وجوه اُخرى استدلّ بها الكاشاني (قدس سره) 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6741


 الوجوه الاُخر مما استدلّ به الكاشاني (قدس سره)

   ثم إن المحدث الكاشاني على ما نقله في الحدائق(2) استدلّ على ما ذهب إليه بوجوه اُخر لا يخلو بعضها عن دقة وإن كان ضعيفاً .

   منها : أن القليل لو قلنا بانفعاله بالملاقاة لما أمكن تطهير شيء من المتنجسات به وهو مقطوع الفساد وذلك لأن الجزء المتصل من القليل بالمتنجس ينفعل بملاقاته على الفرض فلا تحصل به الطهارة . وأمّا غير الجزء المتصل بالمتنجس فلا ربط بينه وبين المتنجس حتى يطهر به ويمكن تقريب ما أفاده بوجهين :

   أحدهما : أن يقال إن الجزء المتصل من القليل بالمتنجس ينفعل بمجرد الملاقاة على الفرض ، ومع انفعاله لا يحصل به التطهير ، إذ يشترط في المطهّر أن يكون طاهراً في نفسه ، وهكذا نقول في الجزء الثاني منه إذا اتصل بالمتنجس وكذا في الجزء الثالث وهكذا...

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يأتي أن بعض أفراد الراوية يسع مقدار الكر أعني ما يبلغ مقدار سبعة وعشرين شبراً .

(2) الحدائق 1 : 301 .

ــ[132]ــ

   وثانيهما : أن الجزء المتصل بالمتنجس إذا انفعل بالملاقاة فهو يوجب تنجس المغسول به ثانياً ، لأنّه نجس وهو يوجب التنجيس لا محالة وهكذا كلّما غسلناه به فلا تحصل به الطهارة ، والقول بتنجسه بالملاقاة وطهارته بالانفصال عنه مستبعد جداً ، لأن الانفيصال ليس من أحد المطهرات .

   والجواب عن التقريب الأول : أن ما ذكره من الصغرى والكبرى ممنوعتان .

   أمّا الصغرى وهي انفعال الماء القليل بمجرّد اتصاله بالمتنجس فلأن المقصود بالكلام في المقام كما أشرنا إليه في أوائل البحث إنّما هو اثبات انفعال القليل في الجملة وعلى نحو الموجبة الجزئية لا في كل مورد وكل حال ، ويكفي في ثبوت ذلك انفعال القليل بملاقاة المتنجس فيما إذا ورد عليه النجس ، وأمّا إذا كان الماء وارداً على النجس، فهب أنّا التزمنا بما أفاده من عدم انفعاله بالملاقاة ، لما أشار إليه من عدم إمكان تطهير المتنجس بالقليل على تقدير انفعاله ، فهذا المحذور إنما يلزم فيما إذا قلنا بانفعال القليل مطلقاً ، دون ما إذا خصصناه بصورة ورود النجس عليه ، ويأتي تفصيل ذلك في محلّه إن شاء الله(1) .

   وعلى الجملة إن الالتزام بعدم انفعال القليل عند وروده على النجس تخصيصاً لأدلة انفعال القليل في تلك الصورة بما دلّ على حصول الطهارة بالغسل بالقليل لا ينافي ما نحن بصدد إثباته في المقام من انفعال الماء القليل بملاقاة النجس في الجملة وعلى نحو الموجبة الجزئية ، إذ يكفي في ثبوته انفعال القليل في صورة ورود النجس عليه ، هذا كلّه أوّلاً .

   وثانياً : أنّه يشترط في التطهير إزالة عين النجاسة عن المتنجس ، وإذا زالت عين النجس عن المغسول فلا محالة يبقى متنجساً ، ولنا أن نمنع عن انفعال القليل بملاقاة المتنجس بدعوى اختصاص الاجماع والأدلّة الدالّة على انفعال القليل بما إذا لاقته عين المتنجس ، ولم يدلنا دليل على انفعاله بملاقاة المتنجس كما ذهب إليه المحقق الخراساني (قدس سره)(2) وهذا غير القول بعدم منجسية المتنجس ، لأنّا وإن قلنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قبل المسألة [308] .

(2) نقل عنه في المستمسك 1 : 146 .

ــ[133]ــ

بمنجسية المتنجسات كالنجاسات ، إلاّ أن لنا أن نلتزم بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجسات ، لاختصاص ما دلّ على انفعاله بملاقاة الأعيان النجسة ، وعليه فلا يتنجس القليل عند اتصاله بالمتنجس حتى يلزم محذور عدم امكان تطهير المتنجس باالماء القليل .

   وهذان الوجهان وإن كان لا يلتزم بشيء منها على ما ستعرف ، إلاّ أن الغرض من ذكرهما هو أن حصول الطهارة عند الغسل بالماء القليل لا ينافي الالتزام بانفعال القليل ، فإن المقصود إثبات انفعاله في الجملة لا في كل مورد .

   وأمّا منع الكبرى على تقدير تمامية الصغرى ، فلأن الدليل إنّما أثبت اشتراط عدم نجاسة الماء قبل غسل المتنجس ، وأمّا عدم تنجسه حتى بغسله فلا ، ولم يستفد ذلك من أي دليل إذ الماء لابدّ وأن لا يتحتمل القذارة قبل الغسل به حتى يتحمل قذارة المتنجس المغسول به ، وأمّا عدم تحمله القذارة حتى بغسله فيه فلم يقم على اعتباره دليل . بل الأمر في القذارات العرفية كما ذكرناه قطعاً فإن الماء إذا لم يكن متقذراً بالقذارة العرفية ، وغسل به شيء متقذر عرفاً فلا محالة يتحمل الماء تلك القذارة ويرفعها عن المغسول به ، والقذارة تنتقل منه إلى الماء بالغسل فإذا كان هذا حال القذارة العرفية فلتكن القذارة الشرعية أيضاً كذلك .

   بل الحال كما وصفناه في أحجار الاستنجاء أيضاً ، إذ يشترط فيها أن لا تكون متنجسة قبل الاستنجاء بها ، مع أنها تتنجس بالاستنجاء فتقلع النجاسة عن المحل ويتصف بها كما يتصف المحل بالطهارة ، والماء في المقام أيضاً كذلك فإنه ينفعل بنجاسة المغسول به ، ويتحملها بعد ما لم يكن كذلك قبل غسله فيطهر الثوب ويتنجس الماء . وهو (قدس سره) سلّم ذلك في الأحجار وإنما استشكل في خصوص المقام .

   وأمّا الجواب عن التقريب الثاني : فهو انّا إن استثنينا الغسالة عما دلّ على انفعال الماء القليل ، فلا يبقى مجال لانفعال القليل باتصاله بالمتنجس وتنجس المغسول به ثانياً وهذا ظاهر ، وأمّا إذا لم نستثن ذلك وقلنا بنجاستها فأيضاً نلتزم بعدم تنجس المغسول بالماء القليل ثانياً ، وذلك بتخصيص ما دلّ على تنجيس المتنجس بما دلّ على جواز التطهير بالقليل .

ــ[134]ــ

   ومنها : أي من جملة ما استدلّ به الكاشاني (طاب ثراه) أن دلالة الأخبار على انفعال الماء القليل بالمفهوم ، ودلالة الأخبار الخاصة أو العامة على عدم انفعاله بالمنطوق ، والدلالة المنطوقية تتقدّم على الدلالة المفهومية كما أن النص يتقدم على الظاهر كذا أفاده (قدس سره) .

   ولا يخفى عدم تمامية شيء من الصغرى والكبرى في كلامه .

   أمّا عدم تمامية الصغرى فلأجل أن الدليل على انفعال الماء القليل غير منحصر في مفهوم قوله (عليه السلام) الماء إذا بلغ... فإن هناك روايات خاصة قد دلت على انفعال القليل بمنطوقها .

   وأمّا منع الكبرى : فلما بيّنا في محلّه من أن كون الدلالة بالمنطوق لا يكون مرجّحاً لأحد المتعارضين على الآخر ، بل قد تتقدم الدلالة المفهومية على المنطوق كما إذا كان المفهوم أخص مطلقاً من المنطوق وبذلك نقدّم الأخبار الدالة على انفعال القليل وإن كانت الدلالة بالمفهوم على ما دلّ على عدم انفعاله بالمنطوق من العموم أو الاطلاق لأن الاُولى أخص مطلقاً من الثانية . على أن المعارضة للدلالة المفهومية ترجع إلى معارضة الدلالة المنطوقية لاستحالة التصرف في المفهوم بما هو ، فإنّه معلول وملازم للخصوصية المذكورة في المنطوق ، وعليه فالمعارضة بين المنطوقين دائماً كما ذكرناه وتفصيل ذلك موكول إلى علم الاُصول .

   ومنها : أن اختلاف الروايات الواردة في تحديد الكر يكشف كشفاً قطعياً عن عدم اهتمام الشارع بالكر ، حيث حدّ في بعضها بسبعة وعشرين شبراً وفي بعضها الآخر بستة وثلاثين وفى ثالث باثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر ، وعليه فلا مناص من حملها على بيان استحباب التنزه عمّا لم يبلغ حدّ كر لما بينها من الاختلاف الكثير .

   ويدفعه : أن اختلاف الأخبار الواردة في التحديد لا يكشف عن عدم اهتمام الشارع بوجه ، بل المتعيّن حينئذ أن يؤخذ بالمقدار المتيقن ويحمل الزائد المشكوك فيه على الاستحباب .

ــ[135]ــ

   ومنها: أن الماء القليل لو كان ينفعل بالملاقاة لبيّن الشارع كيفية التحفظ عليه وأمر بحفظه عن ملاقاة النجاسات والمتنجسات ، كأيدي المجانين والصبيان المتقذّرة غالباً ولم يرد من الشارع رواية في ذلك . وأيضاً استلزم ذلك نجاسة جميع مياه البلدتين المعظّمتين ـ مكة والمدينة ـ لانحصار مائهما فى القليل غالباً ، وتصل إليه أيدي الأطفال ونظائرها مما هو متنجس على الأغلب ، ومعه كيف يصنع أهل البلدتين . بل بذلك يصبح جعل أحكام الماء في حقهم من الطهارة وغيرها لغواً ظاهراً .

   أمّا ما ذكره أولاً فالجواب عنه أن بيان كيفية التحفظ على الماء القليل غير لازم على الشارع بوجه ، فإن التحفظ عليه كالتحفظ على الأموال والذي يلزم على الشارع هو بيان حكم القليل ، وبعد ما صرّح بأعلى صوته على أن الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس والمتنجس ـ على ما نطقت به الأخبار المتقدمة في محلّها ـ فعلى المكلف أن يجنبّه عن ملاقاة ما يوجب تنجسه من أيدي المجانين والأطفال وغيرهما ممن تغلب النجاسة في شفتيه أو يديه .

   وأمّا ما ذكره ثانياً فيردّه أن الشارع قد حكم بطهارة كل ما يشك في نجاسته ، ومن الظاهر أنه لا علم وجداني لأحد بنجاسة مياه البلدتين ، وإنما يحتمل نجاستها كما يحتمل طهارتها ، فإن دعوى العلم بنجاسة الجميع جزافية محضة .

   لا يقال : لا استبعاد في دعوى العلم الوجداني بنجاسة مياه البلدتين نظراً إلى أن النجاسة من الاُمور السارية كما نشاهده بالعيان عندما نسي أحد نجاسة يده مثلاً فانّه إلى أن يلتفت إليها قد نجّس أشياء كثيرة من ثيابه وبدنه وأوانيه وغيرها. هذا بضميمة ملاحظة الأماكن التي جرت عادتهم على جعل المياه القليلة عليها في البلدتين ، حيث إن المياه فيهما تجعل على ظروف وأوان مثبتة في بيت الخلاء ، وققد جعل عندها آنية اُخرى يأخذ بها المتخلي من مياه الأواني المثبتة فيستنجي ويطهر بدنه ، وليست أواني المياه في البلدتين كالحباب المتعارفة عندنا ممايمكن تطهيره بالمطر أو الشمس أو بالقاء كر عليه ، فانّها كما بيّناه مثبتة في بيت الخلاء ، وهي مسقّفة لا تصيبها شمس ولا مطر ولا يلقى عليها كر . وملاحظة كثرة الواردين عليهما من حجاج وزوّار ، وهي على طوائف مختلفة من فرق السنّة والشيعة وفيهم أهل البوادي والقرى وغيرهم ممن

ــ[136]ــ

لا يبالي بالنجاسة وربما يعتقد بكفاية مطلق ازالة العين في التطهير ، فإذا قلنا مع ذلك كلّه بانفعال الماء القليل وتنجس ما في تلك الأواني المثبتة بنجاسة يد أحد الواردين أَّ الأطفال والمجانين ، فلا محالة تسري النجاسة منها إلى جميع الأشياء الموجودة في البلدتين ، ومن البيّن أن دعوى العلم القطعي بنجاسة يد أحد الواردين والمتخلين من هؤلاء الجماعات قريبة لا سبيل إلى انكارها ، وقد عرفت أن ذلك يستلزم العلم بنجاسة جميع المياه وغيرها مما يوجد في البلدتين .

   لأنّه يقال : هذه الدعوى وإن كانت صحيحة كما ذكرت ، إلاّ أنها تتوقف على
القول بانفعال القليل بكل من النجس والمتنجس ، إذ لو اقتصرنا فى انفعاله بملاقاة الأعيان الجسة كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أو منعنا عن كون المتنجس منجّساً مطلقاً ولو مع الواسطة كما يأتي تفصيل ذلك فى محلّه إن شاء الله ، لم يبق في البين إلاّ احتمال النجاسة وهو مورد لقاعدة الطهارة . نعم لو قلنا بانفعال القليل بكل من النجاسات والمتنجسات ، وقلنا أيضاً بتأثير المتنجس في التنجيس على الاطلاق ـ مع الواسطة وبدونها ـ لكانت الشبهة المذكورة وهي دعوى العلم الوجداني بنجاسة المياه القليلة بل جميع الأشياء في العالم ، مما لا مدفع له . وإنكار العلم الوجداني حينئذ مكابرة بيّنة ، بل ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) أن من أنكر حصول العلم الوجداني له بنجاسة كل شيء ، وهو يلتزم بمنجسية المتنجسات ، فلا حق له في دعوى الاجتهاد والاستنباط فانّه لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادئ المحسوسة فضلاً عن أن يكون من أهل الاستدلال والاجتهاد(1) . والأمر كما أفاده لما مرّ من أن النجاسة مسرية فإن العلم بنجاسة يد أحد الواردين على أماكن الاجتماع كالمقاهي والمطاعم والبلدتين المعظمتين أو شفتيه حاصل لكل أحد ، وهو يستلزم العلم بنجاسة كل شيء(2) والجواب عن هذه الشبهة منحصر بما ذكرناه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 579 السطر 15 .

(2) وينقل عن بعض الأفاضل في النجف انّه كان يتيمّم بدلاً عن الوضوء دائماً قبل مدّ أنابيب الماء بدعوى العلم بنجاسة جميع المياه ، فإن السقائين كانوا يضعون القربة على الأرض وهي متنجسة بالبول والعذرة وبذلك كانت تتنجس القربة وما عليها من القطرات التي تصيب ماء القربة عند قلبها لتفريغها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net