ــ[422]ــ
[1318] مسألة 50 : الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا يغطّي الساق كالجورب ونحوه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جرم يختص بما إذا اتحدت الحركات الصلاتية مع التصرّف فيه حتى يقال بامتناع التقرّب بالمبغوض ، وهو منفي في المقام ، إذ المفروض أنّ المغصوب إنّما هو الطرف الواقع على الأرض غير المتحرّك بحركات المصلّي ، فلا يعد تصرفاً فيه بوجه ليحرم ويفسد .
نعم ، هو معاقب على استيلائه على مال الغير ، لكن المانعية منوطة بالتصرّف المنفي في محلّ الكلام ، وإن صدق أنّه لابس له ، أو أنّه صلّى فيه ، لعدم دوران الحكم مداره كما عرفت .
وأمّا الحرير والذهب ـ وإن لم يذكر الأخير في المتن ـ فموضوع الحرمة النفسية الثابتة لهما هو عنوان اللبس ، ولا لبس في المقام ، فانّه متقوّم باشتمال الملبوس على لابسه . ومن البيّن أنّه لا اشتمال في محلّ البحث ، بل المشتمل على الشخص ثوب من قطن ـ مثلاً ـ غير أنّ بعض أجزائه حرير أو ذهب ، من غير اشتمال أي جزء منه على لابسه .
وكذلك الحال في الحرمة الغيرية ، أعني المانعية الثابتة لهما ولغير المأكول ، فانّ الموضوع فيها هو الصلاة في الحرير أو في الذهب أو في غير المأكول ، وأداة الظرف تدل على نوع من الاشتمال كاللباس ، وقد عرفت أنّه لا اشتمال في محلّ الكلام ، فلا يكاد يصدق أنّه صلّى في الحرير أو في الذهب أو في غير المأكول لعدم الاتصاف(1) بالمصلّي ولا حمله فضلاً عن أن يكون ظرفاً له .
نعم ، يصدق أنّه صلّى في ثوب بعض أجزائه حرير أو ذهب أو غير المأكول ، وهو لا يستوجب البطلان فيها كما كان يوجبه في النجس بمقتضى لسان دليله حسبما عرفت . فلم تكن أدلّة هذه الموارد على سياق واحد كما يظهر من المتن .
(1) كما عن غير واحد من المتأخرين وبعض القدماء كابن حمزة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [لعل المناسب : لعدم الارتباط] .
ــ[423]ــ
الوسيلة(1) والشيخ في المبسوط(2) . كما أنّ القول بعدم الجواز منسوب إلى جماعة كثيرين منهم ، ولا يبعد أن يكون الأشهر بين المتأخّرين هو الجواز ، والأشهر بين القدماء عدمه . وقد اختلف القائلون بالجواز ، فبعضهم قال به عن كراهة وبعضهم بدونها ، وثالث خصّها بالنعل السنديّة والشمشك .
وكيف ما كان ، فقد استدلّ لعدم الجواز بوجوه :
أحدها : عدم فعل النبي (صلّى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين ، فكانت سيرتهم جارية على العدم .
وفيه : مع أنّه لم يثبت ، إذ لا شاهد عليه ، وقلّما تحرز السيرة على العدم ولعلّهم كانوا يلبسونها بعض الأحيان ، أنّ عدم اللبس لا يكشف عن المانعية وإلاّ لوجب الالتزام بها في كلّ ما لم يلبسوه كالساعة والمنظرة ونحوهما ، وهو كما ترى . نعم يكشف عدمه عن عدم الوجوب وإلاّ للبسوه .
ثانيها : ما حكي عنه (صلّى الله عليه وآله) من قوله : «صلّوا كما رأيتموني أصلي»(3) ولم يصلّ فيما يستر ظهر القدم ولا يغطي الساق .
وفيه : مع أنّه لم تثبت هذه الحكاية من طرقنا ، كما لم يثبت أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يصلّ فيه أنّه على تقدير الثبوت لا دلالة فيه على المانعية ، فانّ الحديث إنّما يدلّ عليها ، وكذا على الجزئية أو الشرطية فيما إذا اُحرز أنّه أتى بشيء أو تركه من جهة الصلاة ورعاية لما يعتبر فيها ، ولا سبيل إلى إحراز ذلك في المقام بوجه ، ولعلّه كان يتركه بحسب طبعه وعدم ميله ورغبته في لبسه .
ثالثها : خبر سيف بن عميرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا يصلّى على جنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف»(4) فانّ الأمر في صلاة الجنازة أوسع من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة : 88 .
(2) المبسوط 1 : 83 .
(3) كنز العمال 7 : 281 / 18879 .
(4) الوسائل 3 : 118 / أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1 .
ــ[424]ــ
صلاة الفريضة ، فاذا لم يجز الحذاء في الاُولى لم يجز في الثانية بطريق أولى .
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند حتى على مسلك الانجبار ، إذ لم يعلم استناد المشهور إليها بعد تعدّد ملاك المسألة ممّا عرفت وتعرف ، أنّ كيفية الحذاء المسؤول عنه بنحو ينطبق على المقام من ستر ظهر القدم دون الساق غيرثابتة . وعلى تقدير الثبوت لم يعلم أنّ المنع كان لهذه العلّة ، ولعلّه لجهة اُخرى لم نعرفها .
على أنّه لم يعمل بهذ الرواية حتى في موردها ، لما ورد في بعض النصوص من جواز الصلاة على الجنازة مع الحذاء ، بل في بعضها استحبابها(1) ، فكيف يعمل بها في غير موردها .
رابعها : ما رواه ابن حمزة في الوسيلة مرسلاً قال : «وروي أن الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك»(2) على ما نسب إليه .
وفيه : مضافاً إلى ضعفها بالإرسال لو صحت النسبة ، إذ لا أثر لها في الأخبار ، وعدم الانجبار بفتوى المشهور حسبما عرفت ، كيف وأكثرهم أفتوا بالمنع مطلقاً لا في خصوص النعل والشمشك ، أنّه لم تعلم الكيفية في هذين الموردين ، ولعلّها كانت بحيث تمنع عن وصول إلابهامين إلى الأرض لدى السجود ، فتخرج عن محلّ الكلام .
فتحصّل : أن الأقوى هو الجواز .
وأمّا الكراهة ففي الموردين المزبورين وإن أمكن القول بها ، استناداً إلى الرواية المذكورة ، بناءً على قاعدة التسامح وعمومها للمكروهات ، أمّا في غيرهما فلم ترد حتى رواية ضعيفة ليصحّ التعويل عليها بناءً على تلك القاعدة إلاّ بناءً على شمولها لفتوى الفقيه ، وهو في حيّز المنع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [لم نعثر على ذلك ، بل عدّ النراقي في المستند 6 : 323 نزع النعلين من المستحبات حاكياً عدم الخلاف فيه] .
(2) الوسائل 4 : 428 / أبواب لباس المصلي ب 38 ح 7 ، الوسيلة : 88 .
ــ[425]ــ
والعمدة أنّ القاعدة ممنوعة من أصلها ، إذ مضافاً إلى اختصاصها ببلوغ الثواب دون العقاب فلا تشمل المكروهات ، أنّها إنّما تدلّ على الاستحباب الشرعي فيما إذا كان ترتّب الثواب بحكم الشرع ، كما لو ورد في رواية ضعيفة أنّ من أكل الرّمان يوم الجمعة يثاب عليه .
وأمّا إذا كان ذلك بحكومة من العقل من أجل الانقياد كما هو مفاد أخبار الباب الناطقة بأنّ من بلغه ثواب على عمل فعمله برجاء ذلك ، فمثل هذا اللسان لا يكشف عن الاستحباب الشرعي بوجه ، وتمام الكلام في محلّه(1) .
فتحصّل : أنّه لا دليل على الكراهة فضلاً عن الحرمة ، ومقتضى القاعدة هو القول بالجواز حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 2 : 319 .
|