ــ[167]ــ
[1370] مسألة 22 : يجوز السجود على القرطاس ، وإن كان متخذاً من القطن أو الصوف أو الابريسم والحرير وكان فيه شيء من النورة ، سواء كان أبيض أو مصبوغاً بلون أحمر أو أصفر أو أزرق أو مكتوباً عليه ، إن لم يكن مما له جرم حائل مما لا يجوز السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه ، وكذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل (1) .
[1371] مسألة 23 : إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه من الأرض ، أو نباتها أو القرطاس، أو كان ولم يتمكن من السجود عليه لحرّ أو برد أو تقية أو غيرها، سجد على ثوبه((1)) القطن أو الكتّان (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانفصال ، فانّ الحال فيها هو الحال في قشر اللوز والجوز بعده الذي عرفت جواز السجود عليه ، لعدم صلاحيته للأكل ، بل قد عرفت الجواز فيهما حتى حال الاتصال ، فكذا في المقام لوحدة المناط ، وإن لم يكن بذاك الوضوح .
واحتمال التمسك بالاستصحاب - بناء على المنع - لما بعد الانفصال الذي لعله هو منشأ استشكال الماتن في المقام ، قدعرفت فساده هناك فلاحظ .
وأما قشر الخيار والتفاح وكذا الباذنجان ، فحيث إنّه قابل للأكل ولو بالعلاج فالمنع عنه متعيّن .
(1) تكلمنا حول هذه المسألة في صدر المبحث مستقصى(2) ، وعرفت أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس ، سواء اتخذ مما يصح السجود عليه أم لا ، لاطلاق النصوص ، نعم لو كانت عليه كتابة لها جرم حائل متخذ مما لا يصح السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه لا يجوز السجود عليه كما تعرّض له في المتن .
(2) يقع الكلام في جهتين :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد جوازه على مطلق الثوب ، ولو كان من غير القطن والكتّان ، هذا في غير حال التقية ، وأمّا فيها فيجوز السجود على كلّ ما يتحقق به التقية .
(2) في ص 134 .
ــ[168]ــ
إحداهما : في جواز الانتقال حال الاضطرار - لفقد ما يصح السجود عليه ، أو عدم التمكن من استعماله لحرّ أو برد أو تقية - إلى ما لا يصح السجود عليه اختياراً ومشروعية البدل ولو في الجملة .
الثانية : في ترتيب الأبدال بعضها على بعض ، وأنّ أياً منها يتقدم على الآخر .
أمّا الجهة الأولى : فالظاهر أنّ ذلك مما لا خلاف فيه ، وتقتضيه جملة من النصوص فيها الصحيح والموثق :
منها : رواية عيينة بيّاع القصب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن اُصلي على الحصى ، فابسط ثوبي فاسجد عليه ، قال: نعم ، ليس به بأس»(1)، وهذا الرجل مذكور في الاستبصار بلفظ عيينة(2) كما ذكر وفي التهذيب بلفظ عتيبة(3) . والظاهر اتحادهما بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه كما استظهره في جامع الرواة(4) وأنّ الاختلاف من الناسخين . والمذكور في النجاشي(5) عتبة - من دون الياء -(6) ووثقه صريحاً ، فان كان الرجل هو عتبة الذي وثقه النجاشي كما هو الظاهر ، بل لعله المطمأن به ، كانت الرواية صحيحة ، وإلا فالسند مخدوش لجهالة غيره .
هذا من حيث السند ، وأمّا الدلالة ، فقد يخدش فيها بكونها أجنبية عن محل الكلام ، إذ الغالب في مفروض السؤال تمكن السائل من السجود تحت السقف أو وضع شيء مما يصح السجود عليه على ثوبه من تراب أو خشب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 350/ أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1 .
(2) ، (3) الاستبصار 1 : 332/1248 ، التهذيب 2 : 306/1239 ، [ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة] .
(4) جامع الرواة 1 : 532 ، 656 .
(5) رجال النجاشي 302/825 ، [والموجود في النسخة التي بأيدينا هو عُيينة] .
(6) يظهر من المعجم 12 : 112 / 7571 خلافه .
ــ[169]ــ
ونحوهما . على أنّه لو سلّم العجز فلم يفرض ضيق الوقت ، بل الظاهر سعته فله التأخير إلى أن يتمكن من التحصيل ولو بتخفيف حرارة الشمس كي يتمكن من السجود على الحصى ولو قبيل الغروب ، والمدار في العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل العجز المستوعب لمجموع الوقت المنفي في الفرض .
ويندفع : بأنّ الظاهر ولو بمعونة الغلبة أنّ مقصود السائل الدخول في مساجد العامة التي هي مواقع التقية ، ولا ريب أن الإعراض عن ذاك المكان أو وضع شيء ممّا يصحّ السجود عليه على الثوب مخالف للتقية . وأما التأخير إلى آونة اُخرى ترتفع معها التقية فغير لازم ، إذ العبرة فيها بالاضطرار حين العمل لا في مجموع الوقت كما تعرّضنا له في مبحث التقية(1) فالرواية تنطبق على محل الكلام وتعدّ من أدلّة المقام .
ومنها : صحيحة القاسم بن الفضيل قال : «قلت للرضا (عليه السلام) : جعلت فداك ، الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد ، قال : لا بأس به»(2) .
وصحيحة أحمد بن عمر قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه ، فقال : لا بأس به»(3) .
وصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : «كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه ؟ فقال : نعم لا بأس به»(4) .
ولا يقدح اشتمال سند الروايتين الأخيرتين على عبّاد بن سليمان المهمل في كتب الرجال ، لوجوده في أسانيد كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 5 : 267 .
(2) ، (3) ، (4) الوسائل 5 : 350 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 2 ، 3 ، 4 .
ــ[170]ــ
ثبوت وثاقة من كان في طريق هذا الكتاب ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي ونحوه .
نعم ، من لا يعتمد على التوثيق من هذا الطريق كانت الروايتان ضعيفتين عنده لمكان الرجل ، فما في بعض الكلمات من التعبير عن الأخيرة بالصحيح من دون الاعتماد على هذا الطريق ، ليس على ما ينبغي .
هذه هي الأخبار المعتبرة الواردة في المقام ، ومقتضى الاطلاق فيها عدم الفرق في الثوب بين المتخذ من القطن أو الكتّان وما اتخذ من غيرهما من صوف أو شعر ونحوهما .
وقد يدعى تقييدها بالأوّلين ، استناداً إلى صحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه ؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً»(1) .
وفيه : أنّها ليست مما نحن فيه ، إذ لم يفرض فيها استيعاب الثلج لتمام الأرض بحيث لم يوجد مكان فارغ يصح السجود عليه ، بل غايته أنَّ الأرض باردة وأنّه يكون فيها الثلج ، ومجرد كونه فيها لا يقتضي الاستيعاب .
وعليه فيكون حاصل السؤال : أنا نكون في أرض بعض مواضعها ثلج ، فهل يجوز السجود عليه أم يجب اختيار الموضع الفارغ عنه والتصدي لتحصيله كي يقع السجود على نفس الأرض ؟ فأجاب (عليه السلام) بعدم الجواز ، وأنّه يجزئه أن يجعل بينه وبين الثلج شيئاً من القطن أو الكتّان .
وعلى هذا فتعدّ الصحيحة من الأخبار الدالة على جواز السجود على القطن والكتّان اختياراً ، التي تقدم(2) لزوم حملها على التقيّة ، فلتحمل هذه أيضاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 / 351 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 7 .
(2) في ص 131 .
ــ[171]ــ
وإن لم يكن سجد على المعادن((1)) أو ظهر كفه ، والأحوط تقديم الأوّل(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليها ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، فيبقى الاطلاق في تلك الأخبار على حاله فليتأمل . فما صنعه في المتن من تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان في غير محلّه .
(1) هذه هي الجهة الثانية ، وقد ظهر لك مما سبق أنّ البدل الاضطراري الأوّل هو الثوب مطلقاً ، فهو مقدّم على غيره .
ثم إنّه بعد العجز عنه فما هي الوظيفة حينئذ ؟ ذكر في المتن أنّه يتخير بين السجود على المعادن أو على ظهر كفه ، وأفاد (قدس سره) أنّ الأحوط تقديم الأوّل . وذكر بعضهم أنّ الأحوط تقديم الثاني .
أقول : لم يرد في المقام نص خاص يتضمن السجود على المعادن بل ولا على غيرها ، نعم هناك روايتان دلتا على السجود على ظهر الكف ، ولعلّهما المستند في الاحتياط الذي ذكره البعض المزبور .
إحداهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس علىّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال : اسجد على ظهر كفك فانها إحدى المساجد»(2) .
الثانية : روايته الاُخرى قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : يسجد على ظهر كفه فانها إحدى المساجد»(3) .
لكنّ الاُولى ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير ، فانه - كما ورد فيه - كان كذّاباً متهماً ملعوناً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أو على غيرها ممّا لا يصح السجود عليه في حال الاختيار .
(2) ، (3) الوسائل 5 : 351 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5 ، 6 .
ــ[172]ــ
وكذا الثانية بابراهيم بن اسحق الأحمري فانه ضعيف ، ولا جابر لهما - لو سلّم كبرى الانجبار - لعدم عمل المشهور بهما .
وبعد وضوح خلوّ المقام عن نص آخر فلابد من ملاحظة ما تقتضيه القاعدة .
فنقول : مقتضى القاعدة حينئذ وجوب السجود على كل ما يتحقق معه عنوان السجود من دون مدخل لمسجد خاص .
أما أصل وجوب السجود وعدم الانتقال إلى الايماء ، فلقاعدة الميسور المعتبرة في خصوص باب الصلاة ، كما يكشف عنه ما دل على عدم سقوطها بحال ، حيث يظهر منه وجوب الاتيان بالأجزاء والشرائط بقدر الامكان ، لا سيّما وأنّ السجود يعدّ من الأركان ومما تتألف منه ومن الركوع والطهور حقيقة الصلاة كما اُشير إليه في حديث التثليث(1) . وبما أنّ المفروض التمكن من الاتيان بأصل السجود ، وإنما المتعذر رعاية القيد المعتبر في المسجد وهو كونه من الأرض أو نباتها - أو الثوب كما عرفت - فهو المختص بالسقوط ، فتبقى ذات المقيد بحالها .
ومنه تعرف عدم الانتقال إلى الايماء ، لعدم كونه من مراتب السجود فانه إيماء إليه ، والاشارة تباين المشار إليه ، فهو بدل شرع لدى العجز عنه ، والمفروض التمكن منه ، ولا إطلاق لدليل البدلية يشمل صورة العجز عن قيده ، لاختصاص مورده بالمريض ونحوه ممّن لا يتمكن من أصل السجود .
وأما عدم مدخلية مسجد خاص ، فلعدم الدليل بعد خلوّ النصوص ، والأصل البراءة .
ونتيجة ذلك : جواز السجود بعد فقد الثوب على كل شيء ، وأنّ الأبدال كلها في عرض واحد وعلى حد سواء ، من دون فرق بين المعادن - ونعني
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 389 / أبواب السجود ب 28 ح 2 .
|