ــ[145]ــ
[1276] مسألة 8 : إذا استقرض ثوباً وكان من نيته عدم أداء عوضه أو كان من نيته الأداء من الحرام فعن بعض العلماء أنّه يكون من المغصوب ، بل عن بعضهم أنّه لو لم ينو الأداء أصلاً لا من الحلال ولا من الحرام أيضاً كذلك (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقع الكلام تارة فيما تقتضيه القاعدة واُخرى بالنظر إلى النصوص الخاصة الواردة في المقام .
أمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في أنّ مقتضاها عدم جريان حكم الغصب لصحة العقود المذكورة في المتن من القرض والإجارة والبيع ونحوها ، لأنّ العبرة في صحّة العقود المعاوضة باعتبار المبادلة وإنشاء العقد القائم بالطرفين من دون إناطة بالوفاء الخارجي فضلاً عن نية الأداء من الحلال أو الحرام . فمناط الصحة مجرد الاعتبار النفساني المبرز الصادر منهما ، ولم تكن النية المزبورة من مقوّمات العقد ، غاية الأمر أنّه لو تخلف عن الأداء ولم يتعقب العقد بالوفاء كان للطرف الآخر خيار الفسخ ، وهو أمر آخر ، فما لم يفسخ كان العقد صحيحاً والمعاملة نافذة ، ومعه لا مجال لاحتمال الغصبية .
ومنه تعرف فساد دعوى المنافاة يبن القصد إلى المعاوضة وبين نية عدم الأداء أو الأداء من الحرام ، فانّها إنّما تتجه لو كان المنشأ هو المعاوضة الخارجية ، وليس كذلك ، وإنّما هي في وعاء الاعتبار ، فيعتبر كلّ من البائع والمشتري ملكية الآخر للثمن أو المثمن ، والآثار تترتب على هذا الاعتبار ولا مانع من أن يكون في عين الحال بانياً على الامتناع وعدم الأداء خارجاً .
ويشهد لذلك عدم ذكر الفقهاء نية الأداء من شرائط العقد ، وهذا مما يكشف بوضوح عن عدم الدخل في صحة العقد بوجه .
وأمّا الثاني : فقد وردت في المقام روايتان :
إحداهما : مرسلة ابن فضال عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من استدان
ــ[146]ــ
ديناً فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق»(1) .
وفيه أوّلاً : أنّ السند ضعيف بالإرسال ، وبصالح بن أبي حماد فانّه لم يوثق بل ربما يستشعر ضعفه من النجاشي حيث قال : إنّ حديثه يعرف وينكر(2) بل قد ضعّفه ابن الغضائري صريحاً(3) . نعم روى الكشي عن علي بن محمد أنّه قال فيه : إنّه خيّر أو مؤمن(4) ولكن الراوي لم يوثق . والعمدة أنّ الرجل لم يثبت توثيقه ، وهو كاف في الضعف .
وثانياً : أنّ موردها القرض ، ويمكن القول بأنّ فيه خصوصية وهي أنّه تمليك بالضمان لا مبادلة مال بمال ، ولعلّ ذلك يتنافى مع قصد عدم الأداء ، فكيف يمكن التعدّي إلى البيع ونحوه من المبادلات مع وضوح لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مورد قيام النص .
ثانيتهما : ما رواه الصدوق باسناده عن أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «أيّما رجل أتى رجلاً فاستقرض مالاً وفي نيّته أن لا يؤديه فذلك اللصّ العادي»(5) .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، لضعف طريق الصدوق إلى أبي خديجة سالم ابن مكرم الجمال ، ولا أقل من أجل اشتماله على محمد بن علي الكوفي(6) ولم يوثق ، أنّ الدلالة قاصرة ، فانّها وإن كانت واضحة في موردها إلا أنّها أخص من المدعى من وجهين :
أحدهما : الاختصاص بالقرض ، فلا تشمل غيره كما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 18 : 328 / أبواب الدين والقرض ب 5 ح 2 .
(2) رجال النجاشي : 198 / 526 .
(3) حكاه عنه في الخلاصة : 359 / 1417 .
(4) رجال الكشي : 566 / 1068 .
(5) الوسائل 18 : 329 / أبواب الدين والقرض ب 5 ح 5 ، الفقيه 3 : 112 / 475 .
(6) الفقيه 4 (المشيخة) : 79 .
ــ[147]ــ
ولا يبعد ما ذكراه ((1)) (1) ، ولا يختص بالقرض ، ولا بالثوب ، بل لو اشترى أو استأجر أو نحو ذلك وكان من نيته عدم أداء العوض أيضاً كذلك . ــــــــــــــــــــــ
ثانيهما : أنّ موردها نية عدم الأداء ، فلا تشمل عدم نية الأداء الذي هو المورد الثاني مما ذكره في المتن .
فتحصّل : أنّ ما ذكره بعض العلماء لا يمكن المساعدة عليه في شيء من الموردين لا بمقتضى القاعدة ، ولا بموجب النصوص الخاصة ، بل الأقوى صحة المعاملة بعد تحقق القصد إليها حقيقة ، ومعه لا موضوع للغصب .
(1) بل هو بعيد كما عرفت . ــــــــــــــــ
(1) بل هو بعيد فيما إذا تحقق قصد المعاملة حقيقة .
|