الجهة الثالثة : لا إشكال في عدم جواز النظر إلى كلّ امرأة حتى المحارم ـ ما عدا الزوجة والمملوكة ـ أي إلى جزء من بدنها حتى الوجه والكفين إذا كان عن شهوة وريبة ، بل بلا خلاف في ذلك على ما ذكره شيخنا الأنصاري في كتاب النكاح(3) ، بل لعلّه من ضروريات الفقه . وتشهد له جملة من النصوص .
منها : موثقة علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : النظرة سهم من سهام إبليس مسموم . . .»الخ(4) رواها الكليني بسنده إلى عقبة والسند صحيح ، ورواها الصدوق أيضاً باسناده عن هشام بن سالم عن عقبة(5) وطريقه إلى هشام صحيح(6) . إنّما الكلام في عقبة بنفسه ، فانّه
ـــــــــــــــ
(3) كتاب النكاح : 53 .
(4) الوسائل 20 : 190/أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 104 ح 1 ، الكافي 5 : 559/ 12 .
(5) الوسائل 20 : 192 / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 104 ح 5 ، الفقيه 4 : 11 / 2 .
(6) الفقيه 4 (المشيخة) : 8 .
ــ[65]ــ
لم يوثق لكنه مذكور في سند كامل الزيارات فالرواية موثقة(1) .
كما أنّ الدلالة أيضاً ظاهرة ، فانّ المراد بالنظرة الموصوفة بالسهم هي الصادرة عن شهوة والتذاذ وريبة وافتتان التي ربما تؤدي إلى الوقوع فيما هو أعظم ، فهي سهم مسموم لكونها معرضاً للفتنة ، فانّ خوف الفتنة المأخوذ في كلمات الأصحاب ملازم للريبة والشهوة ، فانّها التي توقع الإنسان في خطر الافتتان دون غيرها ، وإن كانت الشهوة أعم ، فقد ينظر إلى المرأة الشخيصة أو العفيفة بشهوة مع الأمن عن الوقوع في الزنا ، لعدم القدرة عليه .
وبالجملة : الافتتان ملازم للالتذاذ [والريبة] المذكورين في كلماتهم . فالنظرة عن الشهوة المستفاد حرمتها من الصحيحة تقتضي تحريم ما يخاف منه الفتنة أيضاً كما هو ظاهر .
ويؤيده الروايات الكثيرة ـ وإن لم تصح أسانيدها ـ الدالة على أنّ زنا العين النظر ، التي منها المرسل : «ما من أحد إلا وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزناالفم القبلة ، وزنا اليدين اللمس . . .»الخ(2) فانّ التعبير عنه بالزنا لمكان شهوته ، فكأن النظر مرتبة نازلة من الزنا .
ومنها : صحيحة علي بن سويد قال «قلت لابي الحسن (عليه السلام) : إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر اليها ، فقال : ياعلي لا بأس إذا عرف الله من نيّتك الصدق ، وإيّاك والزنا فانّه يمحق البركة ويهلك الدين»(3) دلّت على حرمة النظر إذا لم تكن نيته الصدق بأن كان عن شهوة وريبة .
وقد احتمل الشيخ(4) ـ ونعم الاحتمال ـ أنّ المراد بالابتلاء توقف شغله وكسبه على النظر إلى النساء كمن يبيع حاجيات النسوان مثل البزاز ونحوه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسب النظر السابق المعدول عنه .
(2) الوسائل 20 : 191 / أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 104 ح 2 .
(3) الوسائل 20 : 308 / أبواب النكاح المحرم وما يناسبه ب 1 ح 3.
(4) في كتاب النكاح : 54 .
ــ[66]ــ
وقوله : «يعجبني» أى بحسب الطبع البشري ، فانّ الإنسان يسرّه بالطبع النظر إلى كل شيء جميل ، سواء كان إنساناً أم حيواناً أم جماداً كالوردة أو المجسمة البديعة أو التصوير الجميل ، فأجابه (عليه السلام) بعدم البأس إذا لم يكن بقصد الريبة والشهوة المنبعثة عن الغريزة الجنسية .
وكيف كان ، فالصحيحة دالّة على حرمة النظر مع عدم كون النية صادقة كما عرفت ، هذا مع أنّ الحرمة في هذا الفرض من مسلّمات الفقه وضرورياته كما مرّ ، فلا إشكال في ذلك .
|