المسألة الثالثة والرابعة : في التنفّل في الحضر راكباً أو ماشياً . والمشهور هو سقوط الاستقبال حينئذ ، خلافاً للمحكي عن ابن ابي عقيل فذهب إلى اعتباره في الحضر مطلقاً ، أي في حالتي السير وعدمه(5) وتبعه جماعة .
والأقوى ما عليه المشهور لجملة من النصوص :
منها : صحيحة حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) : «في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابته في الأمصار ، فقال : لا بأس»(6) فانّ الظاهر منها أنّ النظر في السؤال إنّما هو من حيث الاستقبال لا أصل الصلاة على الدابة ، فكأنّه سأل عن أنّ الصلاة على الدابة إلى غير القبلة التي هي مشروعة في السفر هل هي كذلك في المصر والحضر فأجاب (عليه السلام) باشتراكهما في الحكم ، سيما بعد ملاحظة تعذر الاستقبال في الحضر حال السير غالباً ، لاشتمال البلد على الازقّة والطرق الضيقة فتنحرف الدابة عن القبلة لا محالة .
ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج : «أنه سأل أباعبدالله (عليه السلام)
ـــــــــــــ (5) حكاه عنه في المختلف 2 : 90 .
(6) الوسائل 4 : 330 / أبواب القبلة ب 15 ح 10 .
ــ[28]ــ
عن الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث ما توجهت به ، قال : لا بأس»(1) .
وصحيحته الاُخرى عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريباً من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلاً بالكوفة ، فقال : إن كنت مستعجلاً لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم ، وإلا فانّ صلاتك على الأرض أحب إليّ»(2) . وهي كسابقتها صريحة في الجواز ، وإن دلت الأخيرة على أنّ النزول أفضل ، هذا .
مضافاً إلى الإطلاق في جملة من الأخبار ـ التي تقدمت في المسألة الاُولى(3) من حيث السفر والحضر ، فان الركوب على الدابة أو البعير في الحضر لمكان المرض أو الوجاهة أو جهات اُخر أمر شائع متعارف فيشمله الإطلاق ، وإن كان ذلك في السفر أكثر ، هذا كلّه في التنفّل راكباً حال الحضر .
وأمّا ماشياً فلم يرد فيه نص في الحضر بالخصوص ، لكن يكفي فيه الإطلاق في صحيح يعقوب بن شعيب ، الوارد في من يصلّي على الراحلة ، قال «قلت : يصلّي وهو يمشي ؟ قال : نعم ، يومئ إيماءً وليجعل السجود أخفض من الركوع»(4) فانه يشمل حالتي السفر والحضر كما لا يخفى .
وبالجملة : فبمقتضى هذه النصوص يحكم بثبوت الحكم في السفر والحضر مع الركوب والمشي .
فما عن ابن أبي عقيل من اعتبار الاستقبال حال الحضر مطلقاً لا نعرف له وجهاً عدا التقييد بالسفر في بعض النصوص المتقدمة ، وما ورد في عدة من الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) من أنّها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 328 / أبواب القبلة ب 15 ح 1 .
(2) الوسائل 4 : 331 / أبواب القبلة ب 15 ح 12 .
(3) في ص 23 .
(4) الوسائل 4 : 335 / أبواب القبلة ب 16 ح 4 .
|