الثالث : لو سجد على الطين أو التراب أو التربة الحسينية (على مشرفها السلام) فلصق بجبهته ، حكم (قدس سره) بوجوب إزالته للسجدة الثانية ، وهذا هو المعروف ، وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد اللصوق لا يصدق وضع الجبهة على الأرض ، لحيلولة الطين مثلا بينهما ، وإنما يصدق وضع الطين عليها دون الجبهة نفسها فانها كانت موضوعة حال اللصوق ، ولابدّ من إحداث هذا العنوان المنفي في المقام ، فانه إبقاء لما كان لا إحداث للسجود .
أقول : مجرد اللصوق ليس من السجود في شيء ، فانه متقوم بالوضع المتوقف على الاعتماد ، فقبل وضع الجبهة بما عليها من الطين على الأرض لا سجود ، وإنما هناك مجرد اللصوق بجزء من أجزاء الأرض ، وبعد وضع المجموع على الأرض أو على غيرها وإن لم يصح السجود عليه يتحقق اعتماد الجبهة على الطين ، فيتحقق السجود حينئذ ويحدث بعد ما لم يكن .
والحاصل : أنّا لا نضايق من اعتبار الإحداث في امتثال الأمر بالسجود وغيره من سائر الأفعال ، ولا يجزئ الابقاء ، ومن هنا استشكلنا في صحة الوضوء أو الغسل الترتيبي بمجرد التحريك تحت الماء كما مرّ في محله(1) . لكن الإحداث متحقق في المقام من دون حاجة إلى الإزالة ، فكما أنّا لو ألصقنا أحد الجسمين بالآخر ووضعنا المجموع على الرف يصدق معه حدوث وضع الجسم الفوقاني على التحتاني بعد أن لم يكن موضوعاً عليه ، بل كان مجرد اللصوق معه ، فكذا في المقام لا يصدق وضع الجبهة على الطين أو التراب أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 5 : 102 ، العروة 1 : 200/664 .
ــ[175]ــ
التربة إلا عند الاعتماد عليها والهوي إلى السجود ، فلا حاجة إلى الازالة لتحقق مفهوم السجود بدونها ، وإلا لجاز له السجود مرّة أو مرّات عمداً أو سهواً بعنوان الشكر أو بغيره مع تلك الحالة ، لعدم استلزام الزيادة في السجدة قبل الازالة ، لاعتبارها في تحقق مفهومه حسب الفرض ، ولا يظن الالتزام به من أحد .
فما أفاده في المتن من الوجوب مبني على الاحتياط ، والاقوى عدمه(1) فتدبر جيداً .
الرابع : ذكر (قدس سره) أنّه إذا لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد ، وهذا مشكل جداً لما عرفت آنفاً من تقوم السجود بالاعتماد ، فمجرد الالصاق والوضع العاري عنه ليس من حقيقة السجود في شيء ، بل هو مباين له ماهية ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاقتصار عليه استناداً إلى قاعدة الميسور ، لعدم كونه من مراتبه بعد مباينته له ذاتاً ، فلا يعدّ ميسوراً منه ، فلا مناص من الانتقال إلى الايماء المجعول بدلا لكل من كان عاجزاً عن السجود .
وبعبارة اُخرى : بعد سقوط السجود لمكان العجز ، فجواز الاقتصار على الوضع من غير اعتماد يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتعيّن هو الايماء الثابت بدليته لمن لم يتمكن من السجود .
ويشهد لما ذكرناه : موثق عمار المتقدم(2) الصريح في عدم الأمر بالسجود لدى عدم التمكن من تثبيت الجبهة على الأرض .
وموثق أبي بصير قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : من كان في مكان لا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولكنه (دام ظله) عدل عن ذلك في مبحث السجود وجعل الأقوى وجوب الرفع لاحظ [العروة 1 : 497 / 1610].
(2) في ص 173 .
|