الثاني - الثالث - الرابع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3732


ــ[236]ــ

   ثانيها : أنّ مقتضى العمومات أو الإطلاقات جواز الصلاة في كلّ ساتر خرجنا عنها فيما لا يؤكل بالدليل المخصص ، لكون حجيته أقوى من حجية العام ، وحيث إنّ هذه الحجية خاصة بالأفراد المعلومة ، لتقوّم تنجّزها بالوصول صغرى وكبرى ، فيرجع في المشكوكة ـ أعني الشبهات المصداقية للمخصص ـ إلى العمومات ، إذ لم تقترن فيها بحجة أقوى لترفع اليد عنها .

   ويندفع : بما سبق في مطاوي المقدمات من أنّ المخصص المنفصل وإن لم يصادم ظهور العام لكنه يصادم حجيته ، ويكشف عن تضيق دائرة الإرادة الجدية وعدم شمولها لمورد التخصيص . وعليه فالفرد المشكوك حيث لم يعلم اندراجه في المراد الجديّ من العام لم يكن مجال للتمسك به .

   وبعبارة اُخرى : الدليل المخصص وإن لم يكن حجة إلا بعد الوصول كبرى وصغرى ـ كما اُفيد ـ إلا أنّ من الواضح تقييد العام بعد ورود التخصيص عليه بغير مورد الخاص ، لامتناع الجمع بين التوسعة والتضيق والإطلاق والتقييد فهو خارج عن تحت الإرادة الجدية منه . وعليه فالفرد المشكوك وإن لم يعلم دخوله في المخصص لكنّه لم يعلم دخوله في العام أيضاً بما هو حجة ، وإن كان داخلاً فيه بحسب المراد الاستعمالي ، فكما يشك في شمول المخصص له يشك في شمول العام أيضاً ، فلا يصح التمسك به .

   على أنّه ليس لدينا عموم أو إطلاق يدلّ على جواز الصلاة في كلّ ساتر ليرجع إليه في الفرد المشكوك كما لا يخفى .

   ثالثها : ما يظهر من كلمات المحقق القمي(1) وتمسك به بعضهم من أنّ المانعية في المقام منتزعة من النهي الوارد في موثقة سماعة « . . . ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه»(2) ومن المعلوم أنّ فعلية النواهي كالأوامر متقوّمة بالوصول كبرى وصغرى ، لتصلح للزجر والبعث ، وحيث لا وصول في المشكوك فلا فعلية . فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر عليه .

(2) الوسائل 4 : 353 / أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 .

ــ[237]ــ

يقاس ذلك بمثل لا صلاة إلا إلى القبلة ، أو بطهور ، أو بفاتحة الكتاب ، ونحوه مما لا يكون بلسان النهي . وإنّما هو إرشاد بحت ، فانّ العبرة ثمة بالواقع لا بالواصل ، وبذلك يفترق أحدهما عن الآخر .

   وفيه أولاً : أنّ دليل المانعية في المقام غير منحصر فيما ذكر ، بل العمدة موثقة ابن بكير ، والمانعية فيها غير مستفادة من النهي ، بل من التصريح بالفساد حيث قال (عليه السلام) : «إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله . . . فاسد» وهكذا في ذيلها . فعلى تقدير تسليم الكبرى فالصغرى ممنوعة في المقام .

   وثانياً : مع الغض عن هذه الموثقة وتسليم انحصار الدليل بما تضمّن النهي فما ذكره من اعتبار الوصول إنّما يتجه في النواهي أو الأوامر المولوية النفسية الحاوية للتكاليف الاستقلالية ، والصالحة للبعث أو الزجر ، دون مثل المقام مما هو إرشاد إلى المانعية أو أحد أخويها ، الذي هو بمثابة الإخبار عن أمر واقعي وهو الدخل في المأمور به وجوداً أو عدماً ، علم به المكلّف أو لا ، ضرورة أنّ مثله لا يتضمن بعثاً أو زجراً ليتوهم إناطتها به .

   وما قرع سمعك من انتزاع المانعية أو الشرطية من التكليف فلا يراد به هذا النهي المتعلّق بذات المانع ، بل المراد الانتزاع من تقيّد التكليف المتعلق بالمركب بالقيد العدمي أو الوجودي كما لا يخفى .

   وثالثاً : لا نسلّم اعتبار الوصول في الفعلية حتى في التكاليف النفسية إلا إذا لوحظ العلم جزءاً من الموضوع ، وإلا ففعليتها بفعلية موضوعاتها ، علم بها المكلف أم لا ، فمتى كان الموضوع فعلياً أصبح الحكم فعلياً أيضاً بتبعه ، بل لا يمكن تخلّفه عنه ، فانّه كتخلّف المعلول عن علته .

   نعم ، تنجّزه منوط بالوصول ، وبدونه يكون معذوراً ، فلا تنجّز مع الجهل لا أنّه لا فعلية . ومن ثم يكون الاحتياط وقتئذ حسناً ، لما فيه من المحافظة على الواقع ، إمّا لزوماً كما في موارد العلم الإجمالي ، أو استحباباً كما في الشبهات البدوية ، فانّه لولا الفعلية لم يكن ثمة واقع لتحسن المحافظة عليه . فالخلط بين الفعلية والتنجّز أوجب الوقوع في الاشتباه .

ــ[238]ــ

   وبالجملة : فاعتبار الوصول في فعلية الحكم غير سديد وإن أصرّ عليه صاحب الكفاية في مبحث اجتماع الأمر والنهي(1) ولأجله صحح الصلاة في المغصوب لدى الجهل ، نظراً إلى عدم فعلية الحرمة حينئذ . وأجبنا عنه بضرورة فعلية الحكم إذا كان موضوعه موجوداً بتمام قيوده ، غاية الأمر أنّه لا يتنجّز مع الجهل . وتمام الكلام في محلّه(2) .

   رابعها : التمسك بالروايات التي تضمنت جواز الصلاة في الخزّ الخالص غير المغشوش بوبر الأرانب(3) بدعوى أنّ اختصاصها بمحرز الخلوص بحيث يعلم عدم نسج شيء من خيوطه بوبر غيره حمل للمطلق على الفرد النادر ، فيلغو تشريع هذا الجعل . فحذراً عن اللغوية يراد بها ما يطلق عليه اسم الخزّ مما كان لبسه متعارفاً في تلك الأزمنة ، بحيث يشمل محتمل الغشية ، فاذا شمل ما احتمل فيه الغش والخلط شمل ما احتمل أن يكون اللباس بأجمعه مما لا يؤكل ، لعدم القول بالفصل بين موارد الشبهة .

   وفيه أولاً : أنّ معرفة الخالص من جلد الخز كغيره من الجلود سهلة يسيرة وغير عزيزة عند أهل الخبرة ، بل هو معروف لديهم يميزونه عن غيره كما يميزون جلد الشاة عن المعز .

   وأمّا الخلوص في الوبر فيمكن إحرازه بالعلم الوجداني كما لو نسج اللباس بيده ، أو التعبدي كما لو أخبره البائع الذي يثق به ، أو شخص آخر من أهل الخبرة ، أو غيرهما من حجة معتبرة . فاحراز الموضوع بعلم أو علمي كبقية الموضوعات لم يكن من الفرد النادر بحيث يمتنع حمل المطلقات عليه ، فمع استقرار الشك بحيث لم يكن ثمّة حتى أصل محرز لا مانع من أن لا تتناوله هذه المطلقات ، لما عرفت من عدم قلّة الموارد التي يمكن فيها إحراز الخلوص ولو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 156 الأمر العاشر .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 232 فما بعد .

(3) ومن تلك الروايات ما روي في الوسائل 4 : 361 / أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1 .

ــ[239]ــ

بحجة غير العلم .

   وثانياً : مع التسليم فغايته الالتزام بتخصيص آخر في عمومات عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل ، فكما أنّ الخز الخالص خارج عنها فكذا ما يحتمل فيه الخلط والغش ، نظراً إلى أنّ الاقتصار على الأوّل يستوجب الحمل على الفرد النادر كما اُفيد . وحينئذ فما هو الموجب للتعدّي إلى كلّ مشكوك مما لا يؤكل فانّا إنّما تعدينا إلى التخصيص الثاني لعلة مختصة به مفقودة في غيره ، وهي التي سمعتها من محذور اللغوية الناشئة من الندرة ، فلا يقاس غيره به . ولا أساس لدعوى عدم القول بالفصل في مثله كما لا يخفى .

   وثالثاً : أنّا لو سلّمنا شمول نصوص الخزّ للخالص والمحتمل الخلط ، إلا أنّها مقيّدة بما دل على عدم جواز الصلاة في المغشوش . إذن فالتمسك بها في الفرد المشكوك يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية(1) الذي هو في حيّز المنع .

   فتحصّل : أنّ هذه الوجوه كلها ساقطة ، ولا سبيل للتمسك بالأدلّة الاجتهادية لتجويز الصلاة فيما يشك في كونه مما لا يؤكل لحمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هكذا أفاده (دام ظله) في بحثه الشريف وفي رسالته التي كتبها في اللباس المشكوك [في ص 35] وتعرّض له المحقّق النائيني (قدس سره) أيضاً [في رسالة الصلاة في المشكوك : 176 ]غير أنّ في النفس منه شيئاً ، إذ بعد تسليم ما يدعيه المستدل من امتناع تخصيص الإطلاق بمجرد الخلوص ، ولزوم شموله بنفسه للمشكوك حذراً من لغوية التشريع لو اُريد منه الفرد النادر ، فلازمه تخصيص ما دلّ على المنع عن الصلاة في المغشوش بمحرز الغشية ، ضرورة امتناع المحافظة على الإطلاقين ، للزوم التدافع . إذن فالفرد المشكوك مصداق واقعي للعام ، ومثله لا يكون من التمسك به في الشبهة المصداقية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net