الشرط التاسع - الشرط العاشر \ اختلاف الأخبار في المسألة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6586


   التاسع : أن لا يكون محل السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجيء في باب السجدة(1) .

   العاشر : أن لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد ، بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له(2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرطاً آخر معتبراً في نفس المكان . نعم تعتبر الطهارة في خصوص المسجد ، أعني مكان الجبهة ، وسيجيء البحث حوله في مبحث السجود إن شاء الله تعالى .

   (1) سيجيء البحث عنه مفصلاً في باب السجدة عند تعرض الماتن له إن شاء الله تعالى .

   (2) نسب إلى غير واحد من المتقدمين ، بل إلى المشهور بينهم المنع عن صلاة الرجل والمرأة في مكان واحد مع تقدم المرأة أو كونها بحذاء الرجل .

   وحكي عن غير واحد من المتأخرين بل عامتهم عدا النادر ـ كما في مصباح الفقيه(1) ـ القول بالجواز مع الكراهة ، وعن الجعفي التفصيل بين ما إذا كان البعد بينهما أقل من عظم الذراع ـ أي الشبر ـ فالمنع ، وإن كان بقدره أو أكثر فالكراهة(2) .

   وكيف كان ، فلا خلاف بين الأصحاب في ارتفاع الحكم منعاً أو كراهة مع وجود الحائل أو الفصل بمقدار عشرة أذرع ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار فانها على طوائف ثلاث .

   الاُولى : ما تضمنت المنع مطلقاً ، وهي عدة أخبار فيها الصحاح والموثقات :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 178 السطر 6 .

(2) [حكى عنه في الذكرى 3 : 82 المقطع الأوّل فقط] .

ــ[106]ــ

   منها : صحيحة ادريس بن عبدالله القمي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً ، فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك وان كانت تصلي فلا»(1) .

   وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن المرأة تصلي عند الرجل ، فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدامها ولو بصدره»(2) .

   وموثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي ، قال : إن كانت تصلي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه»(3) .

   وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال : «سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً ، قال : لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة»(4) ونحوها غيرها .

   الثانية : ما تضمنت الجواز مطلقاً :

   منها : ما رواه الشيخ باسناده عن الحسن بن علي بن فضال عمّن أخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه ، قال : لا بأس»(5) وهذه الرواية كما ترى مرسلة لا يعتمد عليها ولا جابر لها بعد ما عرفت من كون المسألة خلافية ، بل كون المشهور بين القدماء هو المنع . مع أنّ كبرى الانجبار ممنوعة كما مرّ غير مرّة .

   وإنما تعرضنا لها دفعاً لما قد يتوهم من صحتها من جهة كونها من روايات بني فضال الذين قال العسكري (عليه السلام) في كتبهم : «خذوا ما رووا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 121 / أبواب مكان المصلي ب 4 ح1 .

(2) ، (3) الوسائل 5 : 127 / أبواب مكان المصلي ب 6 ح2 ، 4 .

(4) الوسائل 5 : 124 / أبواب مكان المصلي ب 5 ح2.

(5) الوسائل 5 : 125 / أبواب مكان المصلى ب 5 ح 6 ، التهذيب 2 : 232 / 912 .

ــ[107]ــ

وذروا ما رأوا» وأوّل من صدرت عنه هذه الدعوى ـ على الظاهر ـ هو شيخنا الأنصاري (قدس سره) حيث نقل في أول صفحة من مبحث الجماعة رواية مرسلة في طريقها علي بن فضال ، وحكم بصحتها لما ذكر(1) ، وتبعه فيها جمع ممن تأخر عنه .

   وفيه أوّلاً : أنّ الرواية في نفسها ضعيفة السند ، فانها مروية عن عبدالله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح ، «قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم عن كتب ابن أبي العزاقر ـ أي الشلمغاني ـ بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال : أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن ابن علي (عليه السلام) وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال (عليه السلام) : خذوا منها بما رووا وذروا ما رأوا»(2) وعبدالله الكوفي مهمل في كتب الرجال .

   وثانياً : مع الغض عن السند فغاية ما تقتضيه الرواية توثيق بني فضال بأنفسهم وأنّ انحراف عقيدتهم لا يضرّ بوثاقتهم كما كانوا عليه حال استقامتهم من الأخذ برواياتهم ، ومن الظاهر أنّ هذا لا يقتضي تصحيح كل خبر كانوا في طريقه حتى لو رووه مرسلاً عن مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً من مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من الثقات الذين لا يعمل بمراسيلهم حتى نفس بني فضال حال استقامتهم ، إذ لا يحتمل أن يكون انحرافهم موجباً لارتفاع شأنهم عن حال الاستقامة حتى يقتضي الأخذ بمراسيلهم .

   وبالجملة : فلا ينبغي التشكيك في ضعف سند الخبر وعدم اعتباره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر عليه في مبحث الجماعة وانمّا وجدناه في مبحث المواقيت أول كتاب الصلاة 1 :  36 .

(2) الغيبة : 389 / 355 ، الوسائل 27 : 102 / ابواب صفات القاضي ب 8 ح 79 .

ــ[108]ــ

   ومنها : صحيح جميل(1) عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه «قال : لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي ، فان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد»(2) .

   ونوقش فيه : باضطراب المتن ، لعدم ارتباط التعليل بمورد الخبر ، وعدم انطباقه عليه ، إذ لا كلام في جواز صلاة الرجل وبين يديه أو بحذائه امرأة نائمة أو قائمة في غير صلاة . كما دل عليه غير واحد من الأخبار ، فالاستشهاد بقصة النبي (صلى الله عليه وآله) مع عائشة وهي مضطجعة لا سيما وهي حائض ، وذكرها في مقام التعليل لجواز صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، مما لا يناسبه ولا يلائمه .

   ومن هنا استظهر في الوافي ـ على ما في الحدائق ـ حصول التصحيف في الخبر ، وأنّ الصواب في العبارة «أنه لا بأس أن تضطجع المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فان النبي (صلى الله عليه وآله) . . . الخ»(3) .

   وفيه : ما لا يخفى ، فان الرواية مذكورة في جميع كتب الحديث بصورة «تصلي» كما أثبتناها دون «تضطجع» فالرواية إذن تامة سنداً ودلالة ، وإنما الكلام في ربط التعليل بالحكم .

   ويمكن توجيهه ـ بناء على المشهور بين المتأخرين من الجواز عن كراهة ـ بأن التقدم لو كان مانعاً فانما هو من جهة وجود المرأة بين يدي الرجل من غير خصوصية لصلاتها ، وحيث قد ثبت صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) وعائشة بين يديه ، فلا مانع إذن من تقدمها عليه ، وإن كانت تفترق حالة الصلاة عن غيرها من حيث الكراهة وعدمها بمقتضى نصوص التفصيل والجمع بين الأخبار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المراد به جميل بن دراج وقد تقدم الكلام في سنده [في هامش ص 88] .

(2) الوسائل 5 : 122 / أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4 .

(3) الحدائق 7 : 178 ، الوافي 7 : 480 / 6399 .

ــ[109]ــ

   نعم ، مفاد التعليل جواز التقدم وهو غير المحاذاة المذكورة في صدر الصحيحة ، ولكن جوازه يدل على جوازها بطريق أولى .

   وكيف ما كان ، فلو سلّم فغايته تشويش الصحيحة من هذه الناحية وهو غير ضائر بما هو محل الاستشهاد بعد صراحتها فيه كما لا يخفى .

   ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إنما سميت بكة ، لأنه تبك فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان»(1) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها جوازاً ومنعاً ، وإن ثبت الفصل كراهة بمقتضى نفس هذه الصحيحة بعد حمل الكراهة الواردة فيها على الكراهة المصطلحة . إذن فتكون الصحيحة صريحة في الجواز ، وبذلك يحمل المنع في الطائفة الاولى المفصّلة بين حالتي صلاة المرأة وعدمها على الكراهة ، فترتفع المنافاة بينها وبين الطائفة الثانية .

   الطائفة الثالثة : ما تضمّنت التفصيل ، ففي موثقة عمار إناطة الجواز بالفصل بينهما بمقدار عشرة أذرع «عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي ؟ قال : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس . . .» الخ(2) .

   فلو كنا نحن وهذه الموثقة لأخذنا بها وحكمنا بهذا التفصيل ، إلاّ أنّ هناك روايات اُخرى تضمّنت تحديد الفصل بمقدار شبر واحد ، وأنّه إذا كانت الفاصلة بهذا المقدار صحت الصلاة ، وإن كانت دونه بطلت .

   ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الموثقة الالتزام بالكراهة فيما إذا كان الفصل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 126 / أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10 .

(2) الوسائل 5 : 128 / أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1 .

ــ[110]ــ

عشرة أذرع فما دون ، والمنع لو كان أقل من الشبر . وهذا القول وإن كان شاذاً ولم يلتزم به إلاّ الجعفي كما سبق(1) إلاّ أنَّ نتيجة الجمع بين الأخبار هو ذلك .

   ودعوى اختلاف ألسنة الروايات في بيان الحدّ ، ففي بعضها التحديد بموضع رحل ، وفي آخر بعظم الذراع أو ما لا يتخطى ، وفي ثالث بالشبر أو الذراع ، وفي رابع بعشرة أذرع ، وهذا الاختلاف كاشف عن اختلاف مراتب الكراهة حتى بالنسبة إلى الشبر ، لاتحاد السياق .

   مدفوعة : بأنّ التحديد بالشبر الذي هو أقل تلك المراتب صريح في المانعية فيما دون هذا الحد من غير معارض ، وفي عدم المانعية في نفس هذا الحد فما فوق ، فيحمل ما دلّ على المنع في ذلك على الكراهة حسب اختلاف مراتبها من حيث قلة الفصل وكثرته ، وإليك تلك الأخبار :

   فمنها : صحيحة معاوية بن وهب(2) عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس»(3) .

   وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس»(4) وعظم الذراع قريب من شبر .

a   وما رواه الشيخ باسناده عن أبي بصير ليث المرادي قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع»(5) ولكن في السند الحسن الصيقل ، وفيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 105 .

(2) في طريق الصدوق إلى معاوية بن وهب محمد بن علي ما جيلويه ولم يوثق [راجع الفقيه 4 (المشيخة) : 31] .

(3) ، (4) الوسائل 5 : 125 / أبواب مكان المصلي ب 5 ح 7 ، 8 .

(5) الوسائل 5 : 124 / أبواب مكان المصلي ب 5 ح 3 .

ــ[111]ــ

كلام ، بل هو مجهول على الأظهر .

   وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الاُخرى ، قال : لا ينبغي ذلك ، فإن كان بينهما شبر اجزأه يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر»(1) هكذا رواها في التهذيب(2) ولعل التفسير من الشيخ نفسه لا من الراوي كما يعضده خلو رواية الكافي(3) عنه ، غير أنه يشكل على هذا باستبعاد كون الفاصلة بين زاويتي الحجرة بمقدار الشبر ، بل امتناعه عادة . ومن هنا يتقوى ما في نسخة الكافي من روايتها بصورة «ستر» بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق بدلاً عن «شبر»(4) فتكون الصحيحة عندئذ أجنبية عن محل الكلام وناظرة إلى اعتبار الستار بين الرجل والمرأة لدى صلاتهما بحيال الآخر ، ومطابقة مع ما رواه ابن ادريس باسناده عن محمد الحلبي الواردة بنفس هذا المضمون(5) .

   وكيف ما كان ، فكلمة «لا ينبغي» ظاهرة في الحرمة دون الكراهة المصطلحة كما مر غير مرّة .

   والعمدة هما الروايتان الأولتان ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما وبين بقية الروايات هو الالتزام بمقالة الجعفي من المنع فيما دون الشبر ، والجواز عن كراهة فيه فما فوق إلى عشر اذرع حسب اختلاف المراتب .

   والمتلخص من جميع ما ذكرناه : أنّ المعتبر لدى اجتماع الرجل والمرأة للصلاة في مكان واحد تأخر المراة وتقدّم الرجل ولو بصدره ، فان تقدّمت عليه ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 123 / أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1 .

(2) التهذيب 2 : 230 / 905 .

(3) الكافي 3 : 298 / 4 .

(4) [الموجود في نسخة الكافي المطبوعة هو «شبر» لا «ستر»] .

(5) الوسائل 5 : 130 / أبواب مكان المصلي ب 8 ح3 ، االسرائر 3 (المستطرفات) : 555 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net