 4 : 293 ، لسان العرب 4 : 350 .
ــ[274]ــ
على الثلث على إرادة من يراعي جميع السنن والآداب ، فانه لا مناص له من التقديم ليتسع الوقت للجميع ، وما دل على آخر الليل على من يقتصر على النافلة ، فيختلف ذلك باختلاف المصلّين من حيث التطويل والتقصير .
واُخرى : بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، فوقت النافلة يدخل عند الانتصاف ، والأفضل التأخير إلى الثلث الباقي ، وأفضل منه التأخير إلى آخر الليل ، وبذلك يرتفع التنافي المراءى بين الأخبار .
ويعضده الجمع بين السحر ـ الذي عرفت اتحاده مع الثلث الباقي ـ وبين آخر الليل في صحيحة أبي بصير المتقدمة(1) ، والتصريح بأن الثاني أحب ، الكاشف طبعاً عن المغايرة وعن الأفضلية حسبما ذكرناه ، وأما أنه كلما كان أقرب إلى الفجر كان أفضل فلا دليل على هذه الكلية كما أسلفناك .
بقي شيء : وهو أنه يستفاد من جملة من الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقوم إلى صلاة الليل بعد ثلثه أو نصفه ، ويأتي بها متفرقة ، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال : لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة ، قلت : متى كان يقوم ؟ قال : بعد ثلث الليل»(2) ، قال الكليني وقال في حديث آخر : «بعد نصف الليل»(3) .
فكيف ينسجم ذلك مع أفضلية التأخير إلى الثلث الباقي أو إلى آخر الليل وكيف جرت عادته (صلى الله عليه وآله) على ترك ما هو الأفضل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 272 .
(2) الوسائل 4 : 270 / أبواب المواقيت ب 53 ح 2 .
(3) المصدر المتقدم ح 3 ، الكافي 3 : 445 / 13 .
|