انفعال القليل بالدم القليل خلافاً للشيخ الطوسي (قدس سره) 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8023


 انفعال الماء القليل بالدم الذي لا يدركه الطرف

   (1) هذه هي الجهة الخامسة من الكلام في هذه المسألة ، والكلام فيها في انفعال القليل بمقدار من الدم الذي لا يدركه الطرف كانفعاله بالدم الزائد على هذا المقدار وعدم انفعاله به .

   وقد ذهب الشيخ الطوسي (قدس سره) إلى عدم انفعاله بالمقدار المذكور من الدم ومستنده في ذلك ما رواه هو (قدس سره) في مبسوطه(1) واستبصاره(2) والكليني في الكافي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء معه ؟ فقال : إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضأ منه...»(3) والرواية صحيحة لا إشكال في سندها وإنما الكلام في دلالتها ومفادها وقد احتمل فيها وجوه :

   الأول : ما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) من حمله الرواية على الشبهة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 7 .

(2) الاستبصار 1 : 23 / 57 .

(3) الكافي 3 : 74 / 16 وفي الوسائل 1 : 150 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1 .

ــ[145]ــ

المحصورة وموارد العلم الاجمالي بوقوع قطرة من الدم في شيء ، ولا يدري أنه داخل الاناء أعني الماء أو أنه خارجه ، وبما أن أحد طرفي العلم ـ وهو خارج الاناء ـ خارج عن محل الابتلاء ، فالعلم المذكور كلا علم ، ومن هنا حكم (عليه السلام) بعدم نجاسة ماء الاناء(1).

   الثاني : ما ذكره الشيخ الطوسي (قدس سره) من حمله الرواية على الماء الموجود في الاناء والتفصيل في نجاسته بين ما إذا كان ما وقع فيه من الدم بمقدار يستبين في الماء فينفعل وما إذا لم يكن بمقدار يستبين فلا ينفعل .

   الثالث : ما احتمله صاحب الوسائل وقوّاه شيخنا شيخ الشريعة الاصفهاني (قدس سرهما) في بحثه الشريف من حمل الرواية على الشبهات البدوية وأن المراد بالاناء هو نفسه دون مائه ولا الأعم من نفسه ومائه وقد فرض الراوي العلم باصابة قطرة من الدم لنفس الاناء وتنجسه بذلك قطعاً ، إلاّ أنه شكّ في أنها هل أصابت الماء أيضاً أو أصابت الاناء فحسب ، ففصّل الإمام (عليه السلام) بين صورتي العلم باصابة القطرة لماء الاناء فحكم فيها بالانفعال وجهله باصابتها فحكم بطهارته ، فالمراد بالاستبانة هو العلم بوقوع القطرة في الماء ، فإذا لم يكن معلوماً فهو مشكوك فيه فليحكم عليه بالطهارة .

   وهذا الاحتمال الذي قوّاه شيخنا شيخ الشريعة (قدس سره) هو المتعين بناء على النسخة المطبوعة سابقاً المعروفة بالطبع البهادري المشتملة على زيادة قوله (عليه السلام) ولم يستبن في الماء بعد قوله فأصاب إناءه . فإن تقابل قوله (عليه السلام) ولم يستبن في الماء بقوله «أصاب إناءه» يوجب ظهور الاناء في نفس الظرف دون المظروف والماء ، ومعناها حينئذ أن القطرة أصابت الاناء قطعاً ولكنه يشك في أنها أصابت الماء أيضاً أم لم تصبه ، فيرجع في الماء إلى قاعدة الطهارة .

   ولكن النسخة مغلوطة قطعاً ، والزيادة ليست من الرواية كما في الطبعة الأخيرة من الوسائل ، وعليه ففي الرواية احتمالات ثلاثة أبعدها ما ذكره شيخنا الأنصاري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 421 .

ــ[146]ــ

(قدس سره) فيدور الأمر بين الاحتمالين الباقيين أعني ما حتمله الشيخ الطوسي (قدس سره) وما قوّاه شيخنا شيخ الشريعة (طاب ثراه) وحيث لا معيّن لأحدهما في البين فتصبح الرواية مجملة لا يمكن الاعتماد عليها .

   بل يمكن أن يقال : إن ما احتمله شيخنا شيخ الشريعة (قدس سره) هو الأظهر من سابقه ، فإن إطلاق الاناء على الماء وإن كان صحيحاً بإحدى العلاقات المسوّغة للتجوّز كالحالية والمحلية ، إلاّ أنه بالنتيجة معنى مجازي للاناء لا مقتضي للمصير إليه بعد إمكان حمله على معناه الحقيقي ، فنحمله على ذلك المعنى وهو الظرف كما حمله عليه شيخنا المتقدم ، ويلزمه التفصيل بين صورتي العلم بالنجاسة كما في الاناء والجهل بها كما في الماء ، فهو شبهة موضوعية بدوية يحكم فيها بالطهارة كما هو واضح ، وهذا الاحتمال هو المتعيّن .

   وأمّا ما ربما يقال من أن قاعدة الطهارة أو استصحابها كادت أن تكون من الاُمور البديهية ، ومثلها لا يخفى على مثل علي بن جعفر (عليه السلام) فحمل الرواية على الشبهات الموضوعية بعيد ، ولا محيص من حملها على إرادة معنى آخر .

   فهو مما لا يصغى إليه فإن قاعدة الطهارة أو استصحابها إنما صارت من الواضحات في زماننا لا في زمانهم ، حيث إنها مما ثبت بتلك الروايات لا بشيء آخر قبلها ، هذا .

   على أن المورد قد احتف بما يوجب الظن بالإصابة ، ولعلّه الذي دعا على بن جعفر إلى السؤال فانّه إذا رعف وامتخط وأصاب الدم الاناء ، فهو يورث الظن باصابته للماء أيضاً ولمكان هذا الظن سأله (عليه ا لسلام) عن حكمه . وقد وقع نظير ذلك في بعض روايات الاستصحاب أيضاً حيث سأله زرارة عن أن الخفقة والخفقتين توجب الوضوء أو لا ؟ وأنه إذا حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم... فإن استصحاب الطهارة في الشبهات الموضوعية والحكمية مما لا يكاد يخفى على زرارة وأضرابه ولكنه إنما صار واضحاً بتلك الأخبار ، ولعلّ الذي دعاه للسؤال عن الشبهتين ملاحظة ما يثير الظن بالمنام في مورد السؤال أعني تحريك شيء في جنبه وهو لا يعلم ، فالاشكال مندفع بحذافيره والرواية إما مجملة وإما ظاهرة فيما قدّمناه ، فلا دلالة فيها على التفصيل المذكور بوجه ، ومقتضى الاطلاقات والعمومات الدالّة على انفعال القليل

ــ[147]ــ

سواء كان مجتمعاً أم متفرقاً مع اتصالها بالسواقي(1) فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء واتصلت بالسواقي ، ولم يكن المجموع كراً إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع ، وإن كان بقدر الكر لا ينجس ، وإن كان متفرقاً على الوجه المذكور ، فلو كان ما في كل حفرة دون الكر وكان المجموع كراً ولاقى واحدة منها النجس لم تنجس ، لاتصالها البقية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالملاقاة انفعاله بملاقاة الدم الذي لا يدركه الطرف أيضاً .

   نعم، ان في المقام شيئاً ولعلّه مراد الشيخ الطوسي (قدس سره) وإن كان بعيداً، وهو أن النجس دماً كان أو غيره كالعذرة إذا لم يطلق عليه عنوانه عند العرف لدقته وصغره ، فلا نلتزم في مثله بانفعال القليل إذا لاقى مثله ، وهذا كما في الكنيف والأمكنة التي فيها عذرة فإن كنسها أو هبوب الرياح إذا أثار منها الغبار ، ووقع ذلك الغبار على موضع رطب من البدن كالجبين المتعرق أو من غيره ، فلا يوجب تنجس الموضع المذكور مع أن فيه أجزاء دقيقة من العذرة أو من غيرها من النجاسات .

   ولكن هذا لا يحتاج فيه إلى الاستدلال بالرواية فإن المدرك فيه إنصراف إطلاقات ما دلّ على نجاسة العذرة ونحوها عن مثله وعدم دخوله تحتها ، لأن المفروض عدم كونه عذرة لدى العرف لدقته وصغره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net