الجهة الثانية : قد عرفت أنّ الموضوع لوجوب السجود هو عنوان الأرض ، فكل ما صدق عليه اسم الأرض جاز السجود عليه ، سواء أكان من المعادن أم غيرها ، إذ لم يؤخذ في مفهوم المعدن خروجه عن اسم الأرض لا لغة ولا عرفاً ، كما أنّ عنوان المعدن لم يؤخذ موضوعاً لجواز السجود ولا لعدمه في شيء من الروايات حتى الضعيفة كي يتكلّم في تحقيق هذا المفهوم سعة وضيقاً .
وبالجملة : الحكم دائر نفياً وإثباتاً مدار صدق اسم الأرض ، فمهما صدق العنوان جاز السجود عليه ، وإن صدق عليه اسم المعدن أيضا ، وإلا فلا ، وقد عرفت حكم الشك آنفاً .
الجهة الثالثة : في تحقيق حال الأمور المذكورة في المتن من أمثلة المعدن ، وأنها هل تصدق عليها اسم الأرض كي يصح السجود عليها ـ كما عرفت ـ أو لا ؟
أمّا الذهب والفضة فلا ارتياب في عدم صحة السجود عليهما ، لخروجهما عن اسم الأرض ونباتها ، ضرورة أنّهما ليسا من الأرض ، وإنّما هما فلزّان مخصوصان يتكوّنان في الأرض بقدرته تعالى ، وإن كانت موادّهما متخذة من نفس الأرض على كلام فيه ، لذهاب جملة من متأخري الفلاسفة إلى كونهما بسائط بالذات مباينة مع الأرض في حقائقها وماهيتها .
وكيف كان ، فلا ريب في عدم صدق الأرض عليهما كنباتها .
وأما العقيق والفيروزج ونحوهما من الأحجار الكريمة ، ففي خروجها عن
ــ[142]ــ
اسم الأرض تأمل بل منع ، إذ لا نرى فرقاً بينها وبين بقية الأحجار كالحصاة ونحوها في صدق اسم الأرض عليها ، غايته أنّها تشتمل على صفات خاصة من الصفاء والجلاء واللون الخاص الموجب لرغبة العقلاء إليها ، وبذل المال بازائها ، وبذلك أصبحت من الأحجار الكريمة . مع أنّ هذه الصفات ربما توجد بمثلها بل فوقها في غيرها من سائر الأحجار كبعض الحصيات الواقعة في قعر الأنهار ، أو كبعض أنواع الزجاج ، ومع ذلك لا تعدّ كريمة ولا يرغب فيها العقلاء .
وبالجملة : اتصاف تلك الأحجار بكونها كريمة وشرائها بأغلى الثمن لعلّة لا نعرفها ، لا يستوجب خروجها عن صدق اسم الأرض . وقد نقل أنّ بعض أراضي إفريقيا كلها عقيق ، فهل ترى فرقاً بينها وبين سائر الأماكن من بقية بقاع الارض في صدق اسم الأرض عليها .
هذا ومع التنزل فلا أقلّ من الشك واحتمال صدق الأرض عليها وقد عرفت في الجهة الاُولى أنّ المرجع عند الشك في موارد الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، فتقيّد المسجد بعدم كونه من هذه الأحجار مشكوك يدفع بالأصل .
وعليه فالأقوى ـ خلافاً للمشهور ومنهم الماتن ـ جواز السجود عليها ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور ، وقد يتفق أنّ السجود عليها مقتضى الاحتياط كما لا يخفى .
|