ــ[36]ــ
أمّا الأخيران فتدلّ عليهما جملة من النصوص(1) كما لا يخفى على المراجع .
وأمّا الأوّلان فقد تقدّم الكلام فيهما مفصّلاً في محالّهما(2) فلا حاجة إلى الإعادة .
نعم ، ذكر في المقام من جملة ما يجب فيه الاستقبال حال الذبح والنحر ، ولم يسبق الكلام فيه فنقول :
أمّا اعتباره في نفس الذبيحة بأن يكون المذبح والمنحر ومقاديم بدن الحيوان إلى القبلة فلا إشكال فيه . ويدلّ عليه بعد الإجماع بقسميه كما في الجواهر(3) نصوص مستفيضة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الذبيحة فقال : استقبل بذبيحتك القبلة . . .» الحديث(4) وهذه الرواية صحيحة لا حسنة ، نعم لمحمد بن مسلم رواية اُخرى تشتمل على هذا المضمون(5) ، وهي إما صحيحة أو حسنة ، لمكان إبراهيم بن هاشم فلاحظ .
وأمّا اعتباره في الذابح فقد جعله في المتن أحوط ، لكن الأقوى وجوبه(6) فيه أيضاً ، لا للصحيح المتقدم لابتنائه على كون الباء في قوله (عليه السلام) «استقبل بذبيحتك القبلة» للمصاحبة ، أي استقبل مع ذبيحتك القبلة ، مع أن الظاهر كونه للتعدية ، نظير قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(7) أي أذهب نورهم . فالمعنى اجعل ذبيحتك نحو القبلة ، لا ما ذكر ، ولا أقل من الإجمال فيسقط عن الاستدلال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 341 / أبواب كيفية زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) ب 6 ح 1 ، 2 وغيرهما ، الوسائل 20 : 137 / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 69 [ولم نعثر على ما يدل على استحبابه حال القراءة] .
(2) شرح العروة 8 : 268 ، 9 : 256 ، 295 ، 4 : 333 .
(3) الجواهر 36 : 110.
(4) ، (5) الوسائل 24 : 27 / أبواب الذبائح ب 14 ح 1 ، 2 .
(6) وقد أفتى (دام ظله) في المنهاج 2 : 338 المسألة 1651 بعدم الوجوب .
(7) البقرة 2 : 17 .
ــ[37]ــ
بل لصحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يذبح على غير قبلة ، قال : لا بأس إذا لم يتعمّد . . .»الخ(1) الدالة بمفهومها على ثبوت البأس مع تعمد الذبح إلى غير القبلة ، وحيث إن الذبح بنفسه فعل من الأفعال ـ كالأكل والجلوس والقيام ونحوها ـ ولا معنى لاعتبار الاستقبال في الفعل نفسه ، لعدم كونه جسماً شاغلاً لحيّز كي يراعى فيه الاتجاه نحو القبلة ، فلابدّ وأن يكون الاستقبال معتبراً فيما يقوم به الفعل كالآكل والجالس والقائم ونحوها ، بل هذا هو الحال في الصلاة أيضاً ، فانّ الاستقبال غير معتبر فيها بما هي لما ذكر ، بل في المصلي الذي تقوم به الصلاة .
وعليه فمرجع اعتبار الاستقبال في الذبح إلى اعتباره في من يقوم به هذا العمل ، وبما أنّ هذا الفعل له خصوصيّة بها يمتاز عن الأمثلة المتقدمة وهي قيامه بالطرفين ـ الذابح والذبيحة ـ دون مثل الصلاة والجلوس ونحوهما فيستفاد من إطلاق ما دلّ على اعتبار الاستقبال فيه ـ كهذه الصحيحة ـ اعتباره في كلا الطرفين .
فالمتحصّل من مفهوم الصحيحة بعد ملاحظة ما ذكرناه اعتبار الاستقبال في الذابح والذبيحة معاً ، فتدبر جيداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 24 : 28 / أبواب الذبائح ب 14 ح 5 ، مسائل علي بن جعفر 142 / 164 .
|