حكم الثوب المطرز بالذهب أو المنسوج من الذهب وغيره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4555


ــ[310]ــ

   إنّما الإشكال في القسمين الآخرين وقد ذهب جمع إلى حرمة اللبس فيهما . وذكر كاشف الغطاء(1) في وجهه أنّه لم يعهد صنع الثوب ، بل ولا غيره مما لا تتم الصلاة فيه ـ كالقلنسوة ونحوها ـ من الذهب الخالص ، بل المتعارف خلطه بغيره إمّا بجعل سداه من الذهب واللحمة من غيره أو بالعكس ، أو يكون بنحو التطريز ، ولا ريب أنّ النهي في الأخبار منصرف إلى الفرد المتعارف دون ما لا يعهد ، فلو اتفق صنعه من الذهب الخالص فهو غير مشمول للنهي .

   والجواب عنه ظاهر كما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره)(2) إذ لم يتوجّه النهي في شيء من الأخبار إلى لبس ثوب من الذهب كي يدعى انصرافه إلى المتعارف ، بل متعلّق النهي مجرّد لبس الذهب ، وكم له مصداق من الذهب الخالص كلبس القرط والسوار والخاتم والخلخال ونحوها مما تتزيّن النساء بلبسه مع فرض خلوص الذهب ، وكأنّ المقصود من تلك الأخبار منع الرجال عن لبس هذه الأشياء التي هي من مختصات النساء .

   فالإنصاف : أنّه لا دليل على حرمة اللبس في هذين القسمين ، لعدم صدق لبس الذهب ـ الذي هو الموضوع للحكم كما عرفت ـ في شيء منهما ، بل ما هو ذهب غير ملبوس ، وما هو الملبوس لا يصدق عليه أنّه لبس للذهب ، بل هو لبس شيء استعمل فيه الذهب في سداه أو لحمته ، أو طلي بالذهب كما في التطريز ، لا أنّه بنفسه لبس للذهب .

   وما يقال من أنّ من لبس ذلك يصدق عليه أنّه لابس للذهب ، وإن لم يصدق الذهب على نفس اللباس لانّه جزؤه لا كلّه ، فلا ضير في عدم الصدق في الملبوس ، مدفوع بأنّ هذه الاشتقاقات تتبع المبدأ في الصدق ، ولا يختلف الحال فيها باختلاف الهيئات ، فاذا لم يصدق على اللباس أنّه ذهب ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كشف الغطاء : 199 السطر 35 .

(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 144 السطر 22 .

ــ[311]ــ

يكن الملبوس بنفسه مصداقاً له فكيف يصدق عنوان لبس الذهب ، وأنّ المكلّف لابس للذهب .

   وبالجملة : فلا وجه لحرمة اللبس في هذين القسمين بعد قصور الأدلّة عن الشمول ، إلا إذا صدق عنوان التزيين فيمكن القول بالتحريم حينئذ من تلك الجهة ، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى(1) .

   وهل تبطل الصلاة ـ في القسمين ـ فتثبت الحرمة الوضعية وإن لم تثبت النفسية ؟

   قد يقال بذلك نظراً إلى شمول موثقة عمار الناهية عن الصلاة في الذهب لمثل ذلك ، إذ يصدق على من صلّى في ثوب مطرّز بالذهب أو كانت لحمته أو سداه منه أنّه صلّى في الذهب وإن لم يصدق لبسه ، ولأجله حكمنا ببطلان الصلاة مع استصحاب شيء من أجزاء ما لا يؤكل وإن لم يكن لابساً له ، للصدق المزبور .

   ويندفع : بظهور كلمة «في» في الظرفية . فالممنوع إيقاع الصلاة في الذهب على وجه يكون الذهب ظرفاً لها ، وحيث إنّ هذا على ظاهره لا محصّل له ـ كما لا يخفى ـ فيكون إسناد الظرفية إلى الذهب إسناداً مجازياً باعتبار كونه ظرفاً للمصلّي ، فالمظروف حقيقة هو المصلّي ، ولا يكون الذهب ظرفاً له إلا مع اشتماله عليه ، ولو على بعضه ، إذ لا تتحقّق الظرفية بدونه . ومن الواضح توقّف صدق الاشتمال على اللبس ، فمجرد المصاحبة من دون صدق اللبس المستلزم لنوع من الاشتمال لا يحقق الظرفية بلا إشكال ، فلا يصدق الصلاة في الذهب إلا إذا كان لابساً له .

 وأمّا فيما لا يؤكل فانّما ترفع اليد عن ظهور كلمة «في» الواردة في قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : «فالصلاة في وبره وشعره وروثه وبوله وألبانه وكلّ شيء منه فاسدة  . . .» الخ(2) في الظرفية ، وتحمل على مطلق المصاحبة لمكان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة الآتية .

(2) الوسائل 4  : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 .

ــ[312]ــ

القرينة ، وهي ذكر البول والروث والألبان ، لعدم اتخاذ اللباس منها كي تكون ظرفاً للمصلّي ، فلأجله تحمل على الظرفية الموسّعة الشاملة لمطلق المصاحبة فينتج بطلان الصلاة في المحمول والملبوس .

   ومثل هذه القرينة مفقودة في المقام ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور «في» في الظرفية . فقياس المقام بذاك الباب مع الفارق .

   والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ المستفاد من الأخبار ـ وعمدتها موثقة عمار وصحيحة علي بن جعفر(1) ـ حرمة لبس الذهب ، فما صدق عليه هذا العنوان حرم لبسه والصلاة فيه ، من غير فرق بين الخالص والمغشوش بمقتضى الإطلاق ، وما لم يصدق كما في المطرّز وما سداه من الذهب دون اللحمة أو العكس ، وما كان ممزوجاً بغير الذهب بكمية متساوية جاز لبسه والصلاة فيه لخروجه عن منصرف الأخبار . فالحكم دائر مدار صدق اللبس وعدمه .
ـــــــــــــــ

(1) المتقدمتان في ص 304 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net