ــ[310]ــ
إنّما الإشكال في القسمين الآخرين وقد ذهب جمع إلى حرمة اللبس فيهما . وذكر كاشف الغطاء(1) في وجهه أنّه لم يعهد صنع الثوب ، بل ولا غيره مما لا تتم الصلاة فيه ـ كالقلنسوة ونحوها ـ من الذهب الخالص ، بل المتعارف خلطه بغيره إمّا بجعل سداه من الذهب واللحمة من غيره أو بالعكس ، أو يكون بنحو التطريز ، ولا ريب أنّ النهي في الأخبار منصرف إلى الفرد المتعارف دون ما لا يعهد ، فلو اتفق صنعه من الذهب الخالص فهو غير مشمول للنهي .
والجواب عنه ظاهر كما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره)(2) إذ لم يتوجّه النهي في شيء من الأخبار إلى لبس ثوب من الذهب كي يدعى انصرافه إلى المتعارف ، بل متعلّق النهي مجرّد لبس الذهب ، وكم له مصداق من الذهب الخالص كلبس القرط والسوار والخاتم والخلخال ونحوها مما تتزيّن النساء بلبسه مع فرض خلوص الذهب ، وكأنّ المقصود من تلك الأخبار منع الرجال عن لبس هذه الأشياء التي هي من مختصات النساء .
فالإنصاف : أنّه لا دليل على حرمة اللبس في هذين القسمين ، لعدم صدق لبس الذهب ـ الذي هو الموضوع للحكم كما عرفت ـ في شيء منهما ، بل ما هو ذهب غير ملبوس ، وما هو الملبوس لا يصدق عليه أنّه لبس للذهب ، بل هو لبس شيء استعمل فيه الذهب في سداه أو لحمته ، أو طلي بالذهب كما في التطريز ، لا أنّه بنفسه لبس للذهب .
وما يقال من أنّ من لبس ذلك يصدق عليه أنّه لابس للذهب ، وإن لم يصدق الذهب على نفس اللباس لانّه جزؤه لا كلّه ، فلا ضير في عدم الصدق في الملبوس ، مدفوع بأنّ هذه الاشتقاقات تتبع المبدأ في الصدق ، ولا يختلف الحال فيها باختلاف الهيئات ، فاذا لم يصدق على اللباس أنّه ذهب ولم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الغطاء : 199 السطر 35 .
(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 144 السطر 22 .
ــ[311]ــ
يكن الملبوس بنفسه مصداقاً له فكيف يصدق عنوان لبس الذهب ، وأنّ المكلّف لابس للذهب .
وبالجملة : فلا وجه لحرمة اللبس في هذين القسمين بعد قصور الأدلّة عن الشمول ، إلا إذا صدق عنوان التزيين فيمكن القول بالتحريم حينئذ من تلك الجهة ، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى(1) .
وهل تبطل الصلاة ـ في القسمين ـ فتثبت الحرمة الوضعية وإن لم تثبت النفسية ؟
قد يقال بذلك نظراً إلى شمول موثقة عمار الناهية عن الصلاة في الذهب لمثل ذلك ، إذ يصدق على من صلّى في ثوب مطرّز بالذهب أو كانت لحمته أو سداه منه أنّه صلّى في الذهب وإن لم يصدق لبسه ، ولأجله حكمنا ببطلان الصلاة مع استصحاب شيء من أجزاء ما لا يؤكل وإن لم يكن لابساً له ، للصدق المزبور .
ويندفع : بظهور كلمة «في» في الظرفية . فالممنوع إيقاع الصلاة في الذهب على وجه يكون الذهب ظرفاً لها ، وحيث إنّ هذا على ظاهره لا محصّل له ـ كما لا يخفى ـ فيكون إسناد الظرفية إلى الذهب إسناداً مجازياً باعتبار كونه ظرفاً للمصلّي ، فالمظروف حقيقة هو المصلّي ، ولا يكون الذهب ظرفاً له إلا مع اشتماله عليه ، ولو على بعضه ، إذ لا تتحقّق الظرفية بدونه . ومن الواضح توقّف صدق الاشتمال على اللبس ، فمجرد المصاحبة من دون صدق اللبس المستلزم لنوع من الاشتمال لا يحقق الظرفية بلا إشكال ، فلا يصدق الصلاة في الذهب إلا إذا كان لابساً له .
وأمّا فيما لا يؤكل فانّما ترفع اليد عن ظهور كلمة «في» الواردة في قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : «فالصلاة في وبره وشعره وروثه وبوله وألبانه وكلّ شيء منه فاسدة . . .» الخ(2) في الظرفية ، وتحمل على مطلق المصاحبة لمكان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الصفحة الآتية .
(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .
ــ[312]ــ
القرينة ، وهي ذكر البول والروث والألبان ، لعدم اتخاذ اللباس منها كي تكون ظرفاً للمصلّي ، فلأجله تحمل على الظرفية الموسّعة الشاملة لمطلق المصاحبة فينتج بطلان الصلاة في المحمول والملبوس .
ومثل هذه القرينة مفقودة في المقام ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور «في» في الظرفية . فقياس المقام بذاك الباب مع الفارق .
والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ المستفاد من الأخبار ـ وعمدتها موثقة عمار وصحيحة علي بن جعفر(1) ـ حرمة لبس الذهب ، فما صدق عليه هذا العنوان حرم لبسه والصلاة فيه ، من غير فرق بين الخالص والمغشوش بمقتضى الإطلاق ، وما لم يصدق كما في المطرّز وما سداه من الذهب دون اللحمة أو العكس ، وما كان ممزوجاً بغير الذهب بكمية متساوية جاز لبسه والصلاة فيه لخروجه عن منصرف الأخبار . فالحكم دائر مدار صدق اللبس وعدمه . ـــــــــــــــ
(1) المتقدمتان في ص 304 .
|