ــ[9]ــ
فالصلاة في المكان المغصوب باطلة((1)) ، سواء تعلق الغصب بعينه ، أو بمنافعه(1) كما إذا كان مستأجراً وصلّى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذوناً من قبل المالك ، أو تعلّق به حق كحق الرهن (2) ((2))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع مصداقاً للواجب فبطبيعة الحال تبطل الصلاة المشتملة على السجدة بهذه العلة .
وأما الفاقدة لها كالصلاة إيماءً أو الصلاة على الميت ، بل الواجدة إذا تجنب السجود على المغصوب كما لو تخطى قليلاً فسجد على الأرض المباحة ، أو وضع لوحة ونحوها بحيث منعت عن إلقاء ثقل الجبهة على موضع الغصب ، أو سجد ـ ولو بفرض محال ـ في الفضاء ما بين الأرض والسماء فلا مانع من الحكم بصحّتها ، لانتفاء المحذور المزبور ، ولم يبق إلا الكون في المكان الذي هو أمر تكويني غير معتبر في صحة الصلاة شرعاً ، سواء أكان مغصوباً أم مباحاً .
ومنه تعرف وجه التفصيل بين المعنيين للمكان في اعتبار الاباحة وعدمه ، كما وتعرف اختصاص البطلان في المعنى الأول للمكان بما إذا كان أحد مواضع السجود مغصوباً .
(1) لأنّ المناط صدق الغصب المتقوّم بالتصرّف في ملك الغير من غير استئذان ممن بيده الاذن ، أعني من يملك التصرف في العين فعلاً ، سواء أكان مالكاً لرقبتها أيضاً أم لخصوص منافعها كالمستأجر . ومنه تعرف عدم كفاية إذن المالك ، بل عدم جواز التصرف لنفس المالك أيضاً من دون إذن المستأجر .
(2) على المشهور من عدم جواز التصرف في العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، ويستدل لهم بأمور عمدتها الاجماع والنبوي الذي استدل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحكم بالبطلان إنّما هو فيما اذا كان أحد مواضع السجود مغصوباً ، وإلاّ فالصحة لا تخلو من قوة ، وبذلك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية .
(2) في اقتضائه البطلان إشكال بل منع .
ــ[10]ــ
به غير واحد من الأصحاب من أنّ «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف»(1) فانه إذا لم يجز للراهن لم يجز لغيره أيضاً ولو باذنه .
أقول : أما عدم جواز تصرف المرتهن بدون إذن الراهن فواضح ، ضرورة عدم جواز التصرف في ملك الغير من دون إذنه ، ومجرد الاستيثاق لاستيفاء الدين لدى بلوغ أجله لايسوغ التصرف ما لم ينص عليه ، وهذا ظاهر .
وأما عدم جواز تصرف الراهن من دون إذن المرتهن ، فهو وإن كان مشهوراً بين الأصحاب إلا أنه لا يمكن المساعدة على إطلاقه ، بل لابد من التفصيل بين التصرفات المنافية لحق الرهانة ، وغير المنافية ، فلا تجوز الاُولى ، سواء أكانت اعتبارية كالوقف ، حيث إن الوقفية تضاد كونها وثيقة ، بداهة امتناع استيفاء الدين من العين الموقوفة بعد تعذر بيعها ، أم خارجية كالاتلاف التكويني بأكل ونحوه .
وأما الثانية ، فلا بأس بها ، سواء أكانت اعتبارية أيضاً كالبيع ، أم خارجية كاللبس ونحوه . فان بيع العين المرهونة وإن منعه المشهور ، وعلله بعضهم باعتبار طلقية الملك المفقودة في مورد الرهن ، إلا أنا ذكرنا في بحث المكاسب(2) أن الأقوى جوازه ، نظراً إلى أن البيع لا يزيل حق المرتهن ولا يزاحمه ، بل ينتقل به متعلق حقه من ملك الراهن إلى ملك المشتري ، وهذا لا ضير فيه سيّما بعد ملاحظة جواز جعل ملك الغير رهناً باذنه ابتداءً كما في استرهان العين المستعارة باجازة المعير ، فاذا ساغ حدوثاً ساغ بقاءً أيضاً بطريق أولى(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك 13 : 426 / أبواب كتاب الرهن ، ب 17 ح 6 .
(2) مصباح الفقاهة 5 : 238.
(3) هذه الأولوية ادعاها المحقق الايرواني أيضاً في تعليقته على المكاسب : ص 190 ، ولكن السيد الأستاذ (دام ظله) لم يذكرها في بحث المكاسب وكانه لم يرتض بها .
ولعل الوجه فيه : أن القائل بعدم جواز البيع يرى أن العين المرهونة متعلقة لحق المرتهن بما أنها مضافة إلى المالك المعيّن لا بما هي هي ، فالنقل من ملك المالك حين الرهن تصرف مناف لحق الغير ومضاد له ، لأنه إزالة لتلك الاضافة ، وعلى هذا الاساس يتجه التفكيك بين الابتداء والبقاء ، فان الأول لا محذور فيه ، وأما الثانى فهو مستلزم للمحذور المزبور فلا يجوز إلا باذن المرتهن ، إلا أن يقال : ان العين المرهونة متعلقة لحق المرتهن بما أن خسارتها تكون على الراهن اما لكونها ملكاً له ، أو لكون خسارتها الناشئة من استيفاء الدين منها تكون مضمونة عليه لمالكها معيراً كان أو مشترياً . وعليه فلا فرق بين الابتداء والبقاء كما اُفيد في المتن وإن لم تثبت به الأولوية .
ــ[11]ــ
غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال ، لتخلف وصف الطلقية المنصرف إليه العقد لدى الاطلاق ولا دليل على اعتبار الطلقية في صحة البيع بقول مطلق .
كما أن التصرفات الخارجية من لبس وافتراش ونحوهما سائغ حتى من دون إذن المرتهن ـ ما لم يشترط خلافها في متن العقد ـ فان الاجماع المدعى على عدم الجواز ـ حسبما سمعت ـ دليل لبّي يقتصر على القدر المتيقّن منه وهو التصرفات المنافية لحق الرهانة ، فلا يعم غير المنافية التي هي مورد البحث ، والنبوي المتقدم ضعيف السند لا يمكن التعويل عليه .
نعم ، للمرتهن الامتناع من تسليم العين والتصرف فيها لأنها متعلق حقه(1) إلا أنه لو أخذها الراهن من دون اطلاعه باختلاس ونحوه فتصرفه سائغ ، لكونه صادراً من أهله وواقعاً في محله .
وقد نطقت بذلك صريحاً صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل رهن جاريته قوماً أيحل له أن يطأها ؟ قال : فقال : إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيت إن قدر عليها خالياً ؟ قال : نعم لا أرى به بأساً» ونحوها صحيحة الحلبي(2) .
فاذا جاز الوطء وهو من أهم التصرفات جاز غيره من سائر التصرفات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كونها متعلقة لحقه لا يسوّغ الامتناع المزبور بعد عدم كون التصرف منافياً لحقه كما هو المفروض .
(2) الوسائل 18 : 396 / أبواب أحكام الرهن ، ب 11 ح 1 ، 2 .
|