الرابع : أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه \ تعميم المنع للملبوس والمحمول 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4604


   الرابع : أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه (3) ، وإن كان مذكى أو حياً ، جلداً كان أو غيره ، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المأكول ، ولا شعره وصوفه ، وريشه ، ووبره ، ولا في شيء من فضلاته ،

ــــــــــــ
   (3) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، بل قد تسالم عليه الأصحاب ـ ظاهراً ـ قديماً وحديثاً ، مضافاً إلى نقل الإجماع المستفيض في كلمات غير واحد منهم وقد دلّت عليه روايات كثيرة عمدتها موثقة ابن بكير قال : «سأل زرارة أباعبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من

ــ[169]ــ

الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما أحلّ الله أكله ـ إلى أن قال : ـ وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أم لم يذكه»(1) الدالّة بصدرها وذيلها على المنع عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، سواء أذكّي بالذبح أم لا .

   نعم ، ناقش في الحكم السيد صاحب المدارك فذكر أنّ الروايات لا تخلو عن ضعف في السند أو قصور في الدلالة ، والمسألة محل إشكال(2) . انتهى .

   وهذه المناقشة منه (قدس سره) مبنية على مسلكه في حجيّة الأخبار من الاقتصار على ما كان الراوي إمامياً عدلاً موثقاً ، المعبر عنه بالصحيح الأعلائي . فانّ مثل هذا السند وإن كان موجوداً في أخبار الباب إلا أنّ الدلالة حينئذ قاصرة ، للتعبير بـ «ما اُحبّ» كما في صحيح محمد بن مسلم(3) غير الظاهر في التحريم ، وما كانت الدلالة فيه قوية ـ كأغلب الأخبار ـ لا تشتمل على مثل هذا السند ، فانّ عمدتها رواية ابن بكير كما عرفت ، وهو كابراهيم بن هاشم الواقع في السند غير موصوفين بما ذكر كما لا يخفى .

   لكن المبنى فاسد كما قرر في محلّه(4) ، بل المناط في حجيّة الخبر كون الراوي موثوقاً به ، سواء كان عدلاً إمامياً أم لا ، ولا شك أنّ ابن بكير من الثقات ، وقد تقدّم غير مرة أنّ إبراهيم بن هاشم أيضاً كذلك على الأقوى ، مع أنّ هذه الرواية تشتمل على عظيمين من أصحاب الإجماع ، وهما الرجل مع ابن أبي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

(2) المدارك 3 : 162 .

(3) الوسائل 4 : 355 / أبواب لباس المصلي ب 7 ح 1 .

(4) مصباح الاُصول 2 : 200 .

ــ[170]ــ

سواء كان ملبوساً أو مخلوطاً به أو محمولاً (1) حتى شعرة واقعة على لباسه ، بل حتى عرقه وريقه ـ وإن كان طاهراً ـ ما دام رطباً ، بل ويابساً إذا كان له عين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمير ، فلا ينبغي التشكيك في السند . كما أنّها صريحة الدلالة(1) مضافاً إلى التسالم والإجماعات المستفيض نقلها كما عرفت . فالحكم في الجملة ينبغي أن يعدّ من المسلمات التي لا غبار عليها .

   (1) إنّما الكلام في أنّ هذا الحكم هل يختص بالملبوس أم يعمّ المحمول أيضاً . ظاهر الروايات في حدّ نفسها هو الأول ، لمكان التعبير بكلمة «في» التي هي للظرفية في مثل قوله : «إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء . . .»الخ المتوقف صدقها على اشتمال الوبر مثلاً على المصلي كي يصدق بهذه العناية وقوع الصلاة فيه ، وإلا فلا مصحّح للصدق من دون مراعاة ذلك ، فيختصّ بالملبوس ، كما مرّ نظير ذلك في الميتة(2) ، لكن المراد بها في خصوص المقام مطلق المصاحبة والملابسة دون الظرفية بخصوصها ، بقرينة ذكر البول والروث في الموثق ، لعدم اشتمالهما على المصلي حتى تصدق الظرفية فيهما ، ولو فرض صحة الإطلاق فيما لو وقعا على اللباس باعتبار اشتمال اللباس المتنجس بهما على المصلّي فلا يكاد يصح الإطلاق حتى بهذه العناية فيما لو وقعا على البدن مباشرة ، مع أنّ الصلاة حينئذ محكومة بالفساد بلا إشكال .

   فيظهر من ذلك أنّ الممنوع مطلق المصاحبة ـ كما عرفت ـ فيعمّ المحمول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم هي معارضة برواية قاسم الخياط : «ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه ، وما أكل الميتة فلا تصلّ فيه» [الوسائل 4 : 354 / أبواب لباس المصلي ب 6 ح 2] ، بالعموم من وجه كما أشار إليه المحقق النائيني(قدس سره) في رسالته ـ الصلاة في    المشكوك : 45 ـ فتتعارضان في مثل المسوخ التي تأكل الورق ولا يؤكل لحمها .

   ولكنّه مضافاً إلى ضعف سند الرواية فلا تنهض للمقاومة أنّ دلالتها بالإطلاق ، ودلالة الموثقة بالعموم الوضعي ، وهو مقدّم عليه .

(2) في ص 167 .

ــ[171]ــ

أيضاً ، بل حتى السقطات من الشعر أو الوبر الواقعة على اللباس أو البدن .

   ويؤيده رواية إبراهيم بن محمد الهمداني قال : «كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب : لا تجوز الصلاة فيه»(1) .

   لكن الرواية لمكان الضعف غير صالحة للاستدلال ، لعدم ثبوت وثاقة ابراهيم ، غير أنّه حج أربعين سنة وكان وكيلاً للناحية المقدسة ، وشيء منهما لا يقتضيان الوثاقة . أمّا الأوّل فظاهر ، وكذا الثاني ، إذ مجرد الوكالة في الأموال لا تستدعي إلا الأمانة وعدم الخيانة فيها ، وهي لا تستلزم الوثاقة في مقام الحكاية ، التي هي مناط حجية الرواية ، فانّ بين الأمرين عموماً من وجه .

   نعم ، روى الكشي بسنده عن الدينوري قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبدالله بالعسكر فورد علينا رسول من الرجل فقال : الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً(2) .

   وهذه الرواية لو ثبتت فنعم التوثيق ، لكنها في نفسها ضعيفة السند ، كرواية الشيخ الطوسي لها في الغيبة(3) ، والعلامة في الخلاصة(4) ، فلا يعبأ بها لضعف الطريق في الجميع ، هذا .

   مضافاً إلى أنّ في السند عمر بن علي بن عمر بن يزيد ، وهو أيضاً غير ثابت الوثاقة .

   وقد يقال : إنّ في عدم استثناء القميين روايته من كتاب نوادر الحكمة مع رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه نوع شهادة على الوثاقة . وهذه الدعوى قد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 346 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 4 .

(2) رجال الكشي : 557 / 1053 [وفيه (الرازي) بدل : الدينوري] .

(3) الغيبة : 417 / 395 [ولم ينقل صدر جوابه (عليه السلام)] .

(4) الخلاصة : 52 / 23 .

ــ[172]ــ

تكرّر ذكرها في كلمات الوحيد البهبهاني ـ وقد أخذها منه جمع ممّن تأخّر عنه ـ فذكر أنّ ابن الوليد شيخ القميين مع اعترافه بجلالة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري لا يعمل بجميع رواياته لنقله عن الضعاف كثيراً ، فاستثنى عدة ممّن يروي عنهم يبلغ عددهم خمساً وعشرين راوياً فلم يعتمد على رواياته عنهم وقد وافقه القميون على ذلك إلا في استثناء محمد بن عيسى العبيدي الذي وقع الكلام فيه من بعضهم .

   وكيف كان ، فقد ذكر البهبهاني أنّ في اقتصار ابن الوليد في الاستثناء على جماعة مخصوصين نوع شهادة على توثيق غيرهم ممّن يروي محمد بن أحمد بن يحيى عنهم ، وحيث إنّ من جملتهم هذا الرجل ـ أعني عمر بن علي بن عمر ـ فيشمله التوثيق(1) .

   لكن هذه الدعوى كما ترى ظاهرة الضعف ، ضرورة أنّ ابن الوليد إنّما ذكر أنّه لا يعمل من روايات الأشعري ما يرويه عن هؤلاء الجماعة لثبوت ضعفهم لديه ، وأمّا غيرهم ممن يروي عنهم فغير ثابت الضعف ، ولذا لم يستثنهم ، لا أنّهم موثقون . وكم فرق بين الأمرين ، فليس في عدم التعرض لاستثناء غيرهم إشعار بالشهادة على وثاقتهم ، فضلاً عن الدلالة كما لا يخفى ، فتدبر .

   وكيف ما كان ، فهذه الرواية لمكان الضعف غير صالحة للاستدلال ، وإنّما ذكرناها تأييداً .

   والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من المنع عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل مطلقاً ، من دون فرق بين الملبوس والمحمول والشعرات الساقطة على اللباس ، عملاً باطلاق الموثق كما عرفت .

   ومنه يظهر ضعف التفصيل بين الملبوس وغيره كما عن جماعة ، فخصوا المنع بالأوّل جموداً على ما هو المنسبق من كلمة «في» الواردة في الموثق ، الظاهرة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المدارك : 137 .

ــ[173]ــ

الظرفية المستدعية لكون المدخول مما يشتمل على المصلّي ولو بعضه ، فيختص باللباس ، لعدم الاشتمال في غيره . كضعف التفصيل الآخر بين المحمول وغيره بالحاق الشعرات الواقعة على اللباس بالملبوس ، بدعوى الاقتصار على الظرفية المستفادة من الموثق مع الالتزام بالتوسعة فيها بقرينة ذكر الروث والبول ، فانّ صدق الظرفية بلحاظهما مستقلاً وإن كان ممتنعاً لكنّها صادقة على اللباس المتلوث بهما ، فيصدق حينئذ أنّه صلّى في البول أو الروث بنحو من التوسعة في مفهوم الظرفية .

   وفيه : أنّا لا نرى فرقاً في شمول إطلاق الموثق بين البول أو الروث الواقعين على اللباس أو على البدن ، ولا نحتمل الفرق بين الصورتين لا ثبوتاً ولا إثباتاً كما لا يخفى . فلا ينبغي التأمّل في أنّهما كالمحمول مندرج تحت الإطلاق ، ولازمه حمل الموثق على إرادة مطلق الملابسة والمصاحبة دون الظرفية ، لا الخاصة ولا الموسعة كما عرفت .

   وقد يقال بامتناع الحمل على مطلق المصاحبة ، وإلا لزم المنع عن الصلاة في محل أجزاء ما لا يؤكل لحمه مثل المخازن والسفن الحاملة لها أو في المكان المفروش بها ، لصدق المصاحبة حينئذ قطعاً ، مع أنّه كما ترى لا يمكن الالتزام به .

   وجوابه ظاهر ، إذ المراد من المصاحبة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ملاحظة المعيّة والاقتران بين الصلاة بما هي صلاة مع أجزاء ما لا يؤكل ، وأمّا سائر الملابسات والمقارنات الملحوظة بالإضافة إلى المصلي من المكان والفضاء ونحوهما فهي أجنبية عن هذه المصاحبة المستفادة من الموثّق . فالمراد مصاحبة خاصة كما لا يخفى .

   نعم ، قد يعارض إطلاق الموثق بصحيحة محمد بن عبدالجبار قال : «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله : هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكّة حرير محض ، أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب : لا تحلّ الصلاة

ــ[174]ــ

في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله»(1) .

   لكن الأخذ بظاهر الصحيح مشكل جداً ، لعدم خلوّه عن الاضطراب والتشويش ، لأنّه إن اُريد من الذكي المقيّد به الوبر هو الطاهر في مقابل النجس فلا ريب في عدم اعتبار الطهارة فيما لا تتم به الصلاة كالقلنسوة المفروضة في السؤال ونحوها ، للنصوص الكثيرة الدالة على العفو عنها حينئذ كما تقدّمت في محلّها(2) .

   وإن اُريد به ما يقابل الميتة فمن الواضح جواز الصلاة في أجزائها التي لا تحلها الحياة كالوبر ونحوه كما نطق به النص على ما مرّ(3) . فعلى التقديرين يصبح التقييد لغواً لا محصّل له . فهذان الاحتمالان ساقطان .

   نعم ، هناك احتمالان آخران لا مناص من حمل الصحيح على أحدهما .

   الأول : الحمل على التقية لاستقرار المذهب الحنبلي والشافعي ـ اللذين كانا هما المتعارف من مذاهب العامة في زمن صدور هذه الصحيحة ـ على جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه مع التذكية كما نص عليه في الجواهر(4) .

   ويؤيده تذييل الصحيح بقوله (عليه السلام) : «إن شاء الله» فانّ فيه نوع إشعار بالتقية كما لا يخفى .

   ويؤيده أيضاً قوله في رواية إبراهيم الهمداني المتقدمة(5) : «من غير تقية ولا ضرورة» المشعر باقتضاء التقية ذلك .

   الثاني : أن يراد بالذكي ما ذكي بالحديد وكان محلّل الأكل كما فسّر بذلك في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 377 / أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4 .

(2) شرح العروة 3 : 428 .

(3) في ص 161 .

(4) الجواهر 8 : 85 .

(5) في ص 171 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net