الشك في كرية الماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7810


    الماء المشكوك كريته

   (1) الماء الذي يشك في كريته إذا علم حالته السابقة من القلة أو الكثرة ، فلا كلام في استصحاب حالته السابقة فعلاً ويترتب عليه آثارهما .

   وأمّا إذا لم يعلم حالته السابقة فقد حكم في المتن بطهارته إذا لاقى نجساً إما باستصحابها أو بقاعدة الطهارة إلاّ أنه منع عن ترتيب آثار الكرية عليه ، فلم يحكم بطهارة ما غسل به من المتنجسات ، واستصحب نجاسة المغسول به كما لم يحكم بكفاية إلقائه على ما يتوقف تطهيره بالقاء كر عليه . والتفكيك بين المتلازمين في الأحكام الظاهرية غير عزيز ، فطهارة الماء وإن استلزمت طهارة ما يغسل به واقعاً إلاّ أن المفكك بينهما في مقام الظاهر هو الاستصحابان المتقدمان . نعم ، احتاط (قدس سره) بالتجنب عنه وإلحاقه بالقليل ، وقد خالفه في ذلك جماعة من الأصحاب وذهبوا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل على الأظهر .

ــ[176]ــ

نجاسة الماء المشكوك كريته الذي لم تعلم حالته السابقة من الكرية والقلة بوجوه قدّمناها كما قدمنا ما هو الصحيح منها (1) .

   منها : التمسك بعموم ما دلّ على انفعال الماء بالملاقاة ، وقد خرج عنه الكر ، وكرية الماء في المقام مشكوكة .

   وفيه : أن العام وإن دلّ على انفعال الماء بالملاقاة إلاّ أن التمسك بالعموم في المقام غير صحيح ، لأنه تمسك بالعموم في الشبهات المصداقية وهو غير سائغ ، إذ قد خرج عنه عنوان الكر وكرية الماء مشكوكة في مفروض الكلام فهو شبهة مصداقية للعام لا  محالة .

   ومنها : التمسك بقاعدة المقتضي والمانع . وقد أسلفنا أن تلك القاعدة لا ترجع إلى أساس صحيح إلاّ أن يراد منها استصحاب عدم المانع .

   ومنها : ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أن الاستثناء في المقام قد تعلق على عنوان الكر وهو عنوان وجودي ، وكلما تعلق الاستثناء على عنوان وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له ، فهو بمثابة اشتراط إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخارج عن الالزام أو ملزومه لدى العرف هذا ، ولكنّا أشرنا إلى أن العرف لا يستفيد من أمثاله دخالة إحراز العنوان الوجودي في الخروج عن المستثنى منه بوجه .

   ومنها : الاستصحاب وهو يجري في الموضوع تارة وفي وصفه اُخرى .

   أمّا الأول : فهو بأن يقال إن هذا المكان لم يكن فيه كر في زمان باليقين والآن كما كان ، لكن هذا الاستصحاب إنما يترتب عليه آثار عدم وجود الكر في ذلك المكان ولا يثبت به عدم كرية الماء الموجود فيه بالفعل إلاّ على القول بالاُصول المثبتة .

   ونظير ذلك ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أن استصحاب وجود الكر في مكان لا يثبت به أن الماء الموجود فيه بالفعل كر لأنه مثبت بالاضافة إليه ، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 101 .

ــ[177]ــ

كرية الماء الموجود فيه من الآثار المترتبة على بقاء الكر في المكان المذكور عقلاً (1) .

   وأمّا الثاني : فتقريبه أن يقال : إن هذا الماء الذي نراه بالفعل لم يكن متصفاً بالكرية قبل خلقته ووجوده ، لضرورة أن الكرية من الأوصاف الحادثة المسبوقة بالعدم ، فإذا وجدت ذات الماء وشـككنا في أن الاتصاف بالكرية أيضاً وجد معها أم لم يوجد فالأصل عدم حدوث الاتصاف بالكرية مع الذات .

   وهذا الاستصحاب خال عن المناقشة والايراد غير أنه مبني على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، وحيث إنّا أثبتنا جريان الاستصحاب فيها في محلّه فنلتزم في المقام بالاستصحاب المزبور وبه نحكم على عدم كرية الماء الذي نشك في كريته وعدمها .

   وأمّا ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أن العدم قبل وجود الموضوع والذات محمولي وهو بعد تحقق الذات والموضوع نعتي ، فقد عرفت عدم تماميته لأن المأخوذ في موضوع الأثر هو عدم الاتصاف لا الاتصاف بالعدم ، فراجع (2) .

   ثم إن في المقام كلاماً وهو التفصيل في جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية بين عوارض الماهية وعوارض الوجود بالالتزام بجريان الاستصحاب في الثاني دون الأول ، وحاصل هذا التفصيل : أن المستصحب إذا كان من عوارض الوجود كالبياض والسواد ونحوهما ، فلا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب في عدمه الأزلي لوضوح أن عدم مثل ذلك العارض قبل وجود موضوعه ومعروضه يقيني لا محالة فلا مانع من استصحاب عدمه المتيقن والبناء على أنه لم ينقلب إلى الوجود بوجود موضوعه .

   وأمّا إذا كان من عوارض الماهية فلا مجال فيه لاستصحاب عدمه الأزلي بوجه فانّه لا يقين سابق بعدم العارض المذكور حتى قبل وجود موضوعه ومعـروضه إذ المفروض أنه من عوارض الماهية وطوارئها ، فهو على تقدير ثبوته عارض ولازم له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 660 .

(2) ص 102 .

ــ[178]ــ

ولو قبل وجوده في الخارج (1) .

   وهذه الكبرى المدعاة قد طبقت على مثل العشرة كالعشرة من الرجال لأنها من عوارض الماهية دون الوجود ، وعلى الكرية المبحوث عنها في المقام ، لأنها أيضاً من عوارض ماهية الماء لا من عوارض وجوده ، حيث إن الكرية مرتبة وسيعة من مراتب طبيعة الماء فلا يصدق أن يقال إن كرية هذا الماء لم تكن قبل وجوده لأنه كر قبل وجوده وبعده ، لا أنه يتصف بالكرية بعد وجوده فلا مجال لاستصحاب العدم الأزلي في مثله ، فهنا مقامان للكلام :

   أحدهما : في أصل الكبرى المدعاة .

   وثانيهما : في تطبيقها على محل الكلام .

   أمّا المقام الأوّل : فحاصل الكلام فيه أنه لا معنى لعروض شيء على الماهية لنعبّر عنه وعن أمثاله بعوارض الماهية ، لأنها في نفسها ليست إلاّ هي فهي في نفسها معدومة وثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، ومع معدومية المعروض كيف يصح أن يقال إن له عرضاً موجوداً في الخارج . اللّهم إلاّ أن يراد من عوارضها ما  ينتزعه العقل عنها في نفسها لو خليت وطبعها كالامكان في الانسان ، لأن العقل إذا لاحظه في نفسه يرى أنه عادم بكلتا جهتي الوجوب والامتناع ، فيدرك إمكانه لا محالة ويعبّر عنه بعارض الماهية نظراً إلى أن الامكان لا يعرض على الانسان بعد وجوده ، لأنه محكوم بالامكان مطلقاً وجد في الخارج أم لم يوجد ويعبّر عنه أيضاً بالخارج المحمول بمعنى أنه خارج عن ذاتيات الماهية وليس من مقوماتها إلاّ أنه محمول عليها ، من غير حاجة في حمله إلى ضم ضميمة خارجية كما يحتاج إلى ضمها في حمل مثل العالم على الذات ، إذ لا يصح ذلك إلاّ بعد ضم العلم إليها ويعبّر عنه بالمحمول بالضميمة .

   وكيف كان فان اُريد من عوارض الماهية ما ينتزعه العقل منها في نفسها، فلا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في أمثال ذلك إلاّ أنه غير مستند إلى مغايرة الموجود للمعدوم والفرق بين عوارض الوجود وعوارض الماهية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الأفكار 4 : 200 .

ــ[179]ــ

   بل الوجه فيه عدم العلم بالحالة السابقة في مثله ، فان عوارض الماهية بهذا المعنى أزلية غير مسبوقة بالعدم ، فإذا شككنا في ثبوت الامكان للعنقاء مثلاً فلا نتمكن من استصحاب عدمه أزلاً ، إذ لا يقين لنا بعدم ثبوته له في زمان حتى نستصحبه ، لأنه لو كان ممكناً فهو كذلك من الأزل وإن لم يكن ممكناً فهو غير ممكن من الأزل ، وهي كالملازمات العقلية نظير ملازمة وجوب المقدمة لوجوب ذيها حيث إنها على تقدير ثبوتها أزلية غير مسبوقة بالعدم ، كما أشرنا إليه في أواخر بحث مقدمة الواجب .

   وعلى الجملة : عدم جريان استصحاب العدم الأزلي في هذه الصورة من أجل عدم العلم بالحالة السابقة ، ومن الظاهر أن جريانه في الأعدام الأزلية لا يزيد بشيء على جريانه في العدم أو الوجود النعتيين وجريانه فيهما مشروط بالعلم بالحالة السابقة فهذا ليس تفصيلاً في جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية بوجه .

   وإن اُريد من عوارض الماهية ما يعرض الشيء في مطلق وجوده ذهناً كان أم خارجاً ، كما هو أحد الاصطلاحين في عوارض الماهية كالزوجية العارضة للأربعة أينما وجدت ، فانّها إن وجدت في الذهن فهي زوج ذهناً وإن وجدت في الخارج فهي زوج خارجاً فهي لا تنفك عن الأربعة في الوجود ، في مقابل ما يعرض الشيء في وجوده الخارجي خاصة كالحرارة العارضة للماء في الخارج ، لبداهة عدم عروضها عليه في الذهن فهو اصطلاح محض ، وإلاّ فهو من عوارض الوجود الأعم من الذهني والخارجي لا من عوارض الماهية ، لأن عارض الوجود على أقسام منها ما  يعرض وجود الشيء ذهناً فقط كما في قولنا الانسان نوع ، لأنه نوع في وجوده الذهني دون الخارجي ، ومن هنا يعبّر عنه بالمحمولات الثانوية ، بمعنى أن النوع إنما يحمل على الانسان بعد تصوره وتلبسه بالوجود ذهناً ، فأوّلاً يتصور الانسان وثانياً يحمل عليه النوع ، ومنها ما يعرض الشيء في وجوده الخارجي خاصة كما في عروض الحرارة على النار ، ومنها ما يعرض الشيء في مطلق وجوده إن ذهناً فذهناً وإن كان خارجاً فخارجا .

   وكيف كان فعدّ مثل ذلك من عوارض الماهية مع أنه من عوارض الوجود اصطلاح محض لا واقعية له . وعليه فان صحّ جريان استصحاب العدم الأزلي في

ــ[180]ــ

عوارض الوجود صح جريانه فيما يعرض الأعم من الوجود الخارجي والذهني أيضاً هذا كلّه في الكلام على أصل الكبرى .

   وأمّا الكلام في تطبيقها على الكرية فبيانه : أن الكرية من مقولة الكم المتصل ، فانّها عبارة عن كثرة الماء الواحد بحد تبلغ مساحته سبعة وعشرين شبراً ، أو يبلغ وزنه ألفاً ومائتي رطل عراقي ، والكم من إحدى المقولات العرضية التسعة التي هي من عوارض الوجود ، وبهذا يتضح أن الكرية من عوارض وجود الماء خارجاً وليست من عوارض الماهية ولا من عوارض الأعم من الوجود الخارجي والذهني ، وذلك لأن الماء في نفسه وماهيته لم يؤخذ فيه كم خاص ، إذ كما أن القليل تصدق عليه ماهية الماء كذلك الكر وأضعافه كالبحار ، كما أن تصور الماء لا يلازم وجود الكرية في الذهن .

   نعم ، القلة والكرية من عوارض وجوده الخارجي فصح أن يقال : إن هذا الماء لم يكن كرّاً قبل وجوده ، كما أنه لم يكن متصفاً بغير الكرية من الأوصاف الخارجية ، فان الأوصاف إذا لم تكن من عوارض ماهية الشيء فهي حادثة مسبوقة بالعدم لا محالة وقد عرفت أن الكرية ليست من عوارض ماهية الماء . فإذا علمنا بوجود الماء وتحققه وشككنا في تحقق الكرية معه فنستصحب عدمها الأزلي ، فالانصاف أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في العدم الأزلي فيما نحن فيه ، بل إن جريان الاستصحاب في عدم الكرية أولى من جريانه في عدم القرشية فليلاحظ .

   هذا كلّه على أ نّا نقول : إن الحكم بقلة الماء المشكوك كريته وعدم اعتصامه لا يتوقف على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، فان الأصل يجري في عدم كرية المشكوك حتى على القول بعدم جريانه فيها أي في الأعدام الأزلية ، والسر في ذلك أن الأصل في عدم كرية المشكوك يجري في العدم النعتي دون المحمولي ، وتوضيح ذلك :

   أن جملة من الآيات المباركة كما عرفت قد نطقت بأن المياه كلّها نازلة من السماء وذكر المستكشفون العصريون أن أصل مياه الأرض هو المطر ، وبعد ما نزلت المياه من السماء وهي قطرات تشكلت منها البحار والأنهار والكر وغيرها بضم بعضها إلى

ــ[181]ــ

بعض ، وعلى هذا نقطع بأن المياه الموجودة في الأرض كلّها مسبوقة بالقلة لا محالة لوضوح أن الكر والبحار لم تنزل من السماء كرّاً وبحاراً وإنما تنزل منه القطرات وتتشكل الأنهار والكر وغيرهما من تلك القطرات الواقعة على وجه الأرض ، فالمياه بأجمعها مسبوقة بعدم الكرية فحينئذ نشير إلى الماء المشكوك ونقول : إنه كان في زمان ولم يكن كرّاً ونشك في اتصافه بالكر وعدمه فالأصل أنه باق على اتصافه بعدم الكرية ، ومجرى هذا الأصل كما ترى هو عدم الكرية على وجه النعت ومعه لا يتوقف الحكم بعدم كرية المشكوك في المقام على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية .

   ودعوى : أن لازم هذا البيان القطع بأن المياه الكائنة في الأرض بأجمعها مسبوقة بالاعتصام لأن أصلها المطر وهو معتصم كما يأتي عن قريب ، فعند الشك في عصمة ماء وعدمها نستصحب اعتصامه .

   مدفوعة بأنها تبتني على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ، لأن العصمة عند نزول المياه تتحقق في ضمن فرد وهو المطر وهي قد انعدمت قطعاً لنزولها على الأرض، ونشك في تبدلها إلى العصمة في ضمن فرد آخر وهو الكر فالاستصحاب فيه من القسم الثالث من الكلي ولا نقول بجريانه .

   ثم لو تنزلنا وبنينا على عدم جريان الاستصحاب في عدم الكرية على وجه النعت بدعوى أنه من التدقيقات العقلية والأخبار لا تشمل مثلها ، ولا في عدمها المحمولي بدعوى أن الكرية من عوارض الماهية ، فهل نلتزم بما أفتى به في المتن من الحكم بطهارة الماء ونجاسة المغسول به كل بحسب الأصل الجاري فيه بخصوصه ؟ الالتزام بما أفاده في المتن هو المتعيّن .

   وتحقيق هذا الكلام وتأسيس الأصل فيه إنما ينفع على غير مسلكنا من عدم جريان الأصل في العدم الأزلي ، وينفع على مسلكنا أيضاً في غير هذه المسألة ، لأن الشك في كرية الماء قد يفرض فيما إذا كان الماء مسبوقاً بحالتين متضادتين بأن علمنا بكريته في زمان وقلته في زمان آخر واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ، إذ لا مجال في مثله لاستصحاب العدم الأزلي للقطع بانقطاع العدم وانقلابه إلى الوجود ، ولا لاستصحاب العدم النعتي لأن القلة السابقة فيه تبدلت بالكرية قطعاً .

ــ[182]ــ

   ومعه لا مجال لشيء من استصحابي القلة والكرية ، إما للمعارضة أو لعدم المقتضي لجريانهما رأساً لعدم احراز اتصال زمن الشك بزمان اليقين على الخلاف ، وعليه فلا بدّ من تأسيس أصل آخر يرجع إليه في المسألة وهو قاعدة الطهارة في الماء أو استصحابها لأنه مسبوق بالطهارة وبهما نحكم بطهارته ، وهو ظاهر ويبقى الكلام بعد هذا في موردين :

   أحدهما : ما إذا غسلنا متنجساً بالماء المشكوك كريته من غير مراعاة شرائط الغسل بالقليل من الصب أو الغسل مرتين ، بأن غمسناه في الماء أو غسلناه فيه مرة واحدة ، فهل يحكم بطهارة كل من الماء والمغسول به معاً أو بنجاستهما كذلك أو يفصل بينهما بالحكم بطهارة الماء ونجاسة المغسول به ؟

   الأخير هو الصحيح ، أمّا طهارة الماء فلما مرّ من أنه مشكوك الطهارة والنجاسة ومقتضى قاعدة الطهارة طهارته ، بل الاستصحاب أيضاً يقتضي طهارته لجريانه في الأحكام الجزئية والشبهات الموضوعية ، على ما دلت عليه صحيحة زرارة الواردة في الاستصحاب فراجع . وأمّا نجاسة المغسول بالماء المذكور فلأجل إنّا أيّ مطهّر فرضناه شرعاً فوقوعه على المغسول المتنجس أمر حادث مسبوق بالعدم لا محالة ، فإذا شككنا في وقوع المطهّر على المغسول به وعدمه فنستصحب عدم وقوعه عليه وبه يحكم ببقائه على نجاسته ، وإن كانت الملازمة الواقعية بينهما من حيث الطهارة والنجاسة تمنع التفكيك المزبور بالحكم بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر ، ولكن التفكيك بين المتلازمين ظاهراً لاقتضاء أصليهما ذلك مما ليس بعزيز ، ولا مانع من العمل بكل واحد من الأصلين المخالف أحدهما للواقع ما لم يستلزم العمل بهما مخالفة عملية قطعية لحكم ، ولا تلزم المخالفة العملية في المقام من العمل بكل واحد من الاستصحابين فيجوز شرب الماء المذكور والتوضؤ به شرعاً وتبطل الصلاة في المغسول به لنجاسته .

   وثانيهما : ما إذا ألقينا الماء المشكوك كريته على ماء نجس لتطهيره فهل يحكم بطهارة كليهما أو بنجاستهما أو فيه تفصيل ؟ ذهب في المتن إلى عدم تطهيره للنجس والصحيح أن يفصّل في المسألة فإن المائين في مفروض المقام إما أن يتصل أحدهما بالآخر فحسب ، وإما أن يمتزجا ويتداخل أجزاؤهما .

ــ[183]ــ

   وعلى الأوّل إمّا أن نلتزم بعدم كفاية مجرد الاتصال في تطهير الماء المتنجس وإما أن نلتزم بكفايته ، فان قلنا بعدم كفاية الاتصال فالماء المتنجس باق على نجاسته ، حيث لا مقتضي لزوالها كما أن الماء المشكوك كريته باق على طهارته باستصحابها ، وأمّا إذا قلنا بكفاية مجرد الاتصال فالظاهر أنه لا مانع من جريان كل واحد من استصحابي الطهارة والنجاسة فنحكم بطهارة أحد طرفي الماء وبنجاسة الآخر كما التزمنا بذلك في الماء والثوب المتنجس المغسول به ، اللّهم إلاّ أن يدعى الاجماع على أن الماء الواحد لا  يحكم عليه بحكمين متضادين ولو كانا ظاهريين ، فان الاستصحابين يتعارضان حينئذ فيرجع إلى قاعدة الطهارة .

   وعلى الثاني أعني صورة امتزاجهما وتداخل أجزائهما ، فإمّا أن يندك الماء المتنجس في الماء المشكوك كريته لقلة الأوّل وكثرة الثاني ، وإما أن يندك الماء المشكوك كريته في الماء المتنجس لكثرته وقلة الأول ، وإما أن لا يندك أحدهما في الآخر لتساويهما أو زيادة أحدهما على الآخر على وجه لا يوجب الاندكاك وهذه صور ثلاث :

   أمّا الصورة الاُولى : فلا ينبغي الاشـكال في الحكم بطهـارة كلا المـاءين ، فانّه لا وجود استقلالي للماء المتنجس في قبال المشكوك كريته لفرض اندكاكه فيه وانعدامه عرفاً ، والماء المشكوك كريته محكوم بالطهارة باستصحابها .

   وأمّا الصورة الثانية : فهي مع الصورة المتقدمة متعاكستان فلا بدّ من الحكم فيها بنجاسة الجميع ، لاندكاك الطاهر وهو الماء المشكوك كريته في ضمن المتنجس وهو محكوم بالنجاسة .

   وأمّا الصورة الثالثة : فالاستصحابان فيها متعارضان وبعد تساقطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة ، وهذا لا لأجل الاجماع على أن الماء الواحد لا يحكم عليه بحكمين متضادين كما ادعوه في الماء المتمم كرّاً ، فانّه إنما لا يتصف بهما واقعاً لتلازمهما من حيث الطهارة والنجاسة ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فلا مانع من الحكم بنجاسة بعضه وطهارة بعضه الآخر كل بحسب الأصل الجاري فيه .

   وإنما لا نحكم بهما في المقام للقطع بأن الأجزاء المتداخلة لا يختلف حكمها طهارة ونجاسة ولو ظاهراً ، وعليه فيتعارض الاستصحابان فيرجع إلى قاعدة الطهارة .

ــ[184]ــ

   [ 106 ] مسألة 8 : الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم السابق من الملاقاة والكرية إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية حكم بطهارته ، وإن كان الأحوط التجنّب ((1)) ، وإن علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته . وأمّا القليل المسبوق بالكرية الملاقي لها ، فان جهل التاريخان أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة مع الاحتياط المذكور، وإن علم تاريخ القلة ((2)) حكم بنجاسته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ويمكن أن يقال بعدم جريان استصحاب الطهارة في نفسه ، لأن الاستصحاب أصل عملي والاُصول العملية إنما تجري فيما ترتب عليها أثر عملي، ومن هنا سمِّيت بالاُصول العملية ، ومن الظاهر أن الحكم بالطهارة في جملة من الأجزاء المتداخلة في الماء المجتمع ممّا لا تترتّب عليه ثمرة عملية ، لوضوح أن أثر الطهارة في الماء إما هو شربه أو التوضؤ به أو غيرهما من الآثار ، ومن البيّن أنه لا يترتب شيء منها على الأجزاء المتداخلة في مفروض الكلام لنجاسة الأجزاء الاُخر واتحادهما وجوداً ، وعليه فاستصحاب النجاسة يبقى بلا معارض ، فلا مناص حينئذ من الحكم بنجاسة الجميع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net