الثاني : الإباحة((1))(2) وهي أيضاً شرط في جميع لباسه (3) .
ـــــــــــــــــــــــــ (2) أي إباحة التصرف في اللباس مقابل حرمته ، سواء أكان منشأ الحرمة هو الغصب أم غيره ، كما لو اشترى الثوب بمعاملة فاسدة ، أو وصل إليه بقمار ونحوه ، أو كان متعلقاً لحق الغير كما ستعرف(3) .
(3) ويستدلّ له بوجوه :
أحدها : الإجماع ، الذي ادّعاه غير واحد .
وفيه : أنّه لاعبرة به ، ولا سيما بعد استناد أكثر المجمعين إلى الوجوه الآتية . فلم يكن إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .
ثانيها : قاعدة الاشتغال ، بعد أن لم يكن دليل على الصحة بدونها .
وفيه : أن المرجع في أمثال المقام من موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط في غير الساتر وفي المحمول ، ولا يبعد عدم الاشتراط فيهما .
(2) شرح العروة 3 : 235 ، 428 ، 436 .
(3) يأتي في ص 137 .
ــ[131]ــ
الارتباطي هو البراءة كما حقّق في محلّه(1) .
ثالثها : رواية تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل قال : «ياكميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي ، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول»(2) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، أنّ عدم القبول أعم من الفساد .
رابعها : مرسلة الصدوق ـ التي أسندها في الكافي عن إسماعيل بن جابر ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فانفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم»(3) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند في الطريقين ، وإلى ما سمعت من الأعمية ، أنّ الإنفاق الوارد فيها ظاهر في غير ما نحن فيه كما لا يخفى .
خامسها : أنّ الحركات الصلاتية من القيام والقعود والركوع والسجود مصداق للتصرف في المغصوب ومتحدة معه فتحرم ، وبما أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ومحقّقاً للعبادة ، لامتناع التقرب بالمبغوض فتفسد أيضاً بطبيعة الحال .
وفيه أوّلاً : أنّ مصداق العبادة هو نفس الهيئات الخاصة ، وأمّا الحركات فهي من سنخ المبادئ والمقدمات . فالهيئة الركوعية المتحصّلة من الانحناء الكذائي هي حقيقة الركوع بالذات ، فهي المأمور به دون الانحناء نفسه ، وهكذا السجود ونحوه فلا اتحاد بين المتعلّقين بعد كونهما من مقولتين مختلفتين إحداهما الوضع والاُخرى مقولة الفعل .
وثانياً : مع التسليم والبناء على أنّ الحركات بأنفسها هي الأجزاء دون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 2 : 426 .
(2) الوسائل 5 : 119 / أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2 ، تحف العقول : 174 .
(3) الوسائل 5 : 119 / أبواب مكان المصلي ب 2 ح1 ، الفقيه 2 : 31 / 121 ، الكافي 4 : 32 / 4 .
ــ[132]ــ
الهيئات فلا ينبغي الشك في تغايرها مع الحركات الغصبية ، لقيام هذه بالبدن وتلك بالمغصوب . ومن الضروري أنّ تباينها يستوجب تباين الحركات القائمة بهما ، غاية الأمر أنّ إحدى الحركتين علّة لحصول الاُخرى ، نظير حركة اليد بالإضافة إلى حركة المفتاح . إذن فلم تكن إحداهما عين الاُخرى ليكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع .
سادسها : أنّ اللباس المغصوب محكوم بوجوب الإبانة والنزع وردّه إلى مالكه ، ومن البيّن انّ الأمر بالنزع أمر بالإبطال ، فكيف يجتمع مع الأمر بضدّه وهو الصلاة المشروطة باللبس ، فانّه لا يصححه حتى الترتب ، إذ لا معنى للأمر بالإبطال وبعدمه على نحو الترتب كما لا يخفى ، وهذا الوجه يختص بالساتر .
وفيه أوّلاً : أنّ الأمر بالنزع أمر بايجاد ذات المبطل لا بنفس الإبطال وبينهما فرق واضح ، فلا مانع من الأمر بالصلاة مترتباً على عدم الإتيان بالمبطل .
وثانياً : مع التسليم فالمأمور به هو الإبطال الخاص لا مطلق الإبطال كي لا يمكن الأمر بضده على سبيل الترتب ، فيقال له : أبطل صلاتك بنزع ثوبك وإلا فأتمها .
سابعها : أنّ النهي عن الغصب وإن لم يكن بنفسه موجباً لفساد العبادة نظراً إلى أنّ الشرط بعد أن لم يكن بنفسه عبادة ، وإنّما العبادي تقيّد الصلاة به ، حيث إنّه جزء منها لا ذات القيد لخروجه عنها ، فلا جرم كان الأمر به توصلياً مقدمة لحصول التقيّد المزبور ، فلا مانع من اتصافه بالحرمة ، من غير فرق في ذلك بين الشرائط المتقدمة والمقارنة . إلا أنّه في خصوص الشرط المقارن يفهم العرف من ضم دليل النهي إلى [دليل] الشرط اختصاصه بغير الفرد المنهي عنه ، فاذا ورد الأمر بالصلاة المشروطة باللباس وورد النهي عن التصرف في لباس خاص كان المتفاهم العرفي بعد ضم أحد الدليلين إلى الآخر تقيّد إطلاق الأمر بغير مورد النهي . ونتيجة ذلك اختصاص المأمور به باللباس المباح ، فالمقرون بغيره لم يكن مصداقاً للمأمور به .
ــ[133]ــ
من غير فرق بين الساتر وغيره وكذا في محموله (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه : أنّ هذا إنّما يتجه فيما إذا كان الشرط هو اللباس في نفسه ، وليس كذلك ، بل الشرط حسبما يستفاد من النصوص هو التستر الحاصل من اللباس كي لا يكون عارياً ، فيكون اللبس مقدّمة لتحصيل ما هو الشرط ، فلم يكن النهي متعلقاً ببعض ما اعتبر شرطاً كي يكون ضمه إلى دليل الأمر موجباً لتقييد الإطلاق حسبما اُفيد .
على أنّ هذا الوجه لو تمّ لاختص بالساتر ، ولا يشمل مطلق الملبوس .
والمتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الوجوه المستدل بها للإباحة كلّها مخدوشة وغير ناهضة للركون إليها ، ومقتضى الصناعة عدم اعتبارها في اللباس ، من غير فرق بين الساتر وغيره ، والملبوس والمحمول والمتحرك بحركة المصلّي وغير المتحرّك ، وإن كان الاحتياط مما لا ينبغي تركه ، لمكان الإجماعات المتكررة دعواها في كلمات الأصحاب ولا سيما في الساتر ، حيث إن جمّاً غفيراً منهم خصوا الاعتبار به ، وقد عرفت اختصاص بعض الوجوه المتقدمة(1) به ، بل يظهر منهم التسالم عليه ، حيث لم يعلم مخالف صريح من قدماء الأصحاب عدا ما نسبه الكليني إلى الفضل بن شاذان(2) . وهذا هو الذي يمنعنا عن الجزم بالصحة في الساتر . ومن ثم كان الاحتياط فيه أشدّ وآكد .
فالنتيجة : هو التفصيل بين الساتر فالأحوط وجوباً(3) إباحته ، وبين غيره من الملبوس والمحمول فالأقوى عدم الاعتبار وإن كان رعاية الاحتياط أولى .
(1) لاشتراك مناط البحث في الجميع ، وقد عرفت أنّ الأظهر عدم الاعتبار فيما عدا الساتر بالفعل فلاحظ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [وهو الوجه السادس والسابع] .
(2) الكافي 6 : 94 .
(3) ولكن يظهر من تعليقته الشريفة (دام ظلّه) الفتوى بذلك ، ولم يتّضح وجهه .
|