ــ[25]ــ
المتضمن لعدم اعتبار الاستقبال حتى في التكبير ، المتقدم نقله آنفاً ، لكن هذه ضعيفة السند بمحمد بن سنان كما عرفت فلا تصلح لمعارضة الصحيحة . وقد عرفت أنّ الرواية بعينها نقلها الشيخ عن الحلبي خالية عن هذه الزيادة .
وعليه مقتضى القاعدة لزوم الأخذ بهذه الصحيحة السليمة عن المعارض وتقييد المطلقات بها ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد .
لكنّا مع ذلك لا نلتزم بذلك ، ونحمل الصحيحة على الأفضلية .
أما أوّلاً : فلخلوّ هاتيك الأخبار على كثرتها ـ وهي في مقام البيان ـ عن التعرض لهذا القيد ، سيما وفي بعضها حكاية فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فلو كان الاستقبال معتبراً حال التكبير لزم التنبيه عليه كما لا يخفى ، وليجعل هذا تأييداً للمطلوب . والعمدة هو الوجه الثاني .
وثانياً : أنّ قانون حمل المطلق على المقيد مختص بالواجبات ولا يشمل المستحبات كما تقرر في الاُصول(1) . ولعله لهذا كانت المسألة متسالماً عليها ، ولم يقل أحد باعتبار الاستقبال حال التكبير .
المسالة الثانية : في التنفّل في السفر حال المشي ، وهنا أيضاً لا خلاف في عدم اعتبار الاستقبال ، وقد ادعي عليه الإجماع ، وتشهد له طائفة من الأخبار .
عمدتها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي ، يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ ، فاذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى»(2).
ونحوها صحيحة يعقوب بن شعيب قال : «سالت أباعبدالله (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 381 .
(2) الوسائل 4 : 334 / أبواب القبلة ب 16 ح 1 .
ــ[26]ــ
عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : أوم إيماءً واجعل السجود أخفض من الركوع»(1) .
وصحيحته الاُخرى ، قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي على راحلته ـ إلى أن قال ـ قلت : يصلّي وهو يمشي ؟ قال : نعم ، يومئ إيماءً ، وليجعل السجود أخفض من الركوع»(2) فانّ تجويز الصلاة في السفر حال المشي مع استلزامه الانحراف عن القبلة عادة يقضي بعدم اعتبار الاستقبال في هذا الحال ، ومن الواضح أنّ إطلاق الصحيحة الأخيرة شامل لحال السفر ، بل هو المتيقّن منه كما لا يخفى .
نعم ، مقتضى صحيحة ابن عمار لزوم الإتيان بالركوع والسجود مراعياً للقبلة ، لكنّها محمولة على الأفضلية ، بقرينة الصحيحتين الأخيرتين الصريحتين في عدم وجوب الركوع والسجود وكفاية الإيماء إليهما بعد حمل الأمر به فيهما ـ لمكان وقوعه موقع توهم الحظر ـ على الجواز . فيستفاد من مجموع ذلك جواز ترك الركوع والسجود والاقتصار على الإيماء حال المشي ، وإن كان الأفضل أن يقف فيركع ويسجد مع مراعاة الاستقبال حينئذ لكونه في حال الاستقرار .
بقي شيء : وهو أنّك قد عرفت ـ في المسألة السابقة ـ سقوط الاستقبال في السفر حال الركوب بالأدلّة الخاصة ، وهل مقتضاها سقوط الاستقبال رأساً فيجوز التنفل إلى أي جهة شاء ، ولو إلى يمين الدابة أو يسارها أو خلفها كما لو ركبها مقلوباً أو على أحد جانبيها ، أو يجب استقبال الجهة التي تتوجه إليها الدابة فتكون القبلة في حقّه حينئذ رأس الدابة ، ولا يجوز الاتجاه نحو سائر الأطراف ؟
المعروف بين المتأخرين هو الأول ، لعدم الدليل على الثاني ، والأدلة الخاصة لا تقتضيه ، بل مفادها إلغاء اعتبار الاستقبال في هذا الحال على الإطلاق ، ومع الشك فالأصل البراءة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 4 : 335 / أبواب القبلة ب 16 ح 3 ، 4 .
ــ[27]ــ
لكن الظاهر هو الثاني ، لظهور قوله (عليه السلام) في تلك الأخبار : «حيث ذهب بعيرك»(1) و«حيث كان متوجهاً»(2) ونحو ذلك في وجوب استقبال الجهة التي تتوجه اليها الدابة(3) وعدم جواز الانحراف عنها ، فكأن ما تتوجه اليه الدابة هي القبلة الثانوية في حقه ، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور ، مضافاً إلى التصريح به في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في الرجل يصلّي النوافل في السفينة ، قال : يصلي نحو رأسها»(4) ، وعليه فلا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة كما لا يخفى . ـــــــــــــــ
(1) في صحيحة عبدالرحمن بن أبي نجران المتقدمة في ص 24 .
(2) في صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 23 .
(3) لا يبعد القول بأنّ الأمر واقع موقع توهّم الحظر ، ومثله لا يدلّ على الوجوب .
(4) الوسائل 4 : 320 / أبواب القبلة ب 13 ح 2 .
|