ــ[164]ــ
بل وكذا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنّه أخذه من يد الكافر (1) مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد يقال بمشمولية هذه الصورة لإطلاقات نصوص السوق ، نظراً إلى كثرة الكفرة الذين يتعاملون مع المسلمين ، ولاسيما إذا ألحقنا بهم الخوارج والنواصب والغلاة ، لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها وبيع جلودها ، فلا موجب لتقييد يد المسلم بعدم السبق بيد الكافر ، بل المتبع إطلاقات الأدلة .
ويظهر من المتن التفصيل بين المسلم المبالي بأحكام الدين والملتزم بها فتكون يده حينئذ أمارة على التذكية ، وبين غير المبالي فلا أمارية لها .
أقول : أمّا ما ذكره في غير المبالي فجيّد ، إذ المستفاد من النصوص الناهية عن السؤال عن المأخوذ من سوق المسلمين اختصاص الحكم بصورة الجهل بالحال واحتمال اتصاف الحيوان بالتذكية ، بحيث لو سألنا صاحب اليد لما ظهر لنا غالباً خلاف ما احتملناه ، ومن ثم نهينا عن تكلّف المسألة والتضييق على النفس بكثرة الأسئلة كما صنعه الخوارج ، فلا تشمل ما كان معلوم الحال لكونه محكوماً بعدم التذكية من أول الأمر وقبل انتقاله إلى المسلم من أجل كونه تحت يد الكافر .
وبالجملة : لا تنفع يد المسلم المسبوقة قبل ساعة ـ مثلاً ـ بيد الكافر المحكومة آنذاك بعدم التذكية ، فانّ ذلك بمنزلة ما لو أخذه من الكافر ابتداء ومباشرة من دون توسيط يد المسلم ، فلا ينبغي الشك في خروج هذه الصورة عن منصرف الإطلاقات . ومنه يعلم فساد ما اُفيد آنفاً من التمسك بها .
وأمّا ما ذكره في المبالي بالدين والثقة الملتزم بأحكامه فان كان تعريضه للبيع بمثابة إخباره عن التذكية صحّ ، لحجيّة خبر الثقة في الموضوعات ، وأمّا لو لم يكن كذلك ولو لاحتمال أنّه نسي شراءه من الكافر أو لم يكن ملتفتاً إلى كفره ونحن نعلم به فلا وجه حينئذ للحكم بالتذكية ، لما عرفت من أنّ نصوص
ــ[165]ــ
أماريّة يد المسلم قاصرة الشمول للمسبوقة بيد الكافر . فالتفصيل بين المبالي وغيره لا يستقيم على إطلاقه .
تنبيه : لو كان نصف الحيوان بيد المسلم ونصفه الآخر في يد الكافر فمقتضى اليد الاُولى تذكية ما في تحتها ، كما أنّ مقتضى الثانية عدم التذكية ، ولكنّا نعلم وجداناً باتحاد حكم النصفين والملازمة بينهما واقعاً ، لعدم تحمّل الحيوان الواحد لحكمين متضادين ، فامّا أنّه مذكى كلّه ، أو غير مذكى كلّه أيضاً ، فلا يحتمل التفكيك في الحكم الواقعي .
وهل يمكن ذلك في الحكم الظاهري أو انّه لابدّ من الحكم عليهما معاً بالتذكية أو بعدمها ؟
لا شبهة أنّ يد المسلم أمارة التذكية ، وبناء على المشهور من حجية مثبتات الأمارات تدلّ بالالتزام على تذكية النصف الآخر أيضاً .
وأمّا يد الكافر فان قلنا بأنّها أمارة على عدم التذكية كما مال إليه في الجواهر(1) فتدلّ ـ طبعاً ـ بالالتزام على عدم تذكية النصف الآخر ، فيتعارض المدلول المطابقي لكلّ منهما مع المدلول الالتزامي للآخر ، والمرجع بعد التساقط أصالة عدم التذكية في النصفين معاً .
وإن أنكرنا ذلك وبنينا على أنّ يد الكافر لا تكون أمارة على التذكية لا أنّها تكون أمارة على العدم ، فلا جرم تكون يد المسلم سليمة عن المعارض ، فيعمل بمقتضاها من كونها أمارة على تذكية النصفين معاً ، أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام .
هذا على المشهور من حجية الأمارات في لوازمها والعمل بمثبتاتها مطلقاً حتى أنّهم جعلوا ذلك هو الفارق بينها وبين الاُصول العملية .
ولكنّا ذكرنا في محلّه(2) أنّ هذا بالرغم من اشتهاره وانتشاره لا أساس له
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 8 : 54 .
(2) مصباح الاُصول 3 : 151 ـ 155 .
|