ــ[436]ــ
إن لم يكن اجتهاده على خلافها . والا فالأحوط تكرار الصلاة((1)) (1) ،ومع عدم امكان تحصيل الظن يصلي إلى أربع جهات((2))(2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أن لا يكون اجتهاده على خلافها ، وإلا كان هو الأقرب بنظره إلى الواقع فكان هو الأحرى لا ما أدّت إليه البينة المزبورة .
(1) وقد ظهر مما مرّ أنه لا حاجة إليه ، بل يكفي العمل بالبينة إن استندت إلى الحس ، وإلا فليعمل على طبق اجتهاده فلاحظ .
(2) على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن المعتبر(3) وغيره نسبته إلى علمائنا ، بل عن الغنية(4) دعوى الإجماع عليه .
ونسب إلى الشيخين(5) إنكار العمل بالظن لدى فقد الأمارات السماوية ، وأنه يصلي حينئذ إلى أربع جهات إن أمكن ، وإلا فالى جهة واحدة . ولكنه محجوج باطلاق صحيحة زرارة المتقدمة(6) الصريحة في التحري ولزوم الأخذ بالظن إذا لم يعلم وجه القبلة .
وكيف ما كان ، فقد خالف المشهور جماعة من المتأخرين ، منهم المحقق الأردبيلي(7) وبعض القدماء فذهبوا إلى كفاية الصلاة إلى جهة واحدة .
ويستدل للمشهور : تارة بقاعدة الاشتغال ، نظراً إلى عدم حصول اليقين بالفراغ إلا بالصلاة إلى أربع جهات .
وفيه : أنّا تارة نبني على لزوم استقبال عين الكعبة مطلقاً ، واُخرى نختار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والأظهر كفاية العمل بالبيّنة.
(2) على الأحوط ، ولا تبعد كفاية الصلاة إلى جهة واحدة .
(3) المعتبر 2 : 70 .
(4) الغنية : 69 .
(5) المفيد في المقنعة : 96 ، الطوسي في النهاية : 63 .
(6) في ص 434 .
(7) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 67 .
ــ[437]ــ
كفاية الصلاة إلى ما بين المشرق والمغرب لدى الجهل بها استناداً إلى ما دل على أن ما بينهما قبلة للجاهل .
أما على الأول :فلا مناص من الصلاة إلى جهات سبع ، لما تقدم(1) من أن نسبة الجبهة إلى دائرة الرأس نسبة السبع تقريباً ، فكل سبع من هذه الدائرة الصغيرة مواجهة لسبع الدائرة الكبيرة المفروضة حول الاُفق ، وبذلك تتحقق المواجهة لعين الكعبة إذا كانت واقعة في أي جزء من أجزاء السبع . إذن فلا بدّ من تقسيم الاُفق سبعة أقسام وإيقاع الصلاة في كل سبع منها ، وبذلك يحصل اليقين باتجاه عين الكعبة حقيقة ببيان مشبع مقنع حققه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وقد تقدم(2) .
وأما على الثاني :فتكفي الصلاة إلى ثلاث جهات بتقسيم قوس الاُفق إلى ثلاثة أقسام متساوية وإيقاع الصلاة في وسط كل قوس ، فانه بذلك تتحقق الصلاة إلى ما بين المشرق والمغرب جزماً كما هو ظاهر .
واُخرى :بجملة من الأخبار :
منها : مرسلة الصدوق في الفقيه قال : «روي في من لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أنه يصلي إلى أربعة جوانب»(3) .
ومنها : مرسلة الكليني قال : «وروي أيضاً أنه يصلي إلى أربع جوانب»(4) .
ومنها : مرسلة خراش (أو خداش) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت : جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه»(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 431 .
(2) في ص 431 .
(3) الوسائل 4 : 310 / أبواب القبلة ب 8 ح 1 ، الفقيه 1 : 180 / 854 .
(4) الوسائل 4 : 311 / أبواب القبلة ب 8 ح 4 ، الكافي 3 : 286 / 10 .
(5) الوسائل 4 : 311 / أبواب القبلة ب 8 ح 5 .
ــ[438]ــ
ولكنها بأجمعها مراسيل لا يعوّل عليها ، مع احتمال كون الاُوليين رواية واحدة . على أن الأخيرة ضعيفة السند بخراش أيضاً ، فانه لم يوثق ، بل وقاصرة الدلالة ، إذ مفادها وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربعة حتى مع التمكن من الاجتهاد وتحصيل الظن ، وهو خلاف المذهب المشهور ، بل الظاهر أنّه لا قائل به .
وبكلمة واضحة : مفاد الرواية عدم جواز العمل بالظن ، ووجوب الصلاة إلى الجهات الأربع ، وهو خلاف ما يراه المشهور من اختصاص ذلك بمورد العجز عن تحصيل الظن ، بل وخلاف صريح صحيح زرارة الدال على جواز العمل به لدى حصوله .
ودعوى انجبار ضعف هذه الأخبار بعمل الأصحاب ، مدفوعة بمنع الكبرى بل وكذلك الصغرى ، لعدم ثبوت استنادهم إليها ، ولعلهم اعتمدوا على ما عرفت من قاعدة الاشتغال .
والمتحصل : أنّ ما عليه المشهور عار عن دليل يصح التعويل عليه .
فالأقوى إذن الاكتفاء بصلاة واحدة كما دلت عليه صريحاً صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه قال : يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة»(1) .
ولا مجال للنقاش فيها تارة سنداً بجهالة طريق الصدوق إلى زرارة ومحمد ابن مسلم مجتمعين . واُخرى متناً نظراً إلى أن الوارد في بعض نسخ الفقيه «التحري» بدل «المتحير» فتكون الرواية حينئذ من أدلة حجية الظن بالقبلة لدى العجز عن تحصيل العلم ، ولا دلالة لها على اكتفاء المتحيّر بالصلاة إلى إحدى الجهات .
لاندفاع الأول بأن الاقتصار على صورة الانفراد يكشف عن الاتحاد وأن طريقه إليهما مجتمعين هو بنفسه الطريق إليهما منفردين كما لا يخفى . وحيث
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 311 / أبواب القبلة ب 8 ح 2 .
ــ[439]ــ
إن طريقه إلى زرارة صحيح(1) ـ وإن كان إلى ابن مسلم ضعيفاً ـ فلا جرم تصبح الرواية معتبرة .
واندفاع الثاني بأن الشائع من نسخ الفقيه هو الأول بحيث يطمأن بالتصحيف في تلك النسخة ، على أنّها لا تنسجم مع قوله : «أينما توجه» وإنّما يتناسب ذلك مع النسخة المشهورة كما لعله ظاهر .
وتدل عليه أيضاً صحيحة معاوية بن عمار : «أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالاً ، فقال له : قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَـمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)»(2) وهي بمعونة الذيل صريحة في المطلوب .
بيد أن جملة من المحققين طعنوا على الاستدلال بها باحتمال كون الذيل من كلام الصدوق نفسه ، ولكنه كما ترى في غاية البعد(3) فان ادراج الاجتهاد وإلحاقه بالحديث من غير نصب قرينة أو ذكر فاصل بمثل انتهى أو أقول نوع خيانة في النقل ، تجلّ ساحة الصدوق المقدسة عما دونها بكثير ، فلا ينبغي الإشكال في صحة الاستدلال بها كالاُولى .
وتؤيدهما مرسلة ابن أبي عمير عن زرارة قال : «سألت أباجعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير ، فقال : يصلّي حيث يشاء»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 4 (المشيخة) : 9 .
(2) الوسائل 4 : 314 / أبواب القبلة ب 10 ح 1 ، الفقيه 1 : 179 / 846 .
(3) بل هو قريب كما يكشف عنه ـ مضافاً إلى خلوّ التهذيبين [التهذيب 2 : 48 / 157 ، الاستبصار 1 : 297 / 1095] عن هذا الذيل ـ عدم انسجامه مع الصدر كما لا يخفى . والتصدي له بما ذكره في المستمسك [5 : 186] غير واضح ، ولعل المتتبع يرى نظائر ذلك في الفقيه بكثير ، فكأن عادته جرت على الإلحاق المزبور ، فلا تعدّ من الخيانة في شيء فلاحظ .
(4) الوسائل 4 : 311 / أبواب القبلة ب 8 ح 3 .
|