ــ[31]ــ
المدارك(1) لتوثيق الرجل بذكر وجوه كلها مزيّفة :
الأوّل : رواية جملة من الأجلاء عنه ، فلولا وثاقته بنظرهم لم يكن مجال لروايتهم عنه .
وهذا واضح الفساد ، فانّ رواية الأجلاء عن أحد لا تدلّ على توثيقه بوجه كما تقدم في مطاوي هذا الشرح غير مرة . وهذا الكليني وهو من أعاظم الأجلاء يروي في الكافي عن الضعفاء كثيراً ، ونحوه غيره . والسرّ أنّ شأن الراوي ليس إلا نقل الحديث عن كل من سمعه ثقة كان أم غيره ، ولا فرق في ذلك بين الأجلاء وغيرهم ، إذ هم في مقام الرواية ليسوا إلا كأحد الرواة ينقلون كلّ ما وصل اليهم من الأخبار .
الثاني : أنّ العلامة قد صحح الحديث المشتمل سنده على هذا الرجل في المختلف والمنتهى .
وفيه أولاً : أنّه لا عبرة بتوثيقات العلامة ، لابتنائها على الاجتهاد والحدس دون الحس .
وثانياً : أنّ تصحيح السند من مثله لا يدلّ على توثيق رجاله ، لما هو المعلوم من مسلكه (قدس سره) من الاعتماد على رواية كلّ شيعي إمامي لم يرد فيه قدح ، عملاً بأصالة العدالة في كلّ أحد ما لم يثبت فسقه ، ولا يرى ثبوت وثاقة الراوي شرطاً في الصحة .
وبالجملة : مجرد كون الرواية حجة عند أحد لصحة السند في نظره لا يدلّ على التوثيق ما لم يعلم مسلكه في التصحيح ، وإلا لزم العمل بكل ما يرويه الصدوق في الفقيه ، لما التزم به في صدر الكتاب من عدم روايته فيه إلا ما يكون حجة بينه وبين ربه مع ما نراه فيه من روايته عن غير واحد من الضعاف .
الثالث : أنّ القميين تبعاً لشيخهم محمد بن الحسن بن الوليد لم يستثنوا من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هامش المدارك : 133 .
ــ[32]ــ
روايات محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة ما يرويه عن هذا الرجل ، فيكشف ذلك عن وثاقته لديهم ، وإلا لاستثنوه كما استثنوا روايته عن غيره من الضعاف .
وفيه : ما عرفت آنفاً ، فان عدم الاستثناء لا يدل على التوثيق ، بل غايته التصحيح ، ومن الجائز أن يكون مسلكهم فيه كمسلك العلامة مبنياً على أصالة العدالة .
وبالجملة : فهذه الوجوه التي ذكرها البهبهاني لتوثيق الرجل لا يرجع بشيء منها إلى محصّل .
وقد يذكر لتصحيح الرواية وجهان آخران :
الأوّل : أنّ الرجل موثّق ، لوصف الصدوق إياه في الباب الثاني والعشرين من كتاب إكمال الدين(1) عند التعرض له وذكر نسبه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله : حدثنا الشريف الديّن الصدوق أبو علي محمد بن أحمد بن زيادة بن عبدالله ، وذكر نسبه إلى الإمام (عليه السلام) . وفي بعض النسخ : حدثنا شريف الدين الصدوق . . . إلخ ، بجعل شريف الدين لقباً له لا وصفاً . وعلى التقديرين فقد وصفه بالصدوق ، الذي لا ينطبق إلا على الثقة كما لا يخفى .
وغير خفي أنّ هذا الاستدلال من غرائب الكلام ، فانّ الوصف المزبور وإن وقع الكلام بين الأعلام في دلالته على التوثيق وعدمها مع أنه لا ينبغي الالتفات اليه فانّه من أقوى أنحاء الدلالات عليه ، بل هو يتضمن التعديل فضلاً عن التوثيق ـ بناءً على النسخة الاُولى كما لا يخفى ـ لعدم انطباق هذه الصفات على غير العدل .
إلا أنّه أجنبي عن الرجل المزبور ـ أعني محمد بن أحمد العلوي ـ لعدم احتمال أن يكون هذا هو المراد من قول الصدوق : حدثنا الشريف الديّن الصدوق أبوعلي محمد بن أحمد بن زيادة . . . إلخ ، لعدم إمكان رواية الصدوق عنه بعد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين : 239 / ب 22 ح 239 .
ــ[33]ــ
ملاحظة ما بينهما من اختلاف الطبقة ، فانّ الكليني يروي عن أحمد بن محمد بن يحيى ، وهو يروي عن محمد بن علي بن محبوب ، وهو يروي عن محمد بن أحمد العلوي ، فطبقة الرجل متقدمة على الكليني بثلاث مراتب ، فانّه شيخ شيخ شيخ الكليني ، فكيف يمكن أن يروي عنه الصدوق بلا واسطة كما هو ظاهر قوله حدثنا ، مع أنّ طبقته متأخرة عن الكليني أيضاً ، فانّه توفي سنة 329 والصدوق ورد بغداد سنة 359 وهو بعد شابّ حدث السن وتوفي سنة 381 فمن هذا نجزم بأنّ المراد بالمسمى بهذا الاسم ـ محمد بن أحمد ـ شخص آخر غير العلوي .
والذي يدلّ صريحاً على ما ذكرناه من التعدد أنّ العلوي المزبور جده إسماعيل كما نص عليه النجاشي(1) فهو محمد بن أحمد بن إسماعيل ، مع أن من وصفه الصدوق بما ذكر هو محمد بن أحمد بن زيادة كما عرفت . فهما رجلان يقيناً .
الوجه الثاني : ما ذكره في الجواهر(2) من أنّ الرواية لو سلّم ضعفها بهذا الطريق ـ المشتمل على العلوي ـ فهي مروية بطريق آخر وهو ما رواه الشيخ عن كتاب علي بن جعفر وطريقه اليه صحيح .
ولا يخفى أنّ هذا لو ثبت لصحت الرواية وتم الاستدلال بها ، لكنه لم يثبت وهذا سهو من قلمه الشريف ، ولعله التبس عليه الأمر لدى الكتابة فرأى رواية اُخرى عن كتاب علي بن جعفر فتخيّل أنّها هذه الرواية ، وإلا فالرواية لم تنقل إلا بالطريق الأوّل ـ المشتمل على العلوي ـ وأما الطريق الثاني فلم يوجد قط في شيء من الكتب بعد التتبع التام ، فانّ أرباب المجامع كالوسائل والوافي والحدائق(3) وغيرها لم ينقلوا هذه الرواية عن الشيخ بهذا الطريق ، بل اقتصروا على الطريق الأول ، والشيخ بنفسه لم ينقله عن علي بن جعفر في كتابيه التهذيب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 303 / 828 [صرح بذلك في ترجمة العمركي] .
(2) الجواهر 7 : 422 .
(3) الوافي 11 : 531 / 11260 ، الحدائق 6 : 410 .
|