الموارد المستثناة من استحباب تعجيل الصلاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8247


   [1203] مسألة 13  : قد مرّ أن الأفضل في كل صلاة تعجيلها (3) فنقول يستثنى من ذلك موارد(4).

 ـــــــــــــــــــــــــ
   (3) وقد مرّ مستنده في محله(2) .

   (4) لا يخفى أن الاستثناء في هذه الموارد لم يكن على نسق واحد بل هو على قسمين ، ففي بعضها يكون الاستثناء حقيقياً ومن باب التخصيص في دليل استحباب التعجيل ، فهو بوصفه العنواني مرجوح ومفضول ، وهذا كالمتيمم

ـــــــــــــ
(2) في ص 228 .

ــ[297]ــ

   الأوّل : الظهر والعصر لمن أراد الاتيان بنافلتهما (1) وكذا الفجر إذا لم يقدّم نافلتها قبل دخول الوقت .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحتمل لارتفاع العذر قبل انتهاء الوقت ، فان التأخير له أفضل بناءً على جواز البدار ـ وإلا تعين ـ فلو قدّم فقد أتى بها في غير الوقت الأفضل .

   وفي بعضها يكون الاستثناء بمناط المزاحمة مع مستحب آخر أهم ، فلو خالف وقدّم فقد أتى بالفريضة في الوقت الأفضل بالذات غير أنّه فوّت على نفسه ما هو أهم منه ، وهذا كما ترى ليس من الاستثناء الحقيقي في شيء ، وإنما هو لمراعاة درك ما هو أفضل من التعجيل ، وهذا كصلاة الظهرين لمن أراد نافلتهما ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في بعض نصوص الباب : «أو تدري لِمَ جعل الذراع والذراعان ؟ قلت : لم جعل ذلك ؟ قال (عليه السلام) : لمكان النافلة»(1) .

   (1) تحكيماً للنصوص الناطقة باستحباب النافلة الكاشفة طبعاً عن أهمية فضليتها عن فضيلة أول الوقت ، إلا إذا لم تكن مشروعة كما في السفر ، أو كان المكلف آتياً بها قبل الزوال كما في يوم الجمعة ، أو لم يكن مريداً للاتيان بها .

   ومنه تعرف أن التأخير إنما هو لمكان المزاحمة ، فحيث إن التقديم يستوجب تفويت النافلة وهي أهم التزم بالاستثناء ، فلو غضّ النظر عنها لشيء مما عرفت كان الاتيان أول الوقت هو الأفضل .

   وقد تقدم التصريح في بعض النصوص بأن تحديد الوقت بالذراع والذراعين أو المثل والمثلين إنما هو لمكان النافلة من دون خصوصية في ذلك ، بل في بعضها الأمر بتخفيف النافلة لدرك فضيلة الوقت مهما أمكن .

   وعلى الجملة : فالاستثناء مبني على أساس المزاحمة ورعاية الأهم ، ويمكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 141 / أبواب المواقيت ب 8 ح 3 .

ــ[298]ــ

   الثاني : مطلق الحاضرة لمن عليه فائتة وأراد إتيانها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يتعدى إلى كل أهم زاحم فضيلة الوقت كقضاء حاجة المؤمن أو إعانته ونحوهما لاتحاد المناط .

   (1) هذا مبني على القول بالمواسعة في قضاء الفوائت ، وأما على المضائقة فيتعيّن تقديم الفائتة ، ولا مجال للبحث عن الأفضلية ، وسيوافيك تحقيق ذلك في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى .

   فعلى هذا المبنى وقع الكلام في أن الأفضل هل هو تقديم الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيق وقتها أو أن ا لأمر بالعكس ؟

   مقتضى جملة من النصوص التي منها صحيحة زرارة هو الأول ، فقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : إذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلها ، وإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى»(1) .

   ولكنها قد تعارض بصحيحتين ظاهرتين في الثاني :

   إحداهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة . . .»الخ(2) .

   ثانيتهما : صحيحة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 287 / أبواب المواقيت ب 62 ح 1 .

(2) الوسائل 4 : 288 / أبواب المواقيت ب 62 ح 3 .

ــ[299]ــ

   الثالث : في المتيمم مع احتمال زوال((1)) العذر أو رجائه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(2) .

   ولكن الظاهر أنه لا معارضة بين الطائفتين .

   أما أوّلاً : فلأجل أن الاُولى مطلقة والثانية واردة في خصوص فريضة الفجر فالنسبة بينهما نسبة العام والخاص ، وغايته ارتكاب التخصيص والالتزام بتقديم الحاضرة في خصوص صلاة الغداة ولا ضير فيه .

   وأما ثانياً : فبامكان الجمع بحمل الطائفة الاُولى على صورة عدم خوف فوات الحاضرة ، والثانية على صورة الخوف(3) بشهادة صحيحة اُخرى لزرارة مصرحة بهذا التفصيل حيث ورد فيها : « . . . وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم العشاء ، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صلّ الغداة ثم صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثم صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ بأولهما . . .»الخ(4) .

   إذن فلا تصل النوبة إلى التخصيص فضلاً عن المعارضة ، وتكون النتيجة أن الأفضل البدأة بالفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة وإلا قدّمت الحاضرة .

   (1) بناءً على جواز البدار في المقام فان الأفضل حينئذ هو التأخير عسى أن يتمكن من الطهارة الاختيارية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ الكلام فيه [في المسألة 1141] وأما غير المتيمم من ذوي الأعذار فالأقوى فيه جواز    البدار ، لكنّه إذا ارتفع العذر في الأثناء وجبت الاعادة .

(2) الوسائل 4 : 288 / أبواب المواقيت ب 62 ح 4 .

(3) لا يخفى أن الموضوع في الثانية الاستيقاظ بعد الفجر ، والحمل على خوف فوت الحاضرة    في هذه الحالة كما ترى ، وإنما يتجه لو عبّر بالاستيقاظ قبل طلوع الشمس .

(4) الوسائل 4 : 290 / أبواب المواقيت ب 63 ح 1 .

ــ[300]ــ

   وأما في غيره من الأعذار فالأقوى وجوب التأخير وعدم جواز البدار (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكنا قدّمنا في محله أنّ جواز البدار وإن كان مطابقاً لمقتضى القاعدة في كافة الأعذار ولكنه غير سائغ في خصوص هذا المورد ، أعني العاجز عن الماء المحتمل لزوال العذر للنصوص الخاصة الناطقة بلزوم الانتظار ، وقد تقدمت في مبحث التيمم من كتاب الطهارة(1) وعليه فالتأخير هو المتعيّن لا أنه أفضل .

   (1) نظراً إلى أن المسوّغ للانتقال إلى الصلاة الاضطرارية إنما هو العذر المستوعب لتمام الوقت ، إذ المأمور به في الصلاة الاختيارية هو الطبيعي الجامع المحدود فيما بين المبدأ والمنتهى ، فمع القدرة على فرد من الأفراد الطولية والعرضية من ذاك الجامع لا ينتقل إلى البدل ، وإنما ينتقل مع إحراز العجز عن الكل ، إذن فمع الشك ورجاء الزوال لم يحرز العجز عن الطبيعى ، فلا جرم يجب الانتظار لاستعلام الحال وإحراز موضوع الانتقال ، فان زال العذر أتى بالصلاة الاختيارية وإلا فبالعذرية ، وإنما ساغ البدار في المتيمم لما يراه (قدس سره) من دلالة النص عليه .

   ولكنه يندفع : بأن هذا التقرير إنما يتجه بلحاظ الحكم الواقعي ، وأما في مرحلة الظاهر فلا مانع من إحراز الاستيعاب باستصحاب استمرار العذر إلى آخر الوقت ، بناءً على ما هو الصواب من جريانه في الاُمور الاستقبالية كالحالية فيسوغ له البدار استناداً إلى هذا الأصل ، غاية الأمر أنه لما كان حكماً ظاهرياً والأحكام الظاهرية بأسرها يكون الإجزاء فيها منوطاً بعدم انكشاف الخلاف ، فان استبان له ارتفاع العذر أعاد ، وإلا كان ما أتى به مجزئاً وذاك أمر آخر .

   ومنه تعرف أنّ مقتضى القاعدة جواز البدار في كافة الأعذار ما عدا التيمم ـ على العكس مما أفاده (قدس سره) ـ فان النص قد دل فيه على عدمه لا على جوازه كما زعمه ، وتمام الكلام في محله .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة : 10 : 324 .

 
 

ــ[301]ــ

   الرابع : لمدافعة الأخبثين ونحوهما فيؤخر لدفعهما (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) هذا من الاستثناء الحقيقي ، فلو صلى مع المدافعة أتى بها في الوقت غير الأفضل ، ويستدل له بروايتين :

   إحداهما : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه»(1) .

   فان الحاقن هو حابس البول في مقابل الحاقب الذي هو حابس الغائط ، وطاهرها بمقتضى «لا» النافية للجنس نفي الحقيقة المساوق لنفي الصحة لولا القطع بها من الأدلة الاُخر ، فلا جرم تحمل على نفي الكمال ، فتدل على أنّ الأفضل هو التأخير .

   نعم ، يختص موردها بالحاقن لورودها في المصادر من التهذيب(2) والوسائل والمحاسن(3) كذلك ، وإن لم تتكرر أداة النفي في الأخير ، فيحتاج التعدي إلى الحاقب إلى دعوى عدم الفصل والقطع باتحاد الملاك كما لا يبعد .

   بيد أن المحدث الكاشاني احتمل التصحيف بتبديل الحاقب بالحاقنة وأنها كانت هكذا : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب»(4) ولكنه كما ترى مجرد احتمال لا يركن إليه بعد نقل الرواية في جميع المصادر بالصورة التي عرفتها ، وقد اعترف بذلك صاحب الحدائق أيضاً(5) وإن نقلها في موضع آخر بالصورة الاُخرى(6) .

   نعم ، ورد الحاقب في روايات اُخر إما بهذه اللفظة أو ما يؤديها ، ولكنها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 7 : 251 / أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2 .

(2) التهذيب 2 : 333 / 1372 .

(3) المحاسن 1 : 163 / 236 .

(4) الوافي 8 : 864 / 7261 .

(5) الحدائق 9 : 61 .

(6) الحدائق 6 : 328 .

ــ[302]ــ

بأجمعها ضعاف السند(1) لا يعوّل على شيء منها . فلا مناص في التعدي إلى ما عرفت من دعوى القطع بعدم الفرق .

   ثم إن مرجع الضمير المنفصل في قوله : «من هو في ثوبه» هو النجس المستفاد من كلمة الحاقن ، أعني البول إيعازاً إلى شدة الكراهة وكأنّه يصلي في النجس ، ولكن المحكي عن [بعض نسخ] المحاسن هكذا : «وهو بمنزلة من هو في نومه»(2) والمرجع حينئذ هو المصلي ، ولعل هذه النسخة أنسب بالمعنى وأوفق بالاعتبار ، حيث إنّ المتشاغل بمدافعة الأخبثين فاقد للتوجه وفارغ عن الاقبال فلا يدري ما يقول ، فهو بمثابة النائم المسلوب عنه الشعور . وكيف ما كان فلا دخل لهذه الفقرة بمحل الاستشهاد .

   ثانيتهما : ما رواه الشيخ باسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين»(3) .

   والدلالة ظاهرة غير أن السند ضعيف من جهة تردد والد أبي بكر بين الثقة والمهمل ، فان أبابكر الحضرمي إن كان هو محمد بن شريح فأبوه مهمل ، وإن كان هو عبدالله بن محمد فهو ـ أي محمد ـ ثقة إن اُريد به محمد بن شريح أبو عبدالله ، وإن اُريد به غيره فهو أيضاً مهمل ، وأما غيره ممن وقع في السند فلا بأس بهم ، فان علي بن الحكم موثق ، وكذلك الحضرمي نفسه لوقوعه في أسناد كامل الزيارات(4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى أنّ موثقة إسحاق بن عمار [المروية في الوسائل 7 : 252 / أبواب قواطع الصلاة  ب 8 ح 5] مشتملة على الحاقب ولا غمز في سندها بوجه .

(2) المحاسن 1 : 163 / 236 .

(3) الوسائل 7 : 252 / أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 3 . التهذيب 2 : 326 / 1333 .

(4) حسب الرأي السابق المعدول عنه ، والعمدة أنه ممدوح بعنوانه مضافاً إلى وقوعه في    تفسير القمي كما اُشير إليه في المعجم 2: 72 / 14008 .

ــ[303]ــ

   الخامس : إذا لم يكن له إقبال فيؤخّر إلى حصوله (1) .

   السادس : لانتظار الجماعة((1)) إذا لم يفض إلى الافراط في التأخير (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لصحيحة عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا اُريد المنزل فان أخّرت الصلاة حتى اُصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أفاُصلي في بعض المساجد ؟ ففال : صلّ في منزلك»(2) دلت على أنّ تأخير الصلاة مع التمكين والإقبال أفضل من تقديمها مع تشويش البال .

   (2) تقدم شطر من الكلام حول هذا الاستثناء الذي هو من باب المزاحمة لا التخصيص الحقيقي في المسألة التاسعة من الفصل السابق(3) ونعيده هنا إجمالاً تبعاً للماتن مع الايعاز إلى ما لم تسبق الاشارة إليه فنقول :

   المستند في المسألة ما رواه جميل بن صالح «أنه سأل أباعبدالله (عليه السلام) أيهما أفضل يصلي الرجل لنفسه في أول الوقت أو يؤخرها قليلاً ويصلي بأهل مسجده إذا كان إمامهم ؟ قال : يؤخر ويصلّي بأهل مسجده إذا كان الامام»(4) .

   وقد ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في بابين(5) بعد أن كرّر عنوان الباب ساهياً .

   وكيف ما كان ، فالظاهر أنها غير صالحة للاستدلال ، إذ مضافاً إلى ضعف سندها من أجل جهالة طريق الصدوق إلى جميل بن صالح وإن كان هو في نفسه ثقة لوقوعه في أسناد كامل الزيارات(6) فلا يمكن الاستدلال بها حتى في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا لم يؤدّ التأخير إلى فوات وقت الفضيلة ، وكذا التأخير لأجل تحصيل كمال آخر .

(2) الوسائل 4 : 197 / أبواب المواقيت ب 19 ح 14 .

(3) في ص 228 .

(4) الوسائل 8 : 308 / أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1 .

(5) الوسائل 8 : 308 / أبواب صلاة الجماعة ب 9 و429 / أبواب صلاة الجماعة ب 74 .

(6) حسب الرأي السابق المعدول عنه ، والعمدة أنه موثق بتوثيق النجاشي [رجال النجاشي :    127 / 329] كما في المعجم 5 : 132 / 2374 . ومعه لا حاجة إلى التشبث بالكامل .

ــ[304]ــ

موردها ، أنها أخص من المدعى حيث تضمنت قيدين :

   أحدهما : أن تكون الصلاة في المسجد .

   ثانيهما : اختصاص الحكم بالامام ، فلا دلالة لها على ثبوته للمأموم ولا في غير المسجد . إذن فلابد من التكلم على مقتضى القواعد بعد كون المقام من صغريات المزاحمة بين فضيلة أول الوقت وبين فضيلة الجماعة .

   ولا ينبغي التأمل في أنّ مقتضاها التفصيل بين التأخير عن أول وقت الفضيلة إلى وسطه أو منتهاه ، وبين التأخير إلى وقت الإجزاء ، فيكون الأفضل هو التأخير في الصورة الاُولى ، لما فيه من الجمع بين الفضيلتين ، فان البدار إلى أول وقتها وإن كان أفضل بل يستحب الاتيان بها فوراً ففوراً ، إلا أن ذلك لا يقاوم فضيلة الجماعة كما لا يخفى . وتدل عليه السيرة القطعية المتصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) حيث إنها استقرت على انتظار حضور الامام واجتماع المأمومين ، ولعل هذا هو مراد الماتن حيث قيّده بما إذا لم يفض إلى الافراط في التأخير .

   وأما في الصورة الثانية ، فالأفضل التعجيل والاتيان بها فرادى ، وعدم انتظار الجماعة ، لما في التأخير إلى وقت الاجزاء من التخفيف والاستهانة بأمر الصلاة بمثابة اُطلق عليه التضييع في لسان الأخبار ، ففي موثقة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : العصر على ذراعين ، فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيّع»(1) ونحوها غيرها .

   ومن البيّن أنّ فضيلة الجماعة مهما بلغت لا تكاد تكون جابرة للتضييع الذي هو بمثابة الترك ، وهل يمكن القول بأنّ تضييع الصلاة أفضل لمكان درك الجماعة .

   وبعبارة اُخرى : يدور الأمر بين إدراك فضيلة الجماعة مع فوات فضيلة الوقت بحيث يعدّ مضيّعاً للصلاة ، وبين درك ما لا تضييع معه وإن فاتته فضيلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 152 / أبواب المواقيت ب 9 ح 2 .

ــ[305]ــ

وكذا لتحصيل كمال آخر كحضور المسجد (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجماعة ، ولا شبهة في تقديم الثاني ، ضرورة أنّ ثواب الجماعة وإن بلغ من الكثرة ما بلغ لا يكاد يقاوم فضيلة الوقت ، تلك الفضيلة التي يكون فواتها مساوقاً للتضييع وفي حكم العدم وإن سقط معه التكليف في مقام الامتثال ، فلا جرم تتقدم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة في هذه الصورة فلاحظ .

   (1) ويستدل له بما رواه الشيخ في المجالس باسناده عن زريق ـ كما في الوسائل والفهرست(1) ـ أو رزيق ـ كما عن النجاشي والشيخ في رجالهما(2) ـ قال : «سمعت أباعبدالله يقول : من صلى في بيته جماعة رغبة عن المسجد فلا صلاة له ولا لمن صلى معه إلا من علّة تمنع من المسجد»(3) حيث دلت على أن الصلاة في المسجد منفرداً أفضل منها في غيره جماعة ، وبعد ضمها إلى ما سبق من أفضلية انتظار الجماعة عن المبادرة إلى وقت الفضيلة ، يستفاد منها أفضلية الصلاة في المسجد من درك أول الوقت لدى الدوران بينهما بطريق أولى كما لا يخفى .

   وفيه أوّلاً : أنّ السند ضعيف لعدم ثبوت وثاقة الراوي على كل من التقديرين المزبورين ، وأما اشتمال طريق صاحب الوسائل إلى كتاب المجالس على محمد بن خالد الطيالسي وخلوّه عن التوثيق الصريح فلا ضير فيه بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات(4) .

   وثانياً : أنّ الدلالة قاصرة ، فانها ناظرة إلى مَن صلى في بيته إعراضاً ورغبة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفهرست : 74 .

(2) رجال النجاشي : 168 ، رجال الطوسي : 205 .

(3) الوسائل 5 : 196 / أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 10 ، أمالي الطوسي : 696/1486 .

(4) حسب الرأي السابق المعدول عنه .

ــ[306]ــ

أو كثرة المقتدين (1) أو نحو ذلك .

   السابع : تأخير الفجر عند مزاحمة صلاة الليل إذا صلّى منها أربع ركعات (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن المسجد ، كما يحكى ذلك عن بعض فرق المتصوفة معللين بأنه محل استشهاد أميرالمؤمنين ، وأنّ فرط علاقتهم به (عليه السلام) تمنعهم عن مشاهدة محل شهادته ، فلا تشمل من صلى في بيته لا لمكان الاعراض ، بل لغاية صحيحة وعذر مقبول . وعلى أيّ حال فالرواية غير صالحة للاستدلال .

   فالأحرى أن يقال على حذو ما تقدم(1) في انتظار الجماعة : من أن المقام من باب المزاحمة فيجري التفصيل المتقدم بين وقتي الفضيلة والإجزاء ، وأن التأخير لدرك فضيلة المسجد إن كان مع المحافظة على وقت الفضيلة فتؤخر عن أولها إلى آخرها مثلاً ، فهو الأفضل لما فيه من الجمع بين الفضيلتين .

   وأما إن كان بدونها فاستلزم التأخير عن وقت الفضيلة إلى وقت الاجزاء فحيث إنه مستلزم للتضييع فالأفضل حينئذ هو التعجيل ، لعدم انجبار فضيلة الوقت بفضيلة المسجد ، بل لا فضيلة مع التضييع حسبما عرفت .

   (1) هذا وجيه لو أثّرت الكثرة في تضاعف الثواب ، وهو وإن ساعده الذوق إلا أن الأخبار خالية عن التعرض لذلك فيما لو زاد العدد على العشر بحيث يكون ثواب العشرين مثلاً أكثر من العشر .

   نعم لو ثبت ذلك جرى فيه التفصيل المتقدم بمناط واحد ، وإلا فلا يستحب التأخير حتى مع المحافظة على وقت الفضيلة .

   (2) بناءً على استحباب إتمام صلاة الليل حينئذ ، فيلتزم بالتخصيص في دليل استحباب المبادرة إلى الفريضة أوّل وقتها كدليل المنع عن التطوع في وقت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 228 .

ــ[307]ــ

   الثامن : المسافر المستعجل (1) .

   التاسع : المربيّة للصبي تؤخّر الظهرين لتجمعهما مع العشاءين بغسل واحد لثوبها (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفريضة ، ولكنك عرفت فيما سبق(1) عدم ثبوته لضعف مستنده ، وإنما الثابت استحباب تأخير صلاة الفجر عن صلاة الليل فيما إذا قعد عن النوم بعد طلوع الفجر فينبغي تبديل ما في المتن بهذا النحو .

   (1) ويستدل له بالروايات الكثيرة الناطقة بأنّ للمسافر أن يؤخّر المغرب إلى ربع الليل أو ثلثه ، أو خمسة أميال أو ستة بعد غروب الشمس حسب اختلاف لسان الروايات(2) ، ولأجل ذلك يلتزم بالتخصيص فيما دل على أفضلية الاتيان بالصلاة في أوّل الوقت .

   ولكنك خبير بأنّ مورد هذه الروايات برمّتها هو صلاة المغرب ولا دليل على التعدي إلى غيرها ، فهي أخص من المدعى ، هذا أوّلاً .

   وثانياً : أنّ موردها مطلق المسافر من غير اختصاص بالمستعجل ، فالتقييد به لا وجه له .

   وثالثاً : أنّ مفادها إنما هو التوسعة في وقت الفضيلة للمسافر في مقابل الحاضر لا التأخير عن وقتها ليستوجب التخصيص والاستثناء كما هو المدعى .

   وإن شئت قلت : إن مرجعها إلى التخصيص فيما دل على التضييق في وقت فضيلة المغرب وأنه لا ضيق في حق المسافر ، لا إلى التخصيص فيما دل على أفضلية المباردة إلى وقت الفضيلة الذي هو محل الكلام . فهذا الاستثناء لا موقع له .

   (2) تقدّم البحث حول هذا الموضوع عند التكلم في أحكام النجاسات من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 294 .

(2) الوسائل 4 : 193 / أبواب المواقيت ب 19 .

ــ[308]ــ

كتاب الطهارة(1) وذكرنا أنّ المشهور استثنوا ثوب المربية مما دل على اعتبار الطهارة في لباس المصلي استناداً إلى رواية أبي حفص عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد ، ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع ؟ قال : تغسل القميص في اليوم مرّة»(2) حيث دلت على كفاية الغسل في كل يوم مرّة واحدة ، فيكتفى بايقاع صلاة واحدة من الصلوات الخمس مع الطهارة ، ولا تقدح النجاسة فيما عدا ذلك ، وإن كان الأفضل لها أن تغسله بعد الزوال فتصلي به الظهرين ، وأفضل من ذلك أن تغسله في آخر النهار لتجمع بين الظهرين والعشاءين .

   لكنك عرفت في محله أن الرواية ضعيفة السند من أجل محمد بن يحيى المعاذي ، حيث إنّ ابن الوليد استثناه من رجال النوادر وتبعه الصدوق وابن نوح ، ويظهر من الشيخ والنجاشي تقريره . أضف إلى ذلك : أن محمد بن خالد الواقع في السند مردد بين الثقة والضعيف ، وكذلك أبو حفص فلا ينبغي الشك في ضعف السند ، إلا أن يدعى انجبار الضعف بعمل المشهور ولا نقول به . إذن فلا يمكن التعويل عليها في الخروج عما دل على اشتراط الطهارة في لباس المصلي ، ومعه لا مناص من العمل على ما تقتضيه القواعد .

   ولا ريب أنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج الاقتصار على غسل قميصها في اليوم مرّة واحدة فيما إذا كان الزائد حرجاً عليها ، ولكن يجب عليها حينئذ الجمع بين الصلاتين ، إذ لا موجب لرفع اليد عن دليل شرطية الطهارة مع التمكن من مراعاتها في هذه الصورة من دون حرج والضرورات تقدّر بقدرها ، والأفضل لها حينئذ تأخير الظهر إلى منتهى وقت الفضيلة وتقديم العصر لتجمع بين وقت الفضيلتين .

   ومنه تعرف أنها لو تمكّنت من مراعاة الطهارة في الصلوات الأربع بتأخير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3 : 443 .

(2) الوسائل 3 : 399 / أبواب النجاسات ب 4 ح 1 .

ــ[309]ــ

   العاشر : المستحاضة الكبرى تؤخّر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بين الاُولى والعصر ، وبين الثانية والعشاء بغسل واحد (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظهرين للجمع بينهما وبين العشاءين تعيّن ذلك بعين الملاك المزبور . فالتأخير إذن هو المتعيّن لا أنه أفضل .

   نعم ، لو كان الغسل حتى مرّة واحدة حرجاً عليها سقط وجوبه وكان الأفضل الاتيان بكل من الصلوات في أوقات فضيلتها ، كما أنها لو تحمّلت العسر وغسلت ثوبها مرّة للظهرين ومرّة اُخرى للعشاءين أتت بجميعها في وقت فضيلتها أيضاً .

   ثم إنا لو بنينا على صحة الرواية ولو لأجل اختيار مسلك الانجبار ، لم يكن حينئذ وجه لاستثناء المربية عن أفضلية التعجيل ، إذ مقتضى إطلاقها أنّ المربية بغسل قميصها مرّة واحدة تستطيع من الاتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها على حذو ما يأتي به غيرها من سائر المكلفين ، فلا يكون الجمع لها بين الظهرين أفضل فضلاً عن الجمع بينهما وبين العشاءين ، وإن كان هذا هو الأولى ولو لأجل فتوى المشهور بذلك .

   (1) لا يخفى أنّ هذا لم يكن من الاستثناء المبحوث عنه في المقام ، فان المستحاضة الكبرى لو شاءت الاتيان بكل فريضة في وقت فضيلتها ساغ لها ذلك ، غاية الأمر أنّ عليها حينئذ تكرار الغسل لكل صلاة فتقع في ضيق وكلفة ، لا أنها لو تحمّلته وقعت صلاتها في غير الوقت الأفضل كما هو قضية الاستثناء ، والنصوص الواردة في المقام لم تكن بهذا الصدد ، وإنما هي بصدد التخفيف وبيان طريقة سهلة تتمكن معها من رعاية وقت الفضيلة في كل من الظهرين والعشاءين بالاكتفاء بغسلين فقط ، فان عمدة ما يستدل به على أفضلية التأخير روايتان :

   الاُولى : صحيحة معاوية بن عمار « . . . اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه

ــ[310]ــ

وتعجّل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً تؤخر هذه وتعجّل هذه . . .» الخ(1) .

   فانها معتبرة وإن اشتمل السند على محمد بن إسماعيل فانه ثقة على الأظهر ، وقد تضمنت الأمر بالتأخير ، لكنك عرفت عدم ظهوره في الأفضلية ، وجواز كونها مسوقة للارشاد إلى الطريق الأسهل ، وهذا واضح بالاضافة إلى العشاءين فانها تؤخر المغرب إلى قرب سقوط الشفق الذي هو منتهى وقت فضيلتها ثم تصلي العشاء بعد ذلك ، فتكون قد جمعت بذلك بين فضيلتي العشاءين بغسل واحد .

   وأما بالنسبة إلى الظهرين ففيها احتمالان :

   أحدهما : أن يراد من تأخير الظهر الاتيان بها بعد نافلتها ، ومن تعجيل العصر الاتيان بها بغير الفصل بالنافلة ـ وإلا لوجب عليها غسل آخر ـ فتغتسل ثم تتنفل للظهر وتجمع بين الصلاتين .

   وربما يعضده ما تقدّم في محلّه(2) من أن العبرة في دخول وقت الفضيلة بالاتيان بالنافلة ولا عبرة بالذراع ولا بالمثل ، وأنه ليس في البين إلا سبحتك كما جاء في النص(3) .

   ثانيهما : أن يكون الواو في قوله : «وتعجّل هذه» بمعنى أو ، والمراد أنها إما أن تؤخر الظهر إلى آخر وقت الفضيلة ، أو تقدم العصر على وقت فضيلتها لكي تجمع بينهما .

   وعلى التقديرين فلا دلالة لها على أن هذا النحو من الجمع والتأخير أفضل من التفريق والاتيان بكل فريضة في أول وقت فضيلتها ليتجه الاستثناء .

   الثانية : صحيحة إسماعيل بن عبدالخالق قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن المستحاضة كيف تصنع ؟ قال : إذا مضى وقت طهرها الذي كانت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 .

(2) ص 155 ، 228 .

(3) الوسائل 4 : 131 / أبواب المواقيت ب 5 .

ــ[311]ــ

   الحادي عشر : العشاء تؤخّر إلى وقت فضيلتها وهو بعد ذهاب الشفق (1) بل الأولى تأخير العصر إلى المِثل((1)) (2) وإن كان ابتداء وقت فضيلتها من الزوال .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تطهر فيه فلتؤخر الظهر إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي الظهر والعصر . .»الخ(2) ولا يقدح(3) اشتمال السند على محمد بن خالد الطيالسي العاري عن التوثيق الصريح بعد وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، والتقريب كما سبق فلاحظ ولا نعيد .

   والمتحصّل : أنه لم ينهض دليل على أفضلية التأخير للمستحاضة عن أول وقت الفضيلة بالاضافة إلى الظهر أو المغرب ، بل التقديم هو الأفضل فيما لو تحمّلت المشقة وأتت بالأغسال الأربعة للصلوات الأربع ، فان النصوص الواردة غير ناهضة لتخصيص ما دل على أفضلية الاتيان بالصلوات في أول وقت فضيلتها ، بحيث لو صنعت كذلك لأتت بها في غير الوقت الأفضل ، وإنما هي بصدد التسهيل وبيان الطريق الأخف حسبما سمعت .

   (1) لجملة من النصوص المعتبرة الناطقة بذلك ، وقد تقدمت عند التكلم حول وقت العشاء ، وبها يثبت التخصيص فيما دل على أفضلية الاتيان بالفريضة في أول وقتها .

   (2) تقدّم في محله أن نصوص المثل والمثلين والذراع والذراعين محمولة على اختلاف مراتب وقت الفضيلة بعد أن كان مبدؤه هو الزوال ، وعرفت أيضاً أنه لا خصوصية لهذه التحديدات ، وإنما العبرة بالفراغ من النافلة ، وأنه لا شيء إلا سبحتك كما في الخبر ، إذن فالأفضل المبادرة إلى صلاة العصر بمجرد الفراغ من نافلتها من دون انتظار لحلول المثل ، فلو كان آتياً بها قبل ذلك كما في يوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل إلى الفراغ من النافلة من دون تحديد بوقت .

(2) الوسائل 2 : 377 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15 .

(3) بل يقدح ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

ــ[312]ــ

   الثاني عشر : المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر فانه يؤخّرهما ولو إلى ربع الليل بل ولو إلى ثلثه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة أو كانت ساقطة كما في السفر أو لم يكن بانياً على الاتيان بها ، كان الأفضل المبادرة إليها بمجرد الفراغ من صلاة الظهر ، وتقدم أيضاً أن ما دل على أفضلية التأخير إلى المثل كموثقة معاوية بن وهب مطروحة أو محمولة على التقية ، لعدم مقاومتها مع النصوص الكثيرة الناطقة بخلاف ذلك ، فما أفاده في المتن غير واضح .

   (1) فان هذه الأفضلية ـ وهي من موارد التخصيص ـ نتيجة الجمع بين طائفتين من الأخبار تضمنت إحداهما جواز الاتيان بالعشاءين أول الوقت في عرفات .

   كصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بأن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة»(1) .

   وموثقة محمد بن سماعة بن مهران قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يصلي المغرب والعتمة في الموقف ، فقال : قد فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاهما في الشعب»(2) .

   وتضمنت الطائفة الاُخرى النهي عنه ولزوم التأخير إلى المشعر ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) «قال : لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً وإن ذهب ثلث الليل»(3) .

   وموثقة سماعة قال : «سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء بجمع ، فقال : لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى . . .»الحديث(4) .

   فترفع اليد عن ظهور الثانية بصراحة الاُولى في جواز التقديم وتكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (3) ، (4) الوسائل 14 : 12 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3 ، 1 ، 2 .

(2) الوسائل 14 : 13 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 5 .

ــ[313]ــ

   الثالث عشر : من خشي الحر يؤخّر الظهر إلى المثل ليبرد بها (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النتيجة هي أفضلية التأخير كما سمعت . هذا ومقتضى إطلاق الثانية ولا سيما الموثقة وإن كان هو التأخير بلغ ما بلغ ، لكنه يقيد بما دل على انتهاء الوقت بانتصاف الليل كما هو ظاهر .

   (1) يستدل له تارة بصحيحة معاوية بن وهب المروية في الفقيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه «قال : كان المؤذن يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) في الحرّ في صلاة الظهر فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أبرد أبرد»(1) بدعوى ظهورها في التأخير إلى أن يبرد الهواء .

   وفيه : مضافاً إلى أنّ مقتضاها التأخير إلى أن يحصل الابراد ، فلا وجه للتحديد بالمثل ـ كما في المتن ـ أن الصدوق فسّر الابراد بالاسراع أخذاً له من البريد الحاوي لنوع من التعجيل للنيل إلى المقصد دون التبريد ، ومع تطرّق هذا الاحتمال تسقط الرواية عن صلاحية الاستدلال .

   واُخرى : بما رواه في العلل باسناده عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا اشتدّ الحرّ فابردوا بالصلاة ، فان الحرّ من قيح جهنم . . .» الحديث(2) وضعفها ظاهر .

   والأولى أن يستدل له بموثقة زرارة قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال : إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم اُخبره فخرجت (فحرجت) من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر»(3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 142 / أبواب المواقيت ب 8 ح 5، الفقيه 1 : 144 / 671.

(2) الوسائل 4 : 142 / أبواب المواقيت ب 8 ح 6 ، علل الشرائع : 247 / 1 .

(3) الوسائل 4 : 144 / أبواب المواقيت ب 8 ح 13 .

ــ[314]ــ

   الرابع عشر : صلاة المغرب في حق من تتوق نفسه إلى الافطار أو ينتظره أحد (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والظاهر أنّ هذه الرواية هي مستند الماتن وإن كان التعبير بالابراد يشعر بارادة إحدى الاُوليين ، ولعل هذا التعبير للاشعار إلى أنّ التأخير المزبور يستوجب نوع تخفيض في درجة الحرارة فليتأمل . وكيف ما كان ، فلأجل هذه الموثقة يلتزم بالتخصيص فيما دل على أفضلية المبادرة إلى أول الوقت ، وسرّه ظاهر ، فان شدة القيظ سالبة للخشوع وحضور القلب فتؤخر الصلاة رعاية لحصولهما بعد تلطيف الجو نوعاً ما .

   (1) أما أفضلية التأخير في صورة الانتظار فتدل عليه صحيحة الحلبي التي رواها المشايخ الثلاثة عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سئل عن الافطار أقبل الصلاة أو بعدها ؟ قال فقال : إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ ثم ليفطر»(1) .

   وأما التأخير لمجرد التتوق إلى الافطار من غير الانتظار فلا دليل عليه بالخصوص عدا مرسلة المفيد في المقنعة قال : وروي أيضاً في ذلك «إنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتي على جميع حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الافطار ، وإن كنت ممن تنازعك نفسك للافطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة ، غير أنّ ذلك مشروط بأنه لا يشتغل بالافطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة»(2) .

   والظاهر أنّ الذيل أعني قوله : «غير أنّ ذلك مشروط» إلخ ، من كلام المفيد نفسه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 149 / أبواب آداب الصائم ب 7 ح 1 .

(2) الوسائل 10 : 151 / أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5 ، المقنعة : 318 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net