ــ[304]ــ
الخامس : ان لا يكون من الذهب للرجال ، ولا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الغريب حكمه (قدس سره) بنجاسة بول الجلال مع حكمه (قدس سره) في المقام بجواز الصلاة في أجزائه ، مع اتحاد الموضوع في المقامين ـ وهو عنوان ما لا يؤكل ـ لقوله (عليه السلام) هناك : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(1) الذي هو المستند للنجاسة ، فان اختص العنوان بما لا يقبل للزوال فلماذا يحكم بنجاسة بول الجلال ، وإن شمل ما يقبل له فلماذا يحكم بجواز الصلاة فيه . فلم نعرف وجهاً للتفكيك ، لعدم وضوح الفرق بين المقامين .
(1) يقع الكلام في مقامين :
أحدهما : في حرمة لبس الذهب للرجال تكليفاً حال الصلاة وغيرها .
الثاني : في الحرمة الوضعية وبطلان الصلاة الواقعة فيه .
أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف في الحرمة ، بل عليه الإجماع لولا الضرورة .
ويدلّ عليه جملة من النصوص ، وأكثرها وإن كانت ضعيفة السند إلا أنّ فيها الموثّق والصحيح .
فالأوّل : موثقة عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «لا يلبس الرجل الذهب ، ولا يصلّي فيه ، لأنّه من لباس أهل الجنة»(2) . التي رواها الشيخ والصدوق بطريقين معتبرين(3) .
والثاني : صحيحة علي بن جعفر ـ التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إلى الكتاب صحيح ـ عن أخيه موسى (عليه السلام) أنّه قال : «هل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .
(2) الوسائل 4 : 413 / ابواب لباس المصلي ب 30 ح 4 .
(3) التهذيب 2 : 372 / 1548 ، علل الشرائع : 348 / 1 .
ــ[305]ــ
يصلح له أن يتختّم بالذهب ؟ قال : لا»(1) فانّ النهي ظاهر في التحريم .
نعم ، لعلي بن جعفر رواية اُخرى بهذا المضمون(2) ، لكن في الطريق عبدالله ابن الحسن ولم تثبت وثاقته .
وبالجملة : فالعمدة في المقام هاتان الروايتان المؤيدتان بغيرهما من سائر الأخبار ، وإن ضعفت أسانيدها ، وفيهما غنى وكفاية .
وبازاء هذه الأخبار روايتان ربما يستظهر منهما الجواز :
إحداهما : رواية ابن القداح عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) تختّم في يساره بخاتم من ذهب ، ثمّ خرج على الناس فطفق ينظرون إليه ، فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع إلى البيت فرمى به فما لبسه»(3) .
حيث يظهر منها عدم حرمة اللبس ، ولذا تختم (صلّى الله عليه وآله) به . وإنّما رمى به لما شاهده (صلّى الله عليه وآله) من نظر الناس إليه نظراً ينبئ عن عدم مناسبة ذلك لمقام النبوّة ، فطرحه (صلى الله عليه وآله) كراهة جلب الأنظار . فغاية ما هناك كراهة اللبس دون التحريم .
وفيه اوّلاً : أنّها ضعيفة السند بسهل بن زياد والأشعري .
وثانياً : بقصور الدلالة ، إذ غاية ما تدلّ عليه عدم ثبوت التحريم في ذلك الزمان الذي لبسه (صلّى الله عليه وآله) فمن الجائز ثبوت التحريم بعده ، إمّا في زمانه (صلى الله عليه وآله) أو زمن الأئمة (عليهم السلام) كما يفصح عنه تلك الأخبار ، إذ لا ريب أنّ الأحكام تدريجية التشريع ، بل تدريجية التبليغ ، فربّ حكم لم يشرّع في صدر الإسلام فشرّع بعد حين ، أو لم يبلّغ في عصره (صلى الله عليه وآله) لمصلحة في الإخفاء أو مفسدة في الإظهار ، ثم بلّغ في زمن الأئمة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 4 : 415 / أبواب لباس المصلي ب 30 ح 10 ، مسائل علي بن جعفر : 162 / 251 .
(3) الوسائل 4 : 413 / أبواب لباس المصلي ب 30 ح 3 .
ــ[306]ــ
(عليهم السلام) بأيداع النبي (صلى الله عليه وآله) لهم ، فلا تنافي بين هذه الرواية وتلك الأخبار المصرّحة بالتحريم كما لا يخفى .
الثانية : صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال علي (عليه السلام) : نهاني رسول الله (ص) ـ ولا أقول لكم نهاكم ـ عن التختّم بالذهب»(1) فانّ قوله(عليه السلام) : «ولا أقول نهاكم» يكشف عن اختصاص النهي به (عليه السلام) دون غيره من سائر الناس ، فليكن ذاك من مختصات أميرالمؤمنين (عليه السلام) .
والجواب يظهر ممّا مرّ آنفاً ، فانّ علياً (عليه السلام) وهو الصادق المصدّق يحكي ما جرى بينه وبين النبي (ص) من توجيه النهي إليه (عليه السلام) وعدم تعميمه لغيره لا تصريحه (ص) بالجواز لمن عداه ، فلا ينافي ثبوت النهي للجميع في العصر المتأخّر لعدم مصلحة في الإظهار آنذاك . فلا تنافي بين هذه الصحيحة وتلك الأخبار المتضمّنة للتحريم على الإطلاق .
وبالجملة : فتلك الأخبار وعمدتها الموثق والصحيح ـ كما عرفت ـ قويّة السند والدلالة سليمة عن المعارض .
نعم ، قد يناقش في دلالة الموثّق من وجهين :
أحدهما : عدم مناسبة التعليل المذكور فيه مع الحرمة ، أعني قوله (عليه السلام) : «لأنّه من لباس أهل الجنة» فانّ كونه من لباسهم وهم المتّقون الأبرار يكشف عن كونه من زيّ المتقين ولباس المؤمنين ، فالأنسب للمؤمن لبسه تشبيهاً له بأهل الجنة ، سيما في حال الصلاة التي هي معراج المؤمن ، فينبغي أن يتّصف وهو في حال العروج والمناجاة مع الربّ بلباس المقرّبين وأهل الجنة والنعيم ، فكيف يلتئم التعليل مع التحريم .
ويندفع : بأنّ الشبهة إنما نشأت من تخيّل أنّ المراد من اللبس ـ في التعليل ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 414 / أبواب لباس المصلي ب 30 ح 7 .
ــ[307]ــ
اللبس التكويني ، أي ما يختاره أهل الجنة ويلبسونه باختيارهم وإرادتهم وليس كذلك ، بل المراد اللبس التشريعي الذي خصّه الله بأهل الجنة ، وحرّمه على الرجال في الدنيا .
|