ــ[369]ــ
وإن كان جزء منها قبل الوقت (1) ويجب العلم بدخوله حين الشروع فيها(2) ولا يكفي الظن لغير ذوي الأعذار (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد حملها الشيخ على صلاة القضاء(1) .
وفيه : مضافاً إلى بُعده في نفسه كما لا يخفى ، أنّ ذلك لا يختص بالسفر فلا وجه للتقييد به في كلام الإمام (عليه السلام) .
فالصواب أنها ناظرة إلى وقت الفضيلة دون الإجزاء ، وأنه يتسع في السفر فلا مانع من الاتيان في غير وقت فضيلة الحضر ، فيكون في سياق النصوص الدالة على امتداد وقت فضيلة المغرب في السفر إلى ربع الليل أو ثلثه ، وأنّ مبدأ الظهرين هو الزوال ، مع أن الأفضل في الحضر التأخير إلى ما بعد القدم أو القدمين ، وهكذا ، فهي إذن أجنبية عما نحن فيه .
(1) فان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة عدم الفرق بين الكل والجزء .
(2) فلا يجوز الشروع مع الشك ، وتدل عليه ـ مضافاً إلى قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ عن التكليف المقطوع ، بل الاستصحاب الموجب للعلم التعبدي بعدم دخول الوقت ـ نصوص خاصة نطقت بلزوم تحصيل اليقين وستعرفها بعد حين .
(3) على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ، وهو المطابق لأصالة عدم حجية الظن الثابتة بالأدلة الأربعة كما هو موضّح في محله .
أجل ، استظهر صاحب الحدائق(2) جواز التعويل عليه من عبارة الشيخين في المقنعة والنهاية ، ونسبه إلى الفاضل الخراساني في الذخيرة ، واستدل له بعد أن اختاره بوجهين .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاستبصار 1 : 244 / 869 .
(2) الحدائق 6 : 295 .
ــ[370]ــ
أحدهما : ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن إسماعيل بن رياح عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»(1) بعد تفسير الرؤية بالظن وإطلاقها من حيث التمكن من تحصيل العلم وعدمه .
ولكنه مخدوش بضعف السند أوّلاً ، وذلك بجهالة ابن رياح .
وربما يتصدى للتوثيق تارة : بأنه من أصحاب الصادق (عليه السلام) وقد صرح الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد(2) بوثاقتهم بأجمعهم بعد أن أنهى عددهم إلى أربعة آلاف رجل ، وتبعه على ذلك الشيخ الحر في أمل الآمل(3) والمحدث النوري(4) ، فكان هذا منه نظير توثيق العامة لجميع الصحابة .
ولكنه غير قابل للتصديق ، فان الشيخ الطوسي(5) قد أتعب نفسه الزكية في إحصائهم دون أن يقتصر على الثقاة ، بل ذكر حتى المنصور الدوانيقي وأباحنيفة ونحوهما ممن أدرك الإمام وصحبه أيّاً من كان فلم يبلغ ذاك العدد ، بل لا يزيد على ثلاثة آلاف إلاّ بقليل ، ومن البين أن مجرد الصحبة لا تستلزم الوثاقة وإن ادعي ذلك في حق الصحابة ، فاذا كان المجموع بمن فيهم غير الثقة دون ذاك الحد الذي ادعاه المفيد فكيف يمكن تصديق مقالته .
على أنا لو سلمنا هذه الدعوى بحملها على خلاف ظاهرها ، وأنّ المراد أنّ أصحاب الصادق (عليه السلام) جماعة كثيرون غير أن أربعة آلاف منهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 206 / أبواب المواقيت ب 25 ح 1 ، التهذيب 2 : 35 / 110 ، الكافي 3 : 286 / 11 ، الفقيه 1 : 143 / 666 .
(2) الإرشاد 2 : 179 .
(3) أمل الآمل 1 : 83.
(4) خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 71 .
(5) رجال الشيخ الطوسي : 155 .
ــ[371]ــ
ثقاة ، فهذه الدعوى وإن كانت في نفسها قابلة للتصديق إلا أنها غير نافعة إلا إذا ثبت أنّ الرجل ـ أعني إسماعيل بن رياح ـ من قسم الموثوقين ، وأنّى لنا بذلك .
واُخرى : بأن الراوي عنه ابن أبي عمير ، وهو لا يروي إلا عن ثقة ، لكنا أشرنا مراراً في مطاوي هذا الشرح إلى ضعف هذه الدعوى التي هي اجتهاد من الشيخ ذكرها في العدة(1) مستندة إلى الحدس دون الحس ، فلا يكون حجة علينا سيما بعدما عثرنا على روايته عن غير الثقة في غير مورد .
وقصور الدلالة ثانياً ، فإن إطلاق الرؤية على الظن غير مأنوس ، بل لم يعهد استعمالها فيه في المضارع إلا بصيغة المجهول غير المربوط بما نحن فيه ، ولو تحقق أحياناً فانما هو بمعونة قرينة مفقودة في المقام ، بل المراد منها بعد تعذر إرادة المعنى الحقيقي ـ أعني المشاهدة والرؤية بالعين ـ هو العلم واليقين ، غاية الأمر الأعم من الوجداني والتعبدي . فالتفسير المزبور من المحدّث المذكور مع تضلعه في اللغة لا يخلو عن غرابة .
على أنا لو سلّمنا هذا التفسير بل فرضنا التصريح بالظن بدلاً عن الرؤية لم يتم الاستدلال بالرواية للمطلوب أعني كفاية مطلق الظن ، لعدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة ، وإنما وردت لبيان حكم آخر وهو الصحة لو صلى مع الظن ثم انكشف الخلاف وقد دخل الوقت في الأثناء ، ولعل المراد به الظن المعتبر في بعض فروضه ككون السماء غيماً ونحو ذلك ، لما عرفت من عدم كونه (عليه السلام) بصدد البيان من هذه الجهة لينعقد الإطلاق .
ومع التسليم وفرض انعقاده لم يكن بدّ من تقييده بالظن المعتبر أو بصورة العجز عن تحصيل العلم ، جمعاً بينها وبين النصوص المتقدمة الدالة على لزوم تحصيله والتعويل عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عدة الاُصول 1 : 58 السطر 8 .
ــ[372]ــ
ثانيهما : النصوص المستفيضة الناطقة بجواز التعويل على أذان المؤذنين وإن كانوا من المخالفين ، فان من الواضح الجلي أن غاية ما يفيده الأذان هو الظن ، وإن اختلفت مراتبه شدة وضعفاً من أجل اختلاف المؤذنين من حيث الضبط والتدقيق في معرفة الوقت وعدمه .
وفيه : أوّلاً : ما ستعرف من أنّ الاعتماد على الأذان إنّما هو من جهة إخبار الثقة ، والنصوص ناظرة إلى ذلك ، فليست العبرة بحصول العلم أو الظن ، بل من أجل حجية خبر الثقة وإن لم يفد شيئاً منهما .
وثانياً : مع التسليم فغايته حجية الظن الناشئ من الأذان بالدليل الخاص ، فالتعدي إلى الناشئ من غيره قياس لا نقول به .
والمتحصل : أنه لا دليل على كفاية الظن لضعف الوجهين المزبورين ، بل الدليل قد قام على العدم ، وهو ما عرفت من أصالة عدم الحجية المعتضدة بالآيات والروايات الناهية عن اتباع الظن ، مضافاً إلى نصوص معتبرة قد وردت في خصوص المقام .
فمنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) : «في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع أم لا ، غير أنه يظن لمكان الأذان أنه طلع ، قال : لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع»(1) ودلالتها على عدم اعتبار الظن في باب الأوقات ظاهرة ، غير أن صاحب الحدائق(2) زعم معارضتها بالنصوص الناطقة باعتبار الأذان ، وحيث إنها أكثر عدداً وأوضح سنداً فيتعين ارتكاب التأويل في هذه الرواية .
ولكنك خبير بعدم المعارضة ، لما ستعرف من اختصاص تلك النصوص باعتبار أذان الثقة العارف بالوقت ، وهذه مطلقة من حيث حصول الوثوق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 280 / أبواب المواقيت ب 58 ح 4 .
(2) الحدائق 6 : 298 .
ــ[373]ــ
وعدمه(1) ، ومقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حملها على أذان غير الثقة ، فالظن بمجرده لا عبرة به .
بل الاعتبار بالعلم الوجداني أو التعبدي الذي من أفراده أذان الثقة العارف
إذن فالصحيحة تامة الدلالة على المدعى من غير معارض .
ومنها : رواية عبدالله بن عجلان قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا كنت شاكاً في الزوال فصل ركعتين ، فاذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة»(2) .
وقد ناقش صاحب الحدائق(3) أيضاً في دلالتها بأنها ناظرة إلى حكم الشك واليقين وأنه يعتبر الثاني دون الأول ، من غير تعرض لحكم الظن بوجه .
وهذه المناقشة مبنية على أمرين : أحدهما إنكار مفهوم الشرط ، والآخر دعوى اختصاص الشك بما تساوى طرفاه ، وكلاهما في حيّز المنع ، فان المفهوم المزبور قد ثبت اعتباره في الاُصول(4) ، ومقتضاه أنه إذا لم يستيقن بالزوال لم يبدأ بالفريضة سواء حصل له الظن أم لا . كما أن الشك لغة خلاف اليقين(5) فيشمل الظن ، وجعله قسيماً لهما اصطلاح مستحدث . إذن فالرواية بصدرها وذيلها تدل على المطلوب ، غير أن السند ضعيف ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى نوادر البزنطي ، ومن المعلوم أن صحته عنده لا تجدي بالإضافة إلينا .
ومنها : ما رواه الكليني باسناده عن علي بن مهزيار قال : «كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام)معي : جعلت فداك ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [المناسب أن يقال : وهذه مطلقة من حيث وثاقة الراوي وعدمها] .
(2) الوسائل 4 : 279 / أبواب المواقيت ب 58 ح 1 .
(3) الحدائق 6 : 299 .
(4) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 59 .
(5) لسان العرب 10 : 451 .
|