ما يعتبر في الساتر الصلاتي 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5754


   [1268] مسألة 16 : الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكل ما يمنع عن النظر (2) ولو كان بيده أو يد زوجته أو أمته ، كما أنّه يكفي ستر الدبر بالأليتين (3) وأما الستر الصلاتي فلا يكفي فيه ذلك ولو حال الاضطرار ، بل لا يجزئ الستر بالطلي بالطين أيضاً حال الاختيار ، نعم يجزئ حال الاضطرار على الأقوى، وإن كان الأحوط خلافه، وأمّا الستر بالورق والحشيش فالأقوى جوازه حتى حال الاختيار (4)

 ـــــــــــــــــــــــــ
   (2) بلا خلاف فيه ولا إشكال . ويقتضيه إطلاق الأدلّة ، من غير خصوصية لساتر خاص بعد وضوح أنّ الغاية من التستر المنع عن وقوع النظر ، فيحصل بكلّ ما منع وكيف ما تحقق ، وهذا واضح .

   (3) لاختصاص العورة به وعدم كونهما منها فيصلحان للستر ، وقد عرفت آنفاً الاكتفاء بكلّ ساتر ، مع أنّه مورد للنصّ وإن كان ضعيفاً(2) .

   (4) يقع الكلام تارة فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في اعتبار

ـــــــــــــ
(2) الوسائل 2 : 34 / أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2 ، 3 .

ــ[126]ــ

خصوصية في الساتر الصلاتي ، واُخرى فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي ، فهنا مقامان :

   أمّا المقام الأوّل : فلا ينبغي التأمل في أنّ مقتضى الأصل هو البراءة عن اعتبار الخصوصيات المشكوكة في الساتر زائداً على اعتبار أصل الستر المعلوم رعايته في الصلاة ، بناءً على ما هو الصواب من الرجوع إليها عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين .

   ولكنّه ربما يفصّل في المقام بين ما إذا كان الشك في اعتبار هيئة خاصة في الساتر ـ بعد الفراغ عن كفاية الستر بمادته ـ كاحتمال اعتبار النسج في الصوف أو القطن أو الوبر وما شاكلها مما له قابلية النسج واللبس فالمرجع حينئذ أصالة البراءة ، للشك في الشرطية ، فتدفع الخصوصية الزائدة المشكوكة بها . وبين ما إذا كان الشك في كفاية أصل المادة في تحقق الستر المأمور به ، كالشك في الاجتزاء بالتستر بالطين أو النورة أو الحناء ونحوها من المواد التي يحتمل اعتبار خصوصية في المأمور به ـ وهي القابلية للبس ـ غير منطبقة عليها ، فانّ المقام حينئذ من مصاديق الدوران بين التعيين والتخيير ، للشك في أنّ الساتر المزبور هل هو مقيّد بذلك تعييناً ، أو أنّ المكلّف مخيّر بينه وبين الفاقد لتلك القابلية . والمرجع في مثل ذلك قاعدة الاشتغال .

   ويندفع : بأنّ المرجع في الصورة الثانية أيضاً هو البراءة كالاُولى ، إذ الخصوصية التي يحتمل معها التعيين مشكوكة تدفع بالأصل ، على ما هو الشأن في كل مسألة فرعية دار الأمر فيها بينه وبين التخيير ، فانّ المتيقّن من التكليف إنّما هو الطبيعي الجامع المردد بينهما ، والخصوصية المشكوكة مدفوعة بأصالة البراءة . ونتيجة ذلك هو البناء على التخيير ، كما هو الحال في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بل إنّ أحدهما عين الآخر ، ولا فرق إلا في مجرد التعبير كما أشرنا إليه في مطاوي هذا الشرح غير مرة .

   وأمّا المقام الثاني : فالكلام فيه تارة في حال الاختيار ، واُخرى عند

ــ[127]ــ

الاضطرار ، فهنا موضعان :

   أمّا الموضع الأوّل : فقد دلّت جملة من النصوص على اعتبار كون الساتر لباساً من ثوب أو قميص ونحوهما .

   منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً ؟ قال : إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماء صلى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(1) دلّت على حكمين :

   أحدهما : لزوم الصلاة في الثوب الطاهر لدى التمكن منه .

   ثانيهما : إن لم يجده صلى في الثوب النجس ولا يصلي عرياناً .

   والحكم الثاني وإن كان معارضاً بنصوص اُخر دلت على أنّه يصلي حينئذ عارياً ، بل هو المشهور ، لكن الحكم الأوّل الذي هو محلّ الاستشهاد لا معارض له كما لاخلاف فيه ولا إشكال . ومن الواضح أنّ ستر العورة بغير المنسوج من الصوف أو القطن أو الحشيش لا يصدق عليه لبس الثوب ، بل هو بعد عار وإن كانت عورته مستورة ، فانّ العاري في مقابل اللابس ، وحيث لم يكن لابساً بالوجدان فهو طبعاً مصداق للعاري ، وقد منع في الصحيحة عن الصلاة كذلك مع التمكّن من الثوب الطاهر .

   ومنها : النصوص التي دلّت على أنّ أدنى ما يصلي فيه الرجل قميص أو المرأة درع وملحفة أو خمار ومقنعة وما شاكل ذلك(2) ، فانّ المستفاد من مجموعها لزوم لبس ما يصدق عليه اللباس في الصلاة .

   نعم ، لا خصوصية لهذه العناوين ، فلو صلّت المرأة في ثوب واحد طويل ساتر لجميع بدنها عدا ما استثني ، أوالرجل في مئزر ونحوه ممّا يستر به سوءته صحت صلاتهما . إلا أنّ الساتر مهما كان يلزم أن يكون من سنخ اللباس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 484 / أبواب النجاسات ب 45 ح 5 .

(2) الوسائل 4 : 389 / أبواب لباس المصلي ب 22 ح 1 ، 2 ، 405 / ب 28 .

ــ[128]ــ

ضرورة أنّ إلغاء هذه الخصوصية وعدم رعاية الملبوسية لكي يكتفى بالحشيش أو الصوف والقطن غير المنسوجين مخالف لظواهر هذه النصوص جداً ، فلا يمكن رفع اليد عنها بوجه .

   ومما يؤكّد ذلك صحيحة اُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي ؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»(1) .

   حيث يظهر منها بوضوح أنّ المرتكز في ذهن السائل أنّه لو كان متاعه عنده ـ والمتيقّن منه لباسه الذي بفقده أصبح عرياناً ـ لزمته الصلاة لابساً ، بحيث كأنّه أمر مفروغ عنه ، ولذا سأل عن حكم صورة الاضطرار والعجز عن اللباس ، وقد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك ، ومن ثم لم يتعرض في الجواب إلا لحكم هذه الصورة . فيكون ذاك الارتكاز بضميمة التقرير كاشفاً عن اعتبار اللباس في حال الاختيار .

   ويؤيّده ما رواه الحميري بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً ، فان لم يجد صلّى عرياناً جالساً»(2) فانّ الستر بالحشيش ونحوه مما لا يلبس لو كان كافياً وكان في عرض الستر باللباس لما كان وجه للأمر بتأخير الصلاة إلى آخر الوقت وأنّه بعد اليأس من الثوب يصليها عارياً ، بل له ذلك من أوّل الوقت مع ستر عورته بالحشيش ونحوه . لكن السند ضعيف(3) بأبي البختري فلا تصلح إلا للتأييد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 448 / أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1 .

(2) الوسائل 4 : 451 / أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1 ، قرب الإسناد : 142 / 511 .

(3) وكذلك الدلالة عند المشهور ، حيث يحملون كلمة «لا ينبغي» على الكراهة .

ــ[129]ــ

لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار((1)) (1) وكذا يجزئ مثل القطن والصوف غير المنسوجين وإن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما مما يكون من الألبسة المتعارفة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والمتحصّل : أنّ المستفاد من الأدلّة أنّه في حال الاختيار لا يكفي التستر إلا بالثوب ونحوه مما كان من سنخ الملبوس ، ولا يجزئ غير اللباس من صوف أو قطن غير منسوجين فضلاً عن مثل الحشيش .

   وأمّا الموضع الثاني : فالظاهر جواز التستر بتلك الاُمور من القطن والصوف والحشيش ونحوها في حالة الاضطرار وعدم التمكن من اللباس ، وذلك لصحيحة علي بن جعفر الثانية المتقدّمة(2) ، حيث رخص (عليه السلام) الستر بالحشيش لمن كان عاجزاً عن اللباس ، فيظهر أنّه في طوله لا عرضه ، وأنّه مع التمكن منه يتستر به ولا يصلي عارياً .

   كما يظهر من قوله (عليه السلام) : «وإن لم يصب شيئاً يستر به . . .» الخ أنّ الحشيش لا خصوصية له ، بل العبرة بمطلق الساتر للعورة من قطن أو صوف أو طين ونحو ذلك ، وأنّه مع التمكن منه يتعين ولا تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عارياً إلا لدى العجز عن ذلك أيضاً . فهناك مراحل ثلاث طوليّة : التستر باللباس أولاً ، ثم بمطلق الساتر ، ثم الصلاة عارياً .

   (1) بل قد عرفت أنّ الأظهر ذلك في الحشيش وشبهه من الصوف ونحوه ، وأمّا الطين فتحقق الستر به مشكل ، ولكنّه على تقدير التحقق يكفي أيضاً ، لإطلاق الصحيحة المزبورة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر ذلك في الحشيش وما أشبهه من الصوف والقطن ونحوهما .

(2) في ص 128 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net