ــ[421]ــ
ويجب استقبال عينها لا المسجد أو الحرم ولو للبعيد (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرمتهم . إلا أن ذلك لا يستلزم كون الحجر من البيت ، لعدم الملازمة بين الأمرين كما هو ظاهر .
هذا ولكن العلامة في النهاية والتذكرة(1) ، وكذا الشهيد في الذكرى(2) قد صرّحا بكون الحجر من البيت فيجوز استقباله ، ناسبين ذلك إلى الأصحاب . قال الأول : يجوز استقباله ـ أي الحجر ـ لأنه عندنا من الكعبة . وقال في الذكرى : إن ظاهر الأصحاب أن الحجر من الكعبة بأسره ، ثم استشهد لذلك بالنقل المتضمن أنه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه ، وكذلك كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بادخاله في بناء الكعبة ، وبذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها ، ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى ما كان .
وما أفاداه من نسبة ذلك إلى الأصحاب مع عدم وجود القول به صريحاً من أحد منهم ، بل قد عرفت تصريح الأكثر بالخلاف غريب جداً . وأغرب من ذلك الاستشهاد بالنقل مع أنه لم يرد ذلك من طرقنا ولا في رواية ضعيفة كما اعترف به غير واحد من الأعلام ، وإنما هو منقول في كتب العامة ومرويّ بطرقهم . وليت شعري كيف خفي عليهما ذلك مع أنهما من أساطين الفن ومهرته وأركان العلم وحملته .
(1) المعروف والمشهور بين الأصحاب أن القبلة هي الكعبة بعينها للقريب والبعيد ، وصرّح غير واحد بل نسب إلى الأكثر أنها عيناً قبلة للقريب وجهة للبعيد ، وسيأتي الكلام حول اعتبار الجهة والمراد منها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الإحكام 1 : 392 ، لاحظ التذكرة 8 : 91 وحكاه عنه في المستند 4 : 161 .
(2) الذكرى 3 : 169 .
ــ[422]ــ
وعلى أي حال فالمشهور أن الكعبة بنفسها إما عيناً أو جهة هي القبلة لكافة المسلمين في جميع الأقطار من القريبين والبعيدين ، وقد نطقت بذلك جملة وافرة من الأخبار المتضمنة لقصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وغيرها المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب القبلة فراجع(1) .
وحكي عن الشيخين(2) وجماعة من القدماء التفصيل بلحاظ الأمكنة من حيث القرب والبعد ، فالكعبة قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، فليست القبلة منحصرة في الكعبة ، بل تختلف حسب مراتب البعد ، واختاره المحقق في الشرائع(3) صريحاً ، بل في الذكرى(4) نسبته إلى أكثر الأصحاب ، وعن الخلاف(5) دعوى الإجماع عليه ، وقد استشهدوا لذلك بجملة من النصوص .
أقول : إن أراد هؤلاء من التفصيل المزبور أن القبلة متعددة واقعاً وأنها في حدّ ذاتها غير منحصرة في الكعبة ، بحيث إن من كان خارجاً عن المسجد يجوز له الاتجاه نحو ضلع من أضلاعه حتى مع القطع بانحرافه عن البيت ، ومن كان خارجاً عن الحرم يكفيه استقبال جزء منه وإن لم يستقبل المسجد ولا البيت ، فالوظيفة المقررة في هذه الموارد مختلفة حتى واقعاً . فلا ريب أن هذا مقطوع العدم ، بل هو مخالف لضرورة الدين ومناف لإجماع المسلمين ، بداهة أن كون الكعبة هي القبلة وانحصارها فيها للقريب والنائي من الوضوح لدى المسلمين بمثابة النار على المنار ، يعرفه العوام فضلاً عن الخواص ، بل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 297 / أبواب القبلة ب 2 .
(2) المفيد في المقنعة : 95 ، الطوسي في المبسوط 1 : 77 .
(3) الشرائع 1 : 77 .
(4) الذكرى 3 : 159 .
(5) الخلاف 1 : 295 مسألة 41 .
ــ[423]ــ
يعرفه ـ كما في الجواهر(1) ـ الخارج عن الإسلام فضلاً عن أهله ، وفي حاشية المدارك(2) أن ذلك من ضروريات الدين والمذهب حتى أن الإقرار به يلقّن الأموات فضلاً عن الأحياء كالاقرار بالله تعالى .
وقد عرفت آنفاً أن الروايات الدالة على ذلك كثيرة جداً بحيث لو فرض ورود رواية على خلافها وكانت صحيحة السند صريحة الدلالة لم تنهض لمقاومة تلكم الأخبار ولم تصلح لمعارضتها ، بل وجب تأويلها أو طرحها ورد علمها إلى أهله . كيف والروايات المخالفة كلها ضعيفة السند كما ستعرف .
وإن أرادوا بذلك الاتساع في القبلة بالإضافة إلى البعيدين مع كونها منحصرة بحسب الواقع في شيء واحد وهي الكعبة في حق الجميع غير أن الاتجاه نحوها يختلف بحسب القرب والبعد ، فمن في المسجد يتوجه إلى الكعبة بعينها ، وأما من في خارج المسجد فالاتجاه إلى الكعبة بالنسبة إليه يتحقق بالتوجه إلى جزء من المسجد ، كما أن من هو في خارج الحرم يكون اتجاهه إلى الكعبة بالتوجه إلى الحرم وهذا من شؤون البعد ، وإلا فقبلة الجميع هي الكعبة ليس إلا . فهذا يرجع في الحقيقة إلى القول الأول وليس قولاً آخر في قباله ، إذ لا يدعي المفصل المزبور الاجتزاء بالاتجاه إلى جزء من المسجد حتى مع العلم بالانحراف عن البيت ، بل يجعل ذلك طريقاً لاستعلام الاستقبال إلى الكعبة ، وكذا من هو في خارج الحرم ، وعليه فيصبح النزاع لفظياً محضاً كما لا يخفى .
وأما ما استشهد به لهذا القول من الروايات فقد عرفت أنها لا تكاد تقاوم تلك الأخبار الدالة بظاهرها على انحصار القبلة في الكعبة حتى لو كانت صحيحة السند ، والذي يهوّن الخطب أن أسانيدها بأجمعها ضعيفة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 7 : 322 .
(2) حاشية المدارك : 151 .
ــ[424]ــ
فمنها : ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين ، عن عبدالله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا»(1) .
فان الحسن بن الحسين اللؤلؤي وإن وثقه النجاشي(2) لكن ضعّفه شيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد(3) ، حيث إنه استثنى من روايات محمد ابن أحمد بن يحيى ما ينفرد به الحسن بن الحسين . كما أن عبدالله بن محمد الحجال مهمل في كتب الرجال ، نعم هو موجود في كتاب كامل الزيارات . فلو اكتفينا في توثيق الرجل بذلك واعتمدنا على توثيق النجاشي في سابقه وقدّمناه على تضعيف ابن الوليد لم يكن ذلك أيضاً مجدياً في تصحيح السند ، إذ الرواية بعد مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها .
ومنها : ما رواه أيضاً باسناده عن أبي العباس بن عقدة عن الحسين بن محمد بن حازم ، عن تغلب بن الضحاك ، عن بشر بن جعفر الجعفي ، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة للناس جميعاً»(4) ورجال السند بأجمعهم بين مجهول ومهمل كما لا يخفى ، وقد أشار الشيخ إلى بعضهم في رجاله من دون تعرض لحالهم .
ومنها : مرسلة الصدوق قال «قال الصادق (عليه السلام) : إن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا»(5) وبما أن ألفاظ هذه الرواية متحدة مع الاُولى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 303 / أبواب القبلة ب 3 ح 1 .
(2) رجال النجاشي : 40 / 83 .
(3) رجال النجاشي : 348 / 939 .
(4) الوسائل 4 : 304 / أبواب القبلة ب 3 ح 2 .
(5) الوسائل 4 : 304 / أبواب القبلة ب 3 ح 3 . الفقيه 1 : 177 / 841 .
|