إنما الاشكال فيما اذا لم توجب تلك الشواهد أكثر من الظن ، فان فيه خلافاً بين الأعلام ، فذهب جمع كثير إلى اعتبار العلم في شاهد الحال فلا يعوّل عليه بدونه ، واختار آخرون الاكتفاء بمطلق الظن ، بل قيل بجواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك ، وكان المتعارف عدم المضايقة في أمثاله ما لم تكن هناك أمارة على الكراهة .
وصاحب الحدائق(1) بعد أن أسند الاكتفاء بالظن إلى المشهور أيّده بما روي عنه (صلى الله عليه وآله) : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(2) بدعوى أنّ المناسب لسعة الامتنان الاكتفاء بمجرد الظن .
وهذا كما ترى ، ضرورة أنّ الرواية ليست إلا بصدد بيان الحكم الطبيعى ، وأنّ كل أرض فهو صالح في نفسه لايقاع الصلاة فيه ، وأنّ الله تعالى وسّع على هذه الاُمة المرحومة ولم يضيّق عليهم بالالزام بايقاعها في مكان خاص ، كما كان كذلك في بعض الاُمم السالفة ، وليست في مقام بيان الحكم الفعلي كي يستفاد منه إلغاء شرطية الاباحة أو الطهارة ، كما يفصح عنه عطف الطهور على المسجد ، إذ لا اشكال في اعتبارهما في طهورية الأرض ، فكذا في مسجديته .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 7 : 176 .
(2) الوسائل 3 : 350 / أبواب التيمم ب 7 ح 2 .
ــ[55]ــ
هذا ، واستدل في المستند على كفاية الظن بالرضا في جواز التصرف في ملك الغير مطلقاً بموافقته للأصل السليم عن الدليل على خلافه .
قال ما ملخصه : أنّ مقتضى الأصل جواز التصرف في كل شيء ما لم يعلم بكراهة المالك ، ففرض الشك فضلاً عن الظن بالرضا محكوم بالجواز بمقتضى الأصل ، بل قد صرح (قدس سره) في طي كلماته أنّه لولا قيام الاجماع على عدم جواز التصرف بمجرد الاحتمال والشك في الرضا لقلنا بالجواز حينئذ عملاً بمقتضى الأصل السليم عن المعارض .
وأما صورة الظن الحاصل من شهادة الحال فهي باقية تحت الأصل ، لعدم المخرج ، لانحصاره في الاجماع والأخبار ، وشيء منهما لم يثبت ، أما الاجماع فلاختصاصه بصورة الشك ولا إجماع مع الظن ، كيف وقد ادعى صاحب الحدائق أن المشهور حينئذ هو الجواز ـ كما تقدم ـ وأما الأخبار فهي ضعيفة سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ، فان التوقيع ضعيف السند ، وكذا رواية محمد بن زيد الطبري : «لا يحل مال إلا من وجه أحله الله»(1) مضافاً إلى قصور الدلالة ، لعدم العلم بمتعلق عدم الحلية ، ومن الجائز أن يراد به الاتلاف دون مطلق التصرفات .
ومنه يظهر ضعف دلالة الموثق : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه»(2) لما عرفت من احتمال أن يكون المقدّر خصوص التصرفات المتلفة لا مطلقها .
ثم ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه : أنّ هذا كله في غير الصلاة ، وأما هي وما يضاهيها فيجوز التصرف بمثلها لكل أحد في كل مال ، ولا يؤثّر فيه منع المالك بعد عدم تضرره بها ، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو الرجل في ملك الغير ، فانها كالاستظلال بظلّ جداره والاستضاءة بنور
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 538 / أبواب الأنفال ب 3 ح 2 .
(2) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلي ب 3 ح 1 .
ــ[56]ــ
سراجه ، فهي ليست من التصرفات الممنوعة الموقوفة على إجازة الملاّك ، لقصور الأدلة عن الشمول لها(1) . انتهى .
وفي كلامه (قدس سره) مواقع للنظر لا تخلو عن الغرابة مع ما هو عليه من الدقة والتحقيق ، بل لم نكن نترقب صدورها من مثله .
أما ما أفاده (قدس سره) أخيراً من إنكار صدق التصرف الممنوع على الصلاة في ملك الغير بغير رضاه ، وأنه مجرد استناد لا يمنع عنه العقل ما لم يتضرر به المالك ، فهو عجيب ، ضرورة أنّ الكون في ملك الغير والاستناد والاعتماد على مملوكه من دون رضاه من أظهر مصاديق التصرف وأوضح أنحاء المزاحمة مع سلطان الغير الذي يستقل العقل بقبحه ، وأنه بمجرده ظلم وتعد عليه سواء تضرّر به أم لا ، لعدم كون التضرر مناطاً في قبح التصرف المزبور كي يدور مداره قطعاً ، وإلا لجاز الدخول والمكث بغير رضاه والأكل والشرب من مال المتصرف والمقام مدة مديدة إذا فرض عدم تضرر المالك بها وإن كان كارهاً لها . وكل ذلك كما ترى لا يلتزم به المتفقّه فضلاً عن الفقيه .
نعم ، الاعتماد على ملك الغير مع كون المعتمد خارجه كالاتكاء من خارج الدار على الجدار جائز بلا إشكال ، لقيام السيرة القطعية العمليّة واستقرار بناء العقلاء على جوازه .
وأما قياس المقام بالاستظلال والاستضاءة كما صنعه (قدس سره) فهو مع فارق واضح ، بداهة أنّهما انتفاع بحت ولا دليل على حرمته بمجرده ، وأما المقام فهومن مصاديق التصرف كما عرفت .
وأما ما أفاده (قدس سره) من أنّ مقتضى الأصل جوازالتصرف في مال الغير ، فهو من غرائب الكلام بعد استقلال العقل واتفاق أرباب الملل والنحل على قبحه ومنعه كما اعترف هو (قدس سره) به في صدر كلامه ، فانه تعد وطغيان عليه وتصرف في سلطانه ولا ريب في بطلانه ما لم يثبت رضاه ، فليس
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستند 4 : 403 ، 406 .
|