ــ[69]ــ
[1339] مسألة 21 : إذا أذن المالك بالصلاة خصوصاً أو عموماً ثم رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت ، وفي الضيق يصلي حال الخروج ـ على ما مرّ ـ وإن كان ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقراً وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت ، إلا إذا كان موجباً لضرر عظيم على المالك لكنه مشكل ، بل الأقوى وجوب القطع في السعة والتشاغل بها خارجاً في الضيق خصوصاً في فرض الضرر على المالك(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد يكون الرجوع قبل الشروع في الصلاة ، وقد يكون أثناءها ، وعلى التقديرين إما أن يكون ذلك في سعة الوقت أو في الضيق ، فالصور أربع .
أما إذا كان قبل الشروع ، ففي سعة الوقت لاإشكال في وجوب الخروج وتعيّن إيقاع الصلاة تامة الأجزاء والشرائط في المكان المباح ، فان المكث غصب بقاء فيجب الخروج تخلصاً وهو متمكن من إتيان الصلاة صحيحة بعد فرض السعة فلا مزاحمة بين التكليفين ، ولم يقع فيه خلاف من أحد ، قبال الفرض الآتي ـ أعني صورة الضيق ـ الذي قيل فيه بعدم الخروج ولزوم إيقاع الصلاة في نفس المكان قاراً كما ستعرف . وهذا هو مراده (قدس سره) من قوله : وجب الخروج في سعة الوقت ، أي إنّ وجوب الخروج حينئذ مما لا إشكال فيه ، بخلافه في فرض الضيق فانه محل للاشكال ، فتقييد وجوب الخروج بالسعة في محله ولا حاجة إلى التقدير كما قيل .
وأما في الضيق فالمشهور وجوب الصلاة مومئاً حال الخروج كما في المتن ، وقد ظهر وجهه مما تقدم في المسألة السابقة ، ولكن صاحب الجواهر مال إلى عدم الخروج فلا يعتني برجوع المالك بل يصلي في نفس المكان قاراً مع الركوع والسجود ، غير أنه (قدس سره) لم يجد قائلاً به ، بل ولا أحداً احتمله .
وملخص ما أفاده (قدس سره) في وجهه : أنّه تقع المزاحمة حينئذ بين دليل
ــ[70]ــ
حرمة الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، أعني ما دل على وجوب الانيان بالصلاة قاراً مع الركوع والسجود ، لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين بعد فرض الضيق ، فان الأوّل يقتضي الخروج ، والثاني يقتضي البقاء ولا يتيسّر الجمع ، ولكن حيث إن الخطاب بالصلاة ـ تامة الأجزاء والشرائط ـ سابق في الوجود على النهي عن الغصب ، لتحقق الأوّل بمجرّد دخول الوقت ، وعروض الثاني بعد رجوع المالك عن إذنه المفروض كونه في آخر الوقت وعند ضيقه ، ولا شك أنّ السبق الزماني من مرجحات باب التزاحم على ما هو المقرر في محله(1) .
وعليه فيتقدم دليل الأجزاء والشرائط على دليل الغصب فيلغى الثاني ولا يعتنى برجوع المالك ، فيصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على أقل الواجب مبادراً في أدائها ثم يخرج(2) .
هذا ، ولكنه كماترى واضح الضعف ، فان السبق الزماني إنما يرجح به فيما إذا كانت القدرة معتبرة في كلا المتزاحمين شرعاً ، كما لو دار الأمر بين ترك الصوم في اليوم الأول من شهر رمضان أو الثاني ، وأما إذا كانت في أحدهما عقلية وفي الآخر شرعية كما في المقام ، حيث إنّ القدرة لم تعتبر في حرمة الغصب إلا من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وإلا فهي غير دخيلة في الملاك ، بخلاف الصلاة فانها معتبرة في كل من أجزائها وشرائطها شرعاً ، كما يكشف عنه جعل البدل لكل منها لدى العجز ، فلا اعتبار حينئذ بالسبق الزماني بل الترجيح مع ما اعتبرت فيه القدرة عقلاً وإن كان بحسب الوجود متأخراً ، لكون التكليف فيه مطلقاً غير معلّق على شيء بخلاف الآخر فانه مشروط بالقدرة ، والأول بوجوده سالب للقدرة ومانع عن فعليّة التكليف ، لكونه معجّزاً عنه ورافعاً لموضوعه فلا يزاحم التعليقي مع التنجيزي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مصباح الاصول 3 : 361 .
(2) الجواهر 8 : 296 .
ــ[71]ــ
وبالجملة : القدرة العقلية بنفسها من المرجحات لدى المزاحمة بينها وبين القدرة الشرعية ، ولا مدخل للسبق الزماني حينئذ كما تقرر في الاُصول(1) .
وعليه فالنهي عن الغصب الحادث بعد رجوع المالك بنفسه يقتضي العجز عن كل شرط أو جزء صلاتي مناف للخروج فيسقط ، لاشتراطه بالقدرة كما عرفت ، وينتقل إلى بدله إن كان وإلا فيقتصر على الصلاة الفاقدة له التي هي بدل عن الواجدة لدى عدم القدرة .
والذي يوضح ما ذكرناه من تقديم دليل الغصب : أنّا لو فرضنا أنّ المكلف كان قادراً على الصلاة تامة الأجزاء والشرائط فعرض ما يوجب اضطراره إلى ترك الاستقرار والسجود كالسير فراراً من العدوّ ، فرأى في طريقه مكاناً مغصوباً يتمكن فيه من الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ، فدار أمره بين الغصب وبين الصلاة الاضطرارية ، فهل يمكن الالتزام بالأول بمجرد سبق الخطاب بالصلاة الاختيارية وحدوث النهي عن الغصب متأخراً .
أو لو فرضنا أنّ المكلف كان واجداً للماء المباح في أول الوقت فأريق فاضطر إلى التيمم ، وبعدئذ جاء مَن عنده الماء لكنه لم يرض بالتصرف فيه ، فدار أمره بين الأخذ منه غصباً والتوضي به ، وبين الطهارة الترابية ، فهل يصح القول بتقديم الأول والتصرف في الماء وعدم الاعتناء بنهي المالك لمجرد سبق الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائية ، ولحوق التكليف بالنهي عن الغصب ؟ لا نحتمل أن يلتزم الفقيه بشيء من ذلك ، وصاحب الجواهر أيضاً بنفسه لا يلتزم به قطعاً .
هذا كلّه فيما إذا كان الرجوع قبل الشروع .
وأما إذا كان في الأثناء ففي فرض الضيق يجري فيه ما مرّ آنفاً حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، لوقوع المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، غايته بقاء لا حدوثاً كما في سابقه ، فيتقدم الأول ، ويتم صلاته حال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاصول 3 : 358 .
ــ[72]ــ
الخروج ، وعلى القول الآخر ـ الذي مال إليه في الجواهر ـ يتمه قاراً مع الركوع والسجود ثم يخرج .
إنما الكلام في الصورة الرابعة : أعني الرجوع في الأثناء مع سعة الوقت ، فان فيه أقوالاً ثلاثة :
إتمامها في نفس المكان قاراً راكعاً ساجداً فلا يعتني بنهي المالك . وإتمامها حال الخروج مومئاً . وقطع الصلاة والاتيان بها في الخارج تامة الأجزاء والشرائط .
والقولان الأوّلان مبنيّان على حرمة قطع الصلاة في هذه الحالة ، فمع إنكارها وفساد المبنى كما هو الحق ـ على ما ستعرف ـ يتعين القول الأخير .
نعم ، بعد البناء على الحرمة فحيث تقع المزاحمة حينئذ بين دليل الأجزاء والشرائط وبين دليل حرمة التصرف في الغصب ، للعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما لا يخفى ، فان قدمنا الأوّل من أجل الترجيح بالسبق الزماني كما مال إليه في الجواهر ـ على ما مرّ ـ تعين القول الأول ، وإن قدّمنا الثاني لترجيح القدرة العقلية على الشرعية على ما عرفت ، تعين القول الثاني .
هذه مباني الأقوال ، وقد أشرنا إلى أنّ الأقوى هو القول الأخير ، لفساد مبنى القولين الأوّلين ، وهي حرمة القطع .
أمّا أوّلاً : فلأن مستند الحرمة إنما هو الاجماع الذي هو دليل لبّي والمتيقن منه غير المقام ، بل إنّا نجزم بعدم تحققه في المقام بعد اختلاف الأقوال في المسألة كما عرفت .
وثانياً : مع التنزل وتسليم استفادتها من دليل لفظي كقوله (عليه السلام) «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم»(1) فهو قاصر الشمول لمثل المقام ، إذ القطع إنما يحرم بعد الفراغ عن تمكن المكلّف من اتمام الصلاة صحيحةً لولا القطع والاّ فهي بنفسها باطلة منقطعة فلا معنى لتحريم قطعها ، وفي المقام التمكن من الاتمام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 11 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10 .
|