وهل التزيّن بالذهب بعنوانه محرّم على الرجال وإن لم يصدق عليه اللبس ـ كما صرّح به الماتن (قدس سره) في المسألة (23) الآتية ـ أو لا ؟ وعلى الأوّل فهل توجب الحرمة بطلان الصلاة أو لا ؟
أمّا الحرمة النفسية فالمعروف ذلك ، بل في الجواهر دعوى الإجماع عليها بقسميه(2) فان تمّ الإجماع ـ ولم يتمّ ، لاحتمال استناد المجمعين إلى ما ستعرف ـ وإلا فتتميم ذلك بالدليل مشكل جداً ، فانّ ما يستدلّ به عدة أخبار لا تخلو عن شوائب الإشكال .
منها : رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تتختّم بالذهب فانّه زينتك في الآخرة»(3) .
ـــــــــــــ (2) الجواهر 41 : 54 .
(3) الوسائل 4 : 412 / ابواب لباس المصلي ب 30 ح 1 .
ــ[313]ــ
ومنها : رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) : إني اُحبّ لك ما اُحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، لا تتختّم بخاتم ذهب فانّه زينتك في الآخرة»(1) .
ومنها : رواية حنّان بن سدير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : قال النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : إياك أن تتختّم بالذهب فانّه حليتك في الجنة . . .»الخ(2) .
دلّت هذه الأخبار على أنّ علّة المنع من التختّم بالذهب كونه من الزينة المختصة بالآخرة ، فيظهر منها أنّ مطلق التزيّن بالذهب حرام في الدنيا على الرجال ، صدق عليه اللبس أم لا .
ولا يخفى أنّ الخبرين الأخيرين وإن لم يتم سندهما إلا أنّ الخبر الأوّل موثّق ، فانّ روح بن عبدالرحيم وثّقه النجاشي ، وكذا غالب بن عثمان(3) الذي هو المنقري ، وإن قيل بكونه واقفياً ، فانّ الوقف لا ينافي الوثاقة . وأحمد بن محمد ثقة ، سواء اُريد به ابن خالد أم ابن عيسى كما لا يخفى . واعتبار باقي رجال السند غني عن التوضيح . فلا وجه لتعبير بعض عنه بالخبر المشعر بالضعف كما لا وجه لدعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب كي يتطرّق إليها الإشكال بمنع الانجبار كما تكرر منّا غير مرة ، وذلك لصحة سند الخبر الأوّل ، وفيه غنى وكفاية فلا حاجة إلى الجابر .
إنما الإشكال من حيث الدلالة ، فانّه يتوجّه عليها :
أوّلاً : احتمال أن يكون الحكم من مختصّات أميرالمؤمنين (عليه السلام) كما لا يأباه سياقها من توجيه الخطاب إليه (عليه السلام) خاصة ، سيما قوله (صلّى الله عليه وآله) في خبر أبي الجارود : «انّي اُحبّ لك ما اُحبّ لنفسي وأكره لك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 414 / أبواب لباس المصلي ب 30 ح 6 .
(2) الوسائل 4 : 416 / أبواب لباس المصلي ب 30 ح 11 .
(3) رجال النجاشي : 168 / 444 ، 305 / 835 .
ــ[314]ــ
ما أكره لنفسي» الكاشف عن مزيد عناية واهتمام بشأنه (عليه السلام) فخصّه بحكم دون غيره .
ويؤيّده : قول علي (عليه السلام) في رواية عبيد الله بن علي الحلبي المتقدمة سابقاً(1) : «نهاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ ولا أقول نهاكم ـ عن التختّم بالذهب . . .»الخ ، غايته أنّه ثبت من الخارج شمول هذا الحكم ـ اعني التختّم ـ بل مطلق لبس الذهب لغيره أيضاً ، فيرفع اليد عن ظهوره في الاختصاص بمقتضى الروايات الاُخر بتقريب تقدّم سابقاً(2) ، وأمّا في المقام فلم يثبت التعدّي ، فلابد من التحفظ على الظهور ، ولا أقلّ من الاقتصار على المتيقّن وهو علي (عليه السلام) إذ لا إطلاق فيها يعمّ غيره كما هو ظاهر .
وثانياً : أنّ الاستدلال بهذه الأخبار مبني على أن تكون الزينة فيها بمعناها الحدثي والعنوان المصدري ـ أعني التزيّن ـ ولا شاهد عليه ، بل هو بعيد عن سياقها ، فانّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «فانّه زينتك في الآخرة» نفس الخاتم الذهبي لا التختّم به كما لا يخفى . فلو اُريد بالزينة المعنى المصدري والمفهوم الحدثي فكيف يمكن حمله على الذات .
فالظاهر أنّ المراد بالزينة فيها ما يتزيّن به ، أعني نفس الذوات والاعيان الخارجية المعدّة للتزيّن بها كالخاتم والسوار والقرط والخلخال ونحوها ، فانّها بأنفسها هي الزينة ، نظير ما تقدّم سابقاً في تفسير قوله تعالى : (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)الخ(3) وكلّ ذلك من الملبوس ، إذ ليس غيره معدّاً للتزيين بحسب المتعارف الخارجي .
وحاصل المعنى حينئذ : أنّ الخاتم الذهبي الذي هو مورد هذه الأخبار شيء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 306 .
(2) في ص 306 .
(3) النور 24 : 31 .
|