ــ[13]ــ
وحق السبق((1)) كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الأقوى ، ونحو ذلك ، وإنما تبطل الصلاة إذا كان عالماً عامداً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينه وبين غير المشاع في ذلك .
هذا ، مع أن ثبوت الحق المبني على القول الأول لا يستدعي المنع من التصرف بمثل الصلاة ونحوها غير المزاحمة لحق الغريم ، بل هو كحق الرهانة الذي عرفت عدم التنافي بينه وبين مثل تلك التصرفات غيرالمصادمة لحق ذي الحق ، بل قد عرفت عدم مزاحمته للبيع فضلاً عن مثل الصلاة .
وبالجملة ، على القول الأول ، الحق وإن كان ثابتاً لكنه لا يمنع عن مثل الصلاة لعدم المزاحمة . وعلى القول الثاني وإن كان المنع ثابتاً لكنه لا لأجل تعلّق الحق ، بل من جهة كونه تصرفاً في ملك الغير . وقد عرفت أن هذا القول هو الأقوى لمساعدة النصوص عليه ، ومعناه تأخر الميراث عن الدين حدوثاً وبقاءً ، فلا ينتقل جميع المال إلى الوارث إلا مع فقد الدين من أو ل الأمر ، أو في مرحلة البقاء إما بابراء الغريم أو أداء الدين من غير التركة .
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الحال في حقّ الميّت إذا أوصى بثلثه ، فانه يجري فيه القولان المتقدمان مع ما يتفرع عليهما على النحو الذي بيناه حرفاً بحرف . وظاهر عبارة الماتن اختياره هنا القول الثاني ، أعني بقاء المال الموصى به على ملك الميت ، وعدم انتقاله إلى الوارث ، وحصول الشركة بينهما كما يفصح عنه تعبيره (قدس سره) بقوله : ولم يفرز بعد ، فان الافراز لا يكون إلا في فرض الشركة والاشاعة كما لا يخفى .
(1) لا ريب أن من سبق إلى مكان مباح يشترك فيه الكل كالصحراء أو المسجد أو الحرم الشريف ، فهو أحق بذلك المكان ما دام جالساً فيه ، بمعنى أنه لا يجوز مزاحمته ودفعه عنه ، ولو فعل أثم ، وهل يثبت له زائداً على ذلك حق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال .
ــ[14]ــ
متعلق بذلك المكان بحيث لو تُصُرّف فيه بعد ارتكاب الاثم كان ذاك تصرفاً في متعلق حق الغير ويكون غصباً تبطل الصلاة فيه أم لا ؟
المشهور هو الأول ، وذهب في الجواهر(1) تبعاً للسيد العلامة الطباطبائي في منظومته(2) إلى الثاني فانكرا الحق وحكما بجواز التصرف بعد الدفع وإخلاء اليد سيما إذا كان المتصرف غير الدافع .
أقول : أما في الفرض الأخير فلا ينبغي الاشكال في الجواز ، فلو تعدّى ظالم على السابق وأخذه إلى المحاكمة مثلاً سقط حقّه وجاز لغيره التصرف ، إذ لا يبقى المكان معطّلاً .
وأما في غير ذلك فالظاهر أيضاً هو الجواز ، لعدم نهوض دليل يقتضي ثبوت حق له بهذه المثابة ، أي يكون مانعاً حتى بعد إخلاء اليد كى يحتاج التصرف فيه إلى إذن ذي الحق .
وقصارى ما يمكن أن يستدل له روايتان :
إحداهما : رواية محمد بن اسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له ، نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التى يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضاً فيجيء آخر فيصير مكانه ، فقال : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته»(3) .
الثانية : خبر طلحة بن زيد عن أبى عبدالله (عليه السلام) «قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل . . .» الخ(4) .
وهاتان الروايتان ـ بعد دفع ما يتراءى من المنافاة بينهما من حيث التحديد ، بأن ذلك من أجل الاختلاف في خصوصية المورد ، حيث إن المسجد معدّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 8 : 286 .
(2) الدرّة النجفية : 92 .
(3) ، (4) الوسائل 5 : 278 / أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 1 ، 2 .
ــ[15]ــ
للعبادة التي لا يفرق فيها بين الليل والنهار ، بخلاف السوق المعدّ للاتّجار الذي ينتهي أمده غالباً بانتهاء النهار ، لعدم تعارف السوق في الليل في الأزمنة السابقة بل في العصر الحاضر أيضاً بالنسبة إلى القرى والبلدان الصغيرة ـ لا يمكن الاستدلال بشيء منهما ، لضعف سند الاُولى ، فان محمد بن إسماعيل وإن كان الظاهر أنه ابن بزيع وهو موثق لكنها مرسلة .
وأما الثانية : فيمكن الخدش في سندها من جهة أنّ طلحة بن زيد عامي لم يوثق ، نعم له كتاب معتبر لكن لم يعلم أن الرواية عن كتابه أم عنه مشافهة ، إذ الراوي عنه هو الكليني(1) ولم يلتزم بنقل الرواية عمّن له أصل أو كتاب عن نفس الكتاب ، كما التزم الشيخ بمثل ذلك في التهذيب فمن الجائز روايته عن نفس الرجل لاعن كتابه ، وقد عرفت عدم ثبوت وثاقته ، هذا .
ولكن الظاهر وثاقة الرجل ، من جهة وقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة التوثيق العام من ابن قولويه لكل من يقع في أسانيد كتابه(2) . وحيث إنه سليم عن المعارض وجب الأخذ به . فالانصاف أنّ الخدش من حيث السند في غير محله ، إلا أن الشأن في دلالتها ، فانها غير ظاهرة في إثبات الحق بالمعنى المبحوث عنه ، بل المتيقن منها عدم جواز مزاحمة السابق مادام شاغلاً للمحل ، وقد عرفت أنّ هذا مسلّم لا إشكال فيه ، بل هو ثابت حتى ببناء العقلاء من دون حاجة إلى تعبد شرعي .
بل ربما يقال : إن الحق بهذا المعنى أمر فطري يدركه كل أحد حتى الحيوانات ، فانا لو قذفنا قطعة لحم نحو هرتين تسابقتا إليها وربما يتحارشان في الاستيلاء عليها ، لكن بعد الغلبة وتحقق الاستيلاء من إحداهما تركتها الاُخرى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 2 : 485/7 .
(2) ولكنه (دام ظله) خصه أخيراً بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يعم الرجل . على أنه عامي المذهب ومثله غير مشمول للتوثيق على كل تقدير ، نعم هو من رجال تفسير القمي راجع المعجم 10 : 178 / 6021 .
|