الثالث : أن لا يكون من أجزاء الميتة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4331


ــ[148]ــ

   الثالث : أن لا يكون من أجزاء الميتة (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخاص المتضمن لجواز التصرف بعد الدفع من مال آخر كما سيأتي في محلّه . هذا في الزكاة .

   وأمّا في الخمس فان بنينا على ما هوالمشهور من إلحاقه بالزكاة فيجري فيه ما عرفت ، وإن أنكرنا ذلك فمقتضى نصوص التحليل ـ بناءً على المختار من شمولها للمقام كما سيأتي(1) ـ صحة المعاملة وانتقال الحق ممّا فيه الخمس إلى بدله ، ومقتضاها كون الثوب بنفسه مشتركاً بين المالك وبين السادة فلا يجوز التصرف فيه بغير إذن الشريك .

   وبالجملة : لا تجوز الصلاة في الثوب إما لأنّ المعاملة فضولية ، أو لأنّه بنفسه متعلق لحقّ الخمس ، ولا يجوز التصرّف فيه قبل أدائه .

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز الصلاة في أي جزء من أجزاء الميتة ، سواء أكان هو الجلد أم غيره مما تحله الحياة ، من غير فرق بين كون الحيوان محلل اللحم أم محرّمه ، وقد ادعي عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات حتى ممّن قال بطهارة الجلد بالدبغ ، فانّ الميتة بعنوانها تبطل الصلاة فيها لا لمكان نجاستها فحسب كي يقتصر على موردها .

   وتشهد به جملة من النصوص دلّت طائفة منها على النهي عن الصلاة في الميتة كصحيحة محمد بن مسلم، قال : «سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ ؟ قال : لا ، ولو دبغ سبعين مرة»(2).

   وطائفة اُخرى على الأمر بالصلاة في المذكى كقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : « . . . فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي قد ذكاه الذبح . . .» الخ(3) هذا .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في العروة الوثقى 2 : 199 المسألة [2979] .

(2) الوسائل 4 : 343 / أبواب لباس المصلي ب 1 ح 1 .

(3) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

ــ[149]ــ

   ومورد صحيحة ابن مسلم وغيرها وإن كان هو خصوص الجلد فيحتاج التعميم لغيره إلى دليل آخر من إجماع أو تنقيح مناط ونحوهما ، إلا أنّه يكفي في التعميم صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في الميتة ، قال : لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع»(1) .

   ولا يضره الإرسال بعد أن كان المرسَل عنه غير واحد ، لما تقدّم ـ عند التكلم حول رواية يونس في مبحث الحيض ـ أنّ هذا التعبير ونحوه كجماعة أو عدّة من أصحابنا يدلّ على أنّ المروي عنه جماعة كثيرون بحيث لا يحتمل عادة عدم وثاقة واحد منهم .

   وكيف ما كان ، فالحكم في الجملة مما لا غبار عليه ، وإنّما الإشكال في كيفية الاعتبار وأنّ المجعول الشرعي هل هو اعتبار المانعية للميتة كما هو ظاهر الطائفة الاُولى ، فيتصرّف في الطائفة الثانية ويحمل الأمر بالصلاة في المذكى على العرضي من جهة الملازمة بعد وضوح عدم الواسطة بينه وبين الميتة . أو أنّ المجعول هو اعتبار الشرطية للتذكية كما هو ظاهر الأمر في الطائفة الثانية فيتصرّف في الاُولى ويحمل النهي على العرضي ، لما عرفت من الملازمة . أو أنّ المجعول كلا الاعتبارين ـ كما قيل ـ فالتذكية شرط كما أنّ الميتة مانع ، فيؤخذ بظاهر كلّ من الطائفتين ؟ وجوه متصورة في مقام الثبوت .

   أما الاحتمال الأخير فساقط جزماً ، بداهة أنّ أحد الاعتبارين يغني عن الآخر بعد انتفاء الواسطة بينهما ، واستلزام وجود أحدهما لعدم الآخر وبالعكس ، سواء كان التقابل بين الميتة والمذكى من تقابل التضاد أو العدم والملكة . فاعتبارهما معاً لغو محض ، فيدور الأمر بين الاحتمالين الأوّلين .

   وتظهر الثمرة في صورة الشك في الشبهة الموضوعية وأنّ هذا الجلد مثلاً هل هو من أجزاء الميتة أو المذكى . فعلى الأول يبنى على العدم ، لأصالة عدم المانع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 343 / أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2 .

ــ[150]ــ

أو أصالة البراءة عن تقيد الصلاة بعدم وقوعها مع هذا الشيء ، حيث إنّ المانعية انحلالية . وعلى الثاني لابد من الإحراز ، لقاعدة الاشتغال عند الشك في تحقق الشرط المعتبر في المأمور به . وحينئذ فان استظهرنا من الأدلّة أحد الأمرين فهو وإلا فلا أصل يحرز به شيء منهما .

   أمّا بناءً على كون التقابل بين الميتة والمذكى من تقابل التضاد كما لا يبعد ، حيث إن الميتة ـ كما عن المصباح المنير ـ عبارة عن زهاق الروح المستند إلى سبب غير شرعي(1) ، في مقابل المذكى الذي هو عبارة عن الزهاق المستند إلى سبب شرعي ، فهما عنوانان وجوديان وضدّان لا ثالث لهما ، فالأمر واضح ، إذ لا سبيل حينئذ لإجراء الأصل لا في نفس الحكم ، لمعارضة أصالة عدم المانعية بأصالة عدم الشرطية بعد العلم الإجمالي بمجعولية أحد الاعتبارين . ولا في الموضوع لأنّ استصحاب عدم الموت إنّما يجدي لو كان المجعول هو المانعية ، وهو أوّل الكلام ، لاحتمال أن يكون المجعول شرطية التذكية ، ومن الواضح عدم ثبوتها باستصحاب عدم الموت إلا بنحو الأصل المثبت . كما أنّ استصحاب عدم التذكية إنّما يجدي لو كان المجعول شرطية التذكية ، وهو أيضاً غير معلوم حسب الفرض ، ولا يثبت به الموت لو كان هو الموضوع للأثر للشك في المانعية كما ذكر .

   وأمّا بناءً على أن يكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة فقد يقال إنّ اعتبار المانعية حينئذ يرجع إلى الشرطية ، نظراً إلى أنّ الموت على هذا معناه عدم التذكية ، فالنهي عنه يؤول إلى الأمر بالتذكية ، إذ نتيجة النفي في النفي هو الإثبات . فلا فرق بين الاعتبارين لرجوعهما إلى معنى واحد ، وإنّما الاختلاف في مجرد التعبير ، وعليه فعند الشك يكون مقتضى الأصل عدم التذكية .

   ولكنّه يندفع بأنّ العدم المقابل للملكة لم يكن عدماً مطلقاً ، بل هو مضاف وله حظ من الوجود فيعتبر فيه الاتصاف بالعدم ـ كما تعرضنا له في مبحث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير : 584 .

ــ[151]ــ

النجاسات(1) ـ فليس العمى مجرد عدم البصر عمّن من شأنه ذلك ، بل الاتصاف بعدم البصر ، كما أنّ الكفر هو الاتصاف بعدم الإسلام وهكذا .

   وعليه فالميتة عبارة عن الاتصاف بعدم التذكية لا مجرد عدمها كي تحرز بالاستصحاب ، ولا ريب أنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت الاتصاف بالعدم كي يحرز معه عنوان الميتة .

   نعم ، لو كانت الميتة مركباً من زهاق الروح مع عدم ورود التذكية على المحل ـ كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) في رسائله(2) ـ أمكن إحرازه بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فانّ الزهاق محرز بالوجدان ، والتذكية مشكوكة تدفع بالأصل فيلتئم الموضوع بضم أحدهما إلى الآخر ، ولكنه غير ثابت كما عرفت .

   والتحقيق : أنّ مفهوم الميتة لم يكن شيئاً مما ذكر ، بل هو عبارة عن خصوص ما مات حتف أنفه ، المعبر عنه بالفارسية بـ (مردار) الذي تشمئز منه جميع الطباع وتستنفره ، كما تساعده اللغة(3) والاستعمالات القرآنية . وأوضح شاهد له قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ  . .)الخ(4) مع أنّ جميع المذكورات ـ ما عدا الدم ولحم الخنزير ـ من أقسام الميتة ، أي من أفراد غير المذكى ، فبقرينة المقابلة يظهر أنّ المراد خصوص الموت حتف الأنف .

   وهو وإن تعلّق النهي عن أكله في الآية الشريفة كما تعلّق النهي عن الصلاة فيه في الروايات العديدة ـ كما سمعت ـ إلا أنّ ذلك لا يمنع عن تعلّق الحكمين المزبورين بما هو أوسع من ذلك ، وهو العنوان العام ـ أعني غير المذكى ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3 : 81 ـ 82 .

(2) فرائد الاُصول 1 : 410 .

(3) المصباح المنير : 584 .

(4) المائدة 5 : 3 .

ــ[152]ــ

ويكون التنصيص على هذا الفرد لمكان الاهتمام أو لكونه من أحد الأقسام والمصاديق البارزة ، ويكون الجمع بينهما في الآية من عطف العام على الخاص .

   وحيث تعلّق النهي عن أكل غير المذكى بمقتضى قوله تعالى : (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ . .)الخ(1) وعن الصلاة فيه في موثقة ابن بكير ـ كما عرفت(2) ـ فيعلم من ذلك أنّ الموضوع في الحقيقة هو ذلك العنوان العام من دون خصوصية للميتة لما عرفت من أنّه لا مانع من تعلّق الحكم بعنوان وتعلّقه بعنوان آخر أوسع منه ، فيعلم أن العبرة بالثاني ، وإنّما ذكر الأوّل من باب التطبيق وكونه من أحد المصاديق ، بل قد يقال إنّ الميتة في لسان الأخبار مساوقة لعدم المذكى توسعاً في الإطلاق كما هو كذلك في العرف الحاضر .

   وعلى الجملة : مقتضى الجمع بين الآيات الكريمة والروايات الشريفة أنّ الميتة بعنوانها لا اعتداد بها ، وإنّما هي من مصاديق غير المذكى ، وأنّ هذا العنوان هو المناط في ترتّب الحكمين المزبورين ، فلو شك في تعلّق التذكية بجلد ونحوه على الوجه الشرعي كان المرجع أصالة عدم التذكية ، ولا تعارضها أصالة عدم كونه من الميتة ، لما عرفت من عدم كونها بعنوانها موضوعاً للأثر . إذن فلا يجوز أكله كما لا تجوز الصلاة فيه .

   نعم ، هي موضوع لخصوص الحكم بالنجاسة ، لعدم ترتّبها في شيء من الأدلّة على عنوان غير المذكى ما عدا رواية الصيقل(3) الضعيفة السند ، وبذلك تمتاز عن الحكمين المزبورين ، لاختلاف موضوعها عن موضوعهما ، فانّ موضوع النجاسة في لسان الأدلّة هو عنوان الميتة ، ويلحق بها بعض ما ثبت بالنصوص الخاصة كأليات الغنم المقطوعة منها حال الحياة وما أخذته الحبالة من الصيد ، فاذا شككنا في جلد أنّه من الميتة حكم بطهارته لأصالة عدمها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 3 .

(2) في ص 148 .

(3) الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 4 .

ــ[153]ــ

سواء كان حيوانه محلّل اللّحم أو محرمه (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد وضوح عدم ثبوتها بأصالة عدم التذكية ، لعدم حجية الاُصول المثبتة ، وإن حكمنا بعدم جواز الصلاة فيه استناداً إلى الأصل المزبور حسبما عرفت ، إلا إذا قامت أمارة على التذكية من يد المسلم أو سوق المسلمين ونحوهما ، فانّه يعتمد عليها بأدلّة اعتبارها . وبذلك يرتكب التقييد فيما ورد في ذيل موثقة ابن بكير من تعليق جواز الصلاة على العلم بالتذكية ، كما يرتكب التقييد أيضاً فيما دلّ على إناطة المنع بالعلم بأنّه ميتة كموثّق سماعة : «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة»(1) الظاهر في جواز الصلاة في المشكوك التذكية ، فيحمل على ما إذا كان مقروناً بأمارة عليها من يد مسلم ونحوها .

   وملخص الكلام في المقام : أنّ المستفاد من الأدلّة بعد ضمّ بعضها ببعض أنّ الموضوع لحرمة الأكل ولعدم جواز الصلاة هو عنوان غير المذكى ، فالتذكية شرط في جواز الأكل وفي جواز الصلاة ، لابدّ من إحرازها في الحكم بهما ، شأن كلّ شرط مع مشروطه ، لا أنّ الميتة مانع .

   كما أنّ الموضوع للنجاسة هو عنوان الميتة إمّا حقيقة وهي ما مات حتف أنفه ، أو تنزيلاً كالأجزاء المبانة حال الحياة مثل الأليات المقطوعة من الأغنام ونحوها ، وهي عنوان وجودي يحكم بعدمه لدى الشك فيه ، ولا يثبت بأصالة عدم التذكية .

   ونتيجة ذلك أنّه عند عدم قيام أمارة على التذكية كالجلود المستوردة من بلاد الكفر مع احتمال تذكيتها لا تجوز الصلاة فيها ، لأصالة عدم التذكية ، ولكنها محكومة بالطهارة لأصالة عدم كونها من الميتة بعد عدم إحرازها بالأصل المزبور ، لعدم حجية الاُصول المثبتة .

   (1) هذا التعميم وإن كان صحيحاً إلا أنّ التصريح به مستدرك لا يناسب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 493 / أبواب النجاسات ب 50 ح 12.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net