ــ[156]ــ
وكذا لا فرق بين أن يكون مدبوغاً أو لا (1) والمأخوذ من يد المسلم وما عليه أثر استعماله بحكم المذكى ، بل وكذا المطروح في أرضهم وسوقهم وكان عليه أثر الاستعمال ، وان كان الأحوط اجتنابه (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمانعية قاصر في نفسه بالإضافة إليها من غير حاجة إلى دعوى خروجها بالإجماع أو السيرة كما هو ظاهر .
(1) لما عرفت من ظهور النصوص في كون المانع هو عنوان الميتة بما هي ميتة ، لا بما هي نجسة لترتفع بالدبغ على القول به . وأمّا على القول بعدمه فالأمر أظهر ، مضافاً إلى التصريح بالتعميم في الصحيح المتقدم وأنّه لا ينفع ولو دبغ سبعين مرة .
(2) إذا شك في تحقّق التذكية فالأثر المرغوب إمّا هو الطهارة أو جواز الصلاة .
أمّا الأوّل : فقد عرفت أنّ الموضوع للنجاسة هو الميتة لا عدم المذكى ، لعدم وروده إلا في رواية واحدة ضعيفة(1) وبما أنّ أصالة عدم التذكية لا تثبت الميتة فمقتضى الأصل عدمها فيحكم بالطهارة .
وأمّا الثاني : فقد سبق(2) أنّ الموضوع لجواز الصلاة هو عنوان المذكّى ، فهو مشروط به ، ولابدّ من إحرازه شأن كلّ شرط مع مشروطه ، فمع الشك كان المتبع أصالة عدم التذكية فيحكم بالبطلان .
خلافاً لصاحب الحدائق حيث حكم بالصحة استناداً إلى أصالة الحلّ(3) .
ويندفع : بأنّها أصل حكمي ، وأصالة عدم التذكية أصل موضوعي حاكم عليه ، كحكومة استصحاب النجاسة على أصالة الطهارة .
ولكنّها مشروطة بعدم جريان يد المسلم عليه ، وإلا فهي كأمارة على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهي مكاتبة قاسم الصيقل ، الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 4 .
(2) في ص 151 .
(3) الحدائق 5 : 526 .
ــ[157]ــ
التذكية حاكمة على الأصل المذكور ، وقد دلّت عليه جملة من النصوص :
كصحيح الحلبي قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنّه ميت بعينه»(1) .
وصحيح البزنطي قال : «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها ؟ فقال : نعم ، ليس عليكم المسألة إنّ أباجعفر (عليه السلام) كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إنّ الدين أوسع من ذلك»(2) .
ونحوه صحيحه الآخر(3) ونحوها غيرها . فانّه لا شبهة في عدم إرادة العموم من السوق في هذه النصوص بحيث يتناول سوق الكفار ، بل المراد خصوص سوق المسلمين ، كما لا ينبغي الشك في عدم خصوصية للسوق ، إذ لا موضوعية لهذا العنوان قطعاً ، فلو كان له(4) وكان في المحلّة أو في الشارع أو اشتراه من بيته عمّه الحكم بالضرورة ، بل لا خصوصية للشراء ، فلو انتقل إليه بهبة ونحوها كفى ، بل حتى بناقل قهري كالإرث . فالعبرة بمقتضى الفهم العرفي بالأخذ من المسلم وجريان يده عليه وكونه تحت استيلائه ، فانّها أمارة التذكية وسوق المسلمين أمارة على أنّ اليد المأخوذ منها يد مسلم ، فهو أمارة على الأمارة من دون خصوصية فيه ، هذا .
ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما كان عليه أثر استعماله وما لم يكن ، بل قد يظهر من موثقة السكوني عدم البأس حتى إذا كان مظنّة استعمال الكافر عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثم يؤكل ، لأنّه يفسد وليس له
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 427 / أبواب لباس المصلي ب 38 ح 2 .
(2) الوسائل 4 : 455 / أبواب لباس المصلي ب 55 ح 1 .
(3) الوسائل 3 : 492 / أبواب النجاسات ب 50 ح 6 .
(4) أي للمسلم .
ــ[158]ــ
بقاء ، فاذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : ياأميرالمؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة حتى يعلموا»(1) .
قال المحقق الهمداني (قدس سره) : إنّ وجود السكين في السفرة لعله يشهد بأنّها لغير المسلم ، حيث إنّ المتعارف بينهم قطع الخبز واللحم بالسكين بخلاف المسلمين(2) .
وكيف ما كان ، فيظهر من هذه النصوص أنّ يد المسلم أمارة التذكية ، بل قد يظهر من مصحح إسحاق بن عمار كفاية الصنع في أراضي الإسلام وإن لم يؤخذ من يد المسلم ، عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت : فان كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(3) . وقد عرفت آنفاً دلالة الموثقة على حلّية المطروح في أرض الإسلام حتى مع الظن بجريان يد الكافر عليه .
والمتحصل : من مجموع هذه النصوص : أنّ المخرج عن أصالة عدم التذكية أحد أمرين : إمّا الأخذ من يد المسلم ، أو الصنع في أرض الإسلام وإن اُخذ من غيره ، فانّ ذلك أمارة التذكية ، ولا يلزم السؤال والفحص ، بل قد نهي عنه في صحيحة البزنطي المتقدمة ، فيكون الصنع المزبور أمارة على جريان يد المسلم التي هي أمارة التذكية ، كما أنّ السوق أيضاً أمارة على الأمارة حسبما عرفت .
وعليه فالمأخوذ من يد المسلم لا يعتبر فيه الجزم بكونه مصنوعاً في بلاد الإسلام ، كما أنّ المصنوع في بلادهم لا يعتبر فيه الأخذ منه ، فلو أخذه من الكافر كفى ، لأنّه مسبوق بيد المسلم بحكم الغلبة فأحد الأمرين كاف في الحكم بالتذكية ، ولا يعتبر شيء آخر وراء ذلك .
نعم ، هناك روايتان يظهر من إحداهما اعتبار استعمال المسلم في مشروط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 493 / أبواب النجاسات ب 50 ح 11 .
(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 656 سطر 4 .
(3) الوسائل 4 : 456 / أبواب لباس المصلي ب 55 ح 3 .
|