ــ[57]ــ
[1335] مسألة 17 : تجوز الصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً بحيث يتعذر أو يتعسر على الناس اجتنابها وإن لم يكن إذن من ملاّكها ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين((1)) ، بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملاّك ((2)) ، وإن كان الأحوط التجنب حينئذ مع الامكان (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتضى الأصل هو الجواز حتى نحتاج إلى المخرج ، فتتطرق المناقشة فيه من حيث قصور الأخبار سنداً أو دلالة ، بل مقتضى الأصل هو المنع ، والجواز يحتاج الى الدليل ، فبدونه يحكم بالمنع عملاً باستصحاب عدم الرضا كما لا يخفى .
وأما ما أفاده (قدس سره) من المناقشة في دلالة الموثق باحتمال كون المتعلق خصوص الاتلاف ، فهو أيضاً يتلو سوابقه في الضعف ، فان إسناد عدم الحل إلى المال حيث لا يمكن ، لكونه عيناً خارجية فلا مناص من كون المتعلق محذوفاً ، وقد تقرّر أن حذف المتعلق يفيد العموم ، فجميع التصرفات المناسبة للمال المتلفة منها وغيرها متعلقة للمنع بمقتضى الاطلاق ، بعد عدم قرينة على التعيين كما هو ظاهر .
والمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنّ الأقوى اعتبار القطع في شاهد الحال وما في حكمه ، من قيام أمارة معتبرة كبيّنة ونحوها ، وأما الظن بمجرده الذي لم يقم دليل على اعتباره فهو ملحق بالشك وقد عرفت آنفاً أنّ الحكم في صورة الشك المنع عملاً بالاستصحاب .
(1) المعتمد في المسألة ـ بعد وضوح خلوّها عن النص الخاص ـ إنما هي السيرة القطعية العملية القائمة من المتشرعة حتى المبالين بالدين على التصرف في مثل هذه الأراضي ، وكذا الأنهار الكبيرة بالصلاة والتوضي وغيرهما من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل منع .
(2) الظاهر عدم الجواز في هذه الصورة .
ــ[58]ــ
أنحاء التصرفات وإن لم يعلم برضا الملاّك ، فيتصرفون ولا يستأذنون ، ولا ريب في اتصال هذه السيرة بزمن المعصومين (عليهم السلام)وإمضائها لديهم بعدم الردع ، إذ لو كانت حادثة لنقل تأريخها كما لا يخفى .
وهذا كله لا غبار عليه ، إنما الكلام في أنه هل يستكشف من السيرة إلغاء الشارع اعتبار رضا الملاّك في هذه الموارد ، فيكون ذلك بمنزلة التخصيص في دليل عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه لصدور الاذن حينئذ من المالك الحقيقي وهو الشارع ، نظير التصرف في موارد حق المارة ؟ أو أنّ السيرة قائمة على إحراز رضا الملاك من شاهد الحال وهو اتساع الأراضى وتركها بلا حيطان ، أو ترك أبوابها مفتوحة من دون حاجز ومانع ، فانّ ذلك كله كاشف نوعاً عن إذنه وطيب نفسه ، وإلا لما تركها كذلك ، وقد أمضى الشارع هذه الكاشفية بعدم الردع عنها ؟
وبعبارة اُخرى : هل السيرة قائمة على الحكم الواقعي وهو سقوط اعتبار رضا المالك حينئذ ، أو الظاهري وهو إحراز رضاه من تلك الشواهد ؟
فعلى الأول يجوز التصرف حتى مع العلم بكراهة المالك ، لعدم العبرة بكراهته ورضاه بعد صدور الاذن من المالك الحقيقي .
وعلى الثاني لايجوز لسقوط الحكم الظاهري مع العلم بالخلاف .
الظاهر هو الثاني فانّ السيرة لا لسان لها كي يعرف وجهها ويستكشف أنها على النحو الأول بعد ما كان المتيقن منها هو الثاني ، بل إنّا لم نعهد متديناً واحداً فضلاً عن كثيرين فضلاً عن البلوغ من الشيوع حد السيرة العملية يُقدم على تلك التصرفات حتى بعد العلم بكراهة الملاك .
فما أفاده في المتن من عدم استبعاد الجواز في هذه الصورة غير ظاهر بل ممنوع .
ثم إن الماتن عمّم الحكم لما إذا كان فيهم الصغار والمجانين وهذا وجيه مع الشك ، لاستقرار السيرة من المتشرعة على الاقتحام في تلك التصرفات من
ــ[59]ــ
دون تفتيش وتحقيق عن حال المالك وأنه صغير أو كبير ، أو حال الملاّك وأنّ فيهم الصغار والمجانين أم لا ، فلا يعتنون بهذا الاحتمال ، بل يأخذون بظاهر الحال من كونه بالغاً عاقلاً .
وكذا مع العلم فيما إذا كان هناك ولي إجباري من أب أو جدّ ، إذ العبرة حينئذ باستكشاف رضا الولي فيحرز بعين ما كان يحرز به لو كان الولي هو المالك ، أعني السيرة القائمة على الاعتناء بشاهد الحال من عدم بناء الجدران أو فتح البيبان الكاشف عن فسح المجال وإطلاق السراح للمتصرفين كما مرّ .
وقد ذكرنا في محله(1) عدم لزوم مراعاة الغبطة في تصرفات مثل هذا الولي التي منها اذنه للغير ، بل يكفي خلوّها عن المفسدة ولا تلزم وجود المصلحة . وبالجملة : العبرة برضا من كان مالكاً للتصرف ، سواء أكان مالكاً للعين أيضاً أم لا .
وأما إذا كان له ولي اختياري كحاكم الشرع فيشكل الحال ، لعدم الاعتبار حينئذ بمجرد رضا الولي كي يستكشف بما ذكر ، بل لابد من مراعاة الغبطة وكون التصرف صلاحاً للمولّى عليه ، على ما يقتضيه ظاهر قوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)(2) كما ذكرنا في محله فلا يجوز التصرف حتى مع العلم برضا الولي فضلاً عن إحرازه بشاهد الحال ونحوه ، لعدم كون تلك التصرفات بصلاحهم وإن لم تكن بفسادهم أيضاً . مع أنا لم نعهد ثبوت السيرة من متدين واحد فضلاً عن المتدينين على الاقتحام والاقدام في التصرف في مثل هذا الحال كما لا يخفى .
ومنه يظهر الاشكال في صورة الشك في كون الولي اختيارياً أو إجبارياً ، بعد العلم بوجود القصّر من الصغار أو المجانين ، لرجوعه إلى الشك في كفاية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقاهة 5 : 24 .
(2) الانعام 6 : 152 .
|