لبس الحرير الممتزج بغيره والصلاة فيه - كفّ الثوب بالحرير المحض 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4675


ــ[358]ــ

وكذا لا بأس بالممتزج بغيره من قطن أو غيره (1) ممّا يخرجه عن صدق الخلوص والمحوضة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يفرّق في تنجيزه بين الدفعيات والتدريجيات ، فالخنثى وإن لم تبتل بلبس العمامة حين القيام إلى الصلاة ، لكنّها تعلم في هذه الحال إجمالاً إمّا بحرمة لبس الحرير فعلاً أو بحرمة لبس العمامة ولو فيما بعد ، نعم لو علمت بعدم الابتلاء بها إلى الأبد تمّ ما ذكر .

   وثانياً : مع التسليم فغايته خروج هذا المثال ـ أعني لبس العمامة ـ عن محلّ الابتلاء . ومن الواضح عدم ا نحصار الأحكام المختصّة بالنساء بذلك ، فلنا أن نقول : إنّ الخنثى تعلم إجمالاً حين القيام إلى الصلاة إمّا بوجوب الاجتناب عن الحرير لو كانت رجلاً أو بوجوب ستر جميع بدنها في صلاتها ما عدا الوجه والكفين لو كانت امرأة ، ولا ريب في ابتلائها بالفعل بكلا الحكمين ، فينجّز العلم الإجمالي ، ومعه لا مجال للرجوع إلى الأصل .

   وعليه فالأقوى ـ بلحاظ العلم الإجمالي ـ [أن] تجتنب الخنثى عن الحرير مطلقاً في الصلاة وغيرها ، لعلمها باحدى الوظيفتين ، فلا بدّ من الجمع بينهما .

   (1) فلا يجب الاجتناب عن الممتزج لا في الصلاة ولا في غيرها ، ويشهد له ـ مضافاً إلى قصور المقتضي ، للتقييد في أخبار المنع بالمحوضة كما في صحيحة محمد بن عبد الجبار(1) وغيرها ـ جملة من النصوص وفيها المعتبرة كصحيح البزنطي قال : «سأل الحسين بن قياما أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب الملحم بالقز والقطن ، والقز أكثر من النصف أيصلّى فيه ؟ قال : لا بأس ، قد كان لأبي الحسن (عليه السلام) منه جبّات»(2) .

   وموثّقة إسماعيل بن الفضل (الهاشمي) عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 327 .

(2) الوسائل 4  : 373 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 1 .

ــ[359]ــ

الثوب يكون فيه الحرير ، فقال : إن كان فيه خلط فلا بأس»(1) والتعبير عن الأخير بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محلّه كما لا يخفى .

   ثم إنّه لا ينبغي الريب في عدم اعتبار خصوصية في المزيج ، بل مطلق الخلط بشيء يخرج الحرير عن صدق الخلوص والمحوضة كاف في الجواز كما يقتضيه الإطلاق في موثّقة إسماعيل المتقدّمة . فلا فرق إذن بين كونه قطناً أو كتّاناً ، أو خزّاً أو صوفاً ، أو وبراً ممّا يؤكل لحمه ، أو غير ذلك ممّا تجوز فيه الصلاة ، بل ينبغي القطع بذلك وعدم الخلاف فيه . وما يتراءى في كلمات بعض الأصحاب من الاقتصار على بعض ما ذكر فهو من باب المثال ، لا إرادة الحصر والاختصاص كما لا يخفى .

   وعليه يحمل ـ بقرينة الموثّقة المتقدّمة ـ ما في بعض الأخبار مما يوهم ذلك . فقد اقتصر على الأوّلين في خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان»(2) مضافاً إلى ضعف سنده بقاسم بن عروة . وكذا في التوقيع المروي في الاحتجاج عنه (عجل الله تعالى فرجه) : «لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان»(3) مع أنّ روايات الاحتجاج لا يعتمد عليها من جهة الإرسال .

   وعلى الثلاثة الاُوَل في خبر زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء»(4) وهذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بموسى بن بكر تكاد تكون صريحة فيما ذكرناه من إرادة التمثيل ، وأنّ المقصود مما ذكر من الثلاثة ما يقابل الحرير المحض المذكور في ذيلها .

   نعم ، لا بدّ من حمل الكراهة على مطلق المرجوحية الجامع بين الحرمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (4) الوسائل 4  : 374 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 4 ، 2 ، 5 .

(3) الوسائل 4  : 375 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 8 ، الاحتجاج 2  : 589 .

ــ[360]ــ

وكذا لا بأس بالكفّ به (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والكراهة المصطلحة ، جمعاً بين هذه الرواية وما دلّ على جواز لبس الحرير المحض للنساء ، فتحمل على إرادة الكراهة لهنّ والحرمة للرجال .

   وعلى الجملة : فلا ينهض بشيء من هذه الروايات لرفع اليد عن الإطلاق في موثقة إسماعيل المقتضي لكفاية الخلط كيف ما اتفق .

   كما أن مقتضى هذا الإطلاق عدم اعتبار كمية خاصة في مقدار الخليط ، بل كلّ ما يخرج معه الحرير عن الخلوص ولا يطلق عليه المحض ، بل يصدق عليه عنوان الخلط والمزج ، وإن كان المزيج واحداً في عشرين كفى في الجواز ما لم يستهلك فيه ، لما عرفت من إطلاق الدليل .

   (1) تكليفاً ووضعاً كما عليه المشهور ، بل نسب إلى فتوى الأصحاب ، وإن زاد على أربع أصابع ما لم يخرج عن عنوان الكفّ ، خلافاً للقاضي(1) والسيد في بعض رسائله(2) فذهبا إلى المنع ، ومال اليه الأردبيلي(3) وكاشف اللثام(4) . وعن المدارك(5) والكفاية(6) والمفاتيح(7) التردّد فيه . ومال صاحب الحدائق (قدس سره) إلى التفصيل بالمنع في الصلاة والجواز في غيرها ، وأخيراً توقّف فيه واحتاط(8) .

   والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الروايات الناهية عن لبس الحرير أو عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المهذب في الفقه 1  : 75 .

(2) نقل حكايته عنه في مستند الشيعة 4  : 352 .

(3) مجمع الفائدة والبرهان 2  : 85 .

(4) كشف اللثام 3  : 221 .

(5) المدارك 3  : 180 ـ 181 .

(6) كفاية الأحكام : 16 السطر 15 .

(7) مفاتيح الشرائع 1  : 110 .

(8) الحدائق 7  : 97 ـ 99 .

 
 

ــ[361]ــ

ثوب الحرير لا يكاد يشمل شيء منها للمكفوف ، إذ المتبادر منها ما كان الثوب بنفسه منسوجاً من الحرير ، فلا يعم ما كانت عليه قطعة منه ، فانّه ثوب عليه الحرير ، لا أنّه ثوب من الحرير .

   وبعبارة اُخرى : لو لاحظنا نفس الكفّ لا يصدق عليه اللبس ، ولو لاحظنا مجموع اللباس لا يصدق عليه الحرير ، بل هو لابس لما عليه الحرير . فعنوان لبس الحرير ـ الذي هو الموضوع للحكم ـ غير صادق على التقديرين .

   نعم ، ما تضمّن النهي عن الصلاة في الحرير كما في صحيحة ابن عبدالجبار المتقدمة(1) : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» وإن أمكن دعوى شموله للمقام لكن من القريب جداً دعوى ظهوره ولو بقرينة ذكر التكّة والقلنسوة في خصوص الملبوس ، وأنّ السؤال عن اختصاص الحكم بما تتمّ فيه الصلاة وتعميمه له ولما لا يتمّ ممّا يكون نظير القلنسوة والتكّة في كونه من الملبوس
فلا نظر إلى ما لا يكون من هذا القبيل كالكفّ ونحوه ، كما مرّ التعرّض لذلك سابقاً(2) وعليه فيمكن القول بالجواز ، لقصور المقتضي .

   ومع الغضّ وتسليم الإطلاق في الصحيحة لمثل الكفّ فيخرج عنه بموثّقة الحلبي المتقدمة سابقاً(3) ـ التي في طريقها أحمد بن هلال ـ المتضمّنة لجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً ، إذ الكفّ من الحرير كذلك ، فيقيّد بها الإطلاق .

   ويؤيّد المطلوب روايتان ليوسف بن إبراهيم(4) ودلالتهما ظاهرة ، للتصريح باختصاص المنع بالحرير المبهم أو المصمت المساوق للمحض ، فلا منع فيما كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 327 .

(2) في ص 347 .

(3) في ص 332 .

(4) الوسائل 4  : 375 / أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6 ، 379 / ب 16 ح 1 . وفيه : عن    أبي داود بن يوسف بن إبراهيم ، وكلمة «ابن» الاُولى زائدة ، والصحيح : أبي داود يوسف    ابن إبراهيم .

ــ[362]ــ

مشتملاً عليه وعلى غيره كما في المكفوف . ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين حال الصلاة وغيرها ، لكن السند ضعيف من جهة يوسف والعيص بن قاسم(1) ولذا ذكرناهما بعنوان التأييد .

   وما يقال في تصحيحه من أنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى الذي هو من أصحاب الإجماع قد تقدّم الكلام فيه وفي منعه قريباً(2) فلاحظ .

   كما أنّ [ما] يقال أيضاً من أنّ صفوان وابن أبي عمير والحسن بن محبوب قد نصّ عليهم بأنّهم لا يروون إلا عن الثقة غير ثابت . وعبارة الشيخ في العدّة(3) غير ظاهرة في هذا المعنى فلاحظها .

   بقي الكلام في روايتين : إحداهما : رواية جراح المدائني عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج . .»الخ(4) .

   وقد استدلّ بها العلامة على الجواز حملاً للكراهة على المصطلحة(5) وصاحب الحدائق على المنع حملاً لها في لسان الأخبار على المبغوضية والحرمة(6) كما عبّر عن الحرمة بها كثيراً ، منها في باب الربا أنّ علياً (عليه السلام) كان يكره بيع المثل بالمثل مع الزيادة(7) . ولعلّ الثاني أظهر لكن الرواية غير صالحة للاستدلال لشيء منهما .

   أوّلاً : لضعف سندها من جهة قاسم بن سليمان وجراح المدائني ، فانّ الأوّل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [لكن العيص وثقه النجاشي في رجاله صريحاً ، راجع معجم رجال الحديث 14 : 233 /    9265].

(2) في ص 353 .

(3) العُدة 1 : 58 السطر 7 [والمذكور فيها: ولأجل ذلك.... بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات....].

(4) الوسائل 4  : 370 / أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9 .

(5) التذكرة 2 : 474.

(6) الحدائق 7  : 98 .

(7) الوسائل 18 : 149 / أبواب الربا ب 14 ح 2 ، 151 / ب 15 ح 1 ـ 3 .

ــ[363]ــ

وإن زاد على أربع أصابع ، وإن كان الأحوط ترك ما زاد عليها(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضعيف والثاني مهمل ، إذ لم يذكر بهذا العنوان في كتب الرجال ، ولم يعلم أنّه اسمه أو لقبه .

   وثانياً : لقصور دلالتها ، فانّ الديباج وإن فسره بعض اللغويين بالحرير المحض(1) لكن عن لسان العرب أنّه الثوب المنقوش ، سواء كان من الحرير أم غيره كما مرّ سابقاً(2) . وهو لفظ معرّب من ديبا ، ويؤيّده قوله في موثّقة سماعة المتقدمة سابقاً(3) : «وإن كان فيه تماثيل» وتشهد له المقابلة بينه وبين الحرير في كثير من الأخبار . وعليه فلا يدلّ الخبر إلا على كراهة الثوب المنقوش ، ولا ربط له بالحرير ، فهو أجنبي عن محلّ الكلام .

   وثانيتهما : موثّقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «وعن الثوب يكون علمه ديباجاً ، قال : لا يصلّى فيه»(4) وهي تشترك مع الرواية المتقدّمة في المناقشة الأخيرة ، فلا يعتمد عليها .

   فتحصّل : أنّ الأقوى جواز لبس المكفوف من الحرير ، وكذا الصلاة فيه ، نعم لو كان الكفّ كثيراً جداً بحيث كان مما تتم فيه الصلاة وكما لو كان النصف الأعلى أو النصف الأسفل من الثوب حريراً لم يجز ، لصدق لبس الحرير كما هو ظاهر فتدبّر جيداً .

   (1) نسب إلى المشهور اعتبار عدم زيادة الكف على أربع أصابع ، وإن كانت كلمات أكثرهم خالية عن هذا التقييد . وكيف كان ، فربما يقال : إنّه لا مستند

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما تقدم في ص 329 .

(2) في ص 329 .

(3) في ص 340 .

(4) الوسائل 4  : 369 / أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8 ، وفيها : «عليه» بدل «علمه»    وهو غلط كما لا يخفى [المصادر التي بأيدينا لا تشتمل على «عليه»] .

ــ[364]ــ

لذلك سوى ما روي بطريق العامّة عن عمر : «أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع»(1) وضعفه منجبر بعمل الأصحاب .

   وفيه : مضافاً إلى منع كبرى الانجبار كما تكرّر غير مرّة ، إذ المستفاد من أدلّة الحجّية اعتبار وثاقة الراوي ، لا الوثوق بالرواية إلا إذا كان شخصياً كما يتفق أحياناً ، فتكون العبرة به ، وهو خارج عن محلّ الكلام . وبالجملة : كما أنّ المتّبع في حجية الدلالة تحقّق الظهور الذي هو الموضوع للحجية ببناء العقلاء فلا يكون العمل جابراً لضعفها ، كذلك المتّبع في حجية السند وثاقة الراوي ، فلا يكون العمل جابراً له ، وتمام الكلام في محلّه(2) .

   أنّ الصغرى في المقام ممنوعة ، إذ لا يحتمل استناد الأصحاب إلى مثل هذه الرواية التي في سندها من لا يخفى ، بل من الجائز أن يكون مستندهم أحد أمرين :

   الأوّل : بناؤهم على الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين كما كان هذا هو الشائع بين المتقدّمين . فكأنّ مقدار أربع أصابع متيقّن الجواز فيرجع في الزائد إلى قاعدة الاشتغال لا إلى هذه الرواية المانعة عن الزائد على هذا الحدّ فتدبّر .

   الثاني : أنّ الزائد على أربع أصابع ممّا تتم فيه الصلاة غالباً ، سيما إذا كان فاحشاً ، وقد عرفت المنع عما تتم فيه الصلاة من الحرير ، ولذا قيّدنا جواز الصلاة في الكفّ بما إذا لم يكن كذلك كما
مرّ(3).

   وبالجملة : فلأجل أحد هذين الوجهين وقع التحديد بأربع أصابع فما دون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح مسلم 3  : 1643 / 15 .

(2) مصباح الاُصول 2  : 201 .

(3) في آخر التعليقة السابقة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net