وقوع النجاسة فيما يعلم بكريته إجمالاً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8037


    العلم الاجمالي بالكرية

   (1) قد حكم في المتن بطهارة ملاقي النجاسة في المسألة مطلقاً ، واحتاط بالاجتناب في صورة تعيّن الملاقي للنجاسة ، وحكم شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في تعليقته بنجاسة ملاقي النجاسة إذا كان معيناً ، ووافق الماتن في الحكم بطهارة ملاقي النجاسة على تقدير عدم تعينه .

   والوجه فيما أفاده في صورة عدم تعيّن ملاقي النجاسة من الحكم بالطهارة هو أن ملاقي النجاسة إن كان هو الكثير ، فلا يترتب على ملاقاتها أثر قطعاً ، وملاقاتها مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أن يحكم في المعيّن بنجاسته إلاّ إذا سبقت كريته .

(2) هذا كلّه فيما إذا حصلت الكرية من أمر آخر غير الملاقاة كما في مثال الاُنبوبين ، وأمّا إذا حصلت بنفس الملاقاة فنتكلم فيه عن قريب فلا تشتبه .

ــ[198]ــ

القليل المتعيّن عند الله غير معلومة عندنا من الابتداء ، فهو ـ  أي القليل  ـ مشكوك الملاقاة معها ، فيحكم بطهارته تعبداً كما يحكم بطهارة الكثير وجداناً . وأمّا إذا لاقت النجاسة أحد الماءين معيناً ، فالوجه في حكم السيد (قدس سره) بطهارته هو ما  اعتمد عليه في الحكم بطهارة الماء المردد بين الكر والقليل فيما إذا لاقى نجساً ولم يعلم حالته السابقة ، وقد اعتمد فيها على قاعدة الطهارة أو استصحابها لعدم صحة التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، وإن منع عن ترتيب آثار الكرية عليه من كفاية الغسل فيه مرة أو من دون عصر أو إلقائه على النجس .

   وأمّا الوجه فيما حكم به شيخنا الاُستاذ من النجاسة في هذه الصورة فهو ما أسسه هو (قدس سره) من أن الاستثناء إذا تعلق على عنوان وجودي وكان المستثنى منه حكماً إلزامياً أو ملزوماً له فهو بمثابة اعتبار إحراز ذلك العنوان الوجودي في الخروج عن المستثنى منه عرفاً ، ففي المقام لا بدّ من إحراز الكرية في الحكم بعدم الانفعال ، لأن الاستثناء عن انفعال الماء بالملاقاة إنما تعلق بعنوان الكرية وهو عنوان وجودي ، وبما أنه غير محرز في مفروض المسألة فيحكم على الماء بالانفعال (1) وحكمهما (قدس الله أسرارهما) على مسلكهما في محلّه .

   والصحيح أن يفصّل في المقام بالحكم بالنجاسة فيما إذا كان ملاقي النجاسة معيناً إلاّ مع سبق العلم بكريته ، والحكم بالطهارة فيما إذا لم يكن معيناً . وتفصيل ذلك : أن النجاسة إذا لاقت أحدهما المعين فلا يخلو إما أن يعلم كريته وكرية الماء الآخر غير الملاقي للنجاسة سابقاً ، وإما أن يعلم بقلتهما كذلك أي سابقاً ، وإما أن لا يعلم حالتهما السابقة وهذه صور ثلاث ، وهناك صور اُخرى يظهر حكمها مما نبيّنه في حكم الصور المتقدمة إن شاء الله .

   فان علمنا بكريتهما سابقاً فلا إشكال في استصحاب كرية الملاقي المعين للنجاسة ونتيجته الحكم بطهارته مع الملاقاة ، والعلم الاجمالي بعروض القلة على أحد الماءين لا  يترتّب عليه سوى احتمال انقلاب المعين عن الكرية السابقة إلى القلة ، ومع الاحتمال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 464 .

ــ[199]ــ

يجرى استصحاب كريته ، ولا يعارضه استصحاب الكرية في الماء الآخر ، لأنه غير جار في نفسه لعدم ترتب أثر شرعي عليه ، فانّه لم يلاق نجساً حتى يجري فيه استصحاب الكرية . فهذا العلم الاجمالي لا يزيد على احتمال تبدل المعين وانقلابه من الكرية السابقة إلى القلة احتمالاً بدوياً .

   ودعوى : أن الأصل عدم تحقق الملاقاة في زمان كرية الماء . مندفعة : بما أسلفناه في المسألة المتقدمة من أنه لا أساس للأصالة المذكورة بوجه ، ولا أثر لها في الموضوعات المركبة بعد إحراز أحد جزئيها وجداناً ـ  كالملاقاة في المقام  ـ والجزء الآخر بالأصل لارتفاع الشك بذلك .

   وأمّا إذا علمنا بقلة الماءين سابقاً فينعكس الحال ، ونستصحب قلة الملاقي المعيّن وأثره الحكم بنجاسته ، لأنه قليل لاقى نجساً ولا يجري استصحاب القلة في الماء الآخر حتى يعارض استصحاب القلة في الملاقي المعين ، لأنه لم يلاق نجساً حتى يستصحب قلته كما عرفت .

   وأمّا إذا جهلنا حالتهما السابقة فقد عرفت أن السيد حكم بطهارة الملاقي في مثله بقاعدة الطهارة أو استصحابها ، وإن منع عن ترتيب آثار الكرية عليه ، ولكن الماء محكوم بالنجاسة في هذه الصورة على ما سلكناه من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، لأن اتصاف الملاقي بالكرية أمر مسبوق بالعدم ، وبما أ نّا نشك فيه فالأصل عدمه ، فهو ماء لم يتصف بالكرية فيتنجس بملاقاة النجاسة لا محالة هذا ، بل لا مانع من استصحاب عدم كريته على وجه النعت لما قدمناه من أن المياه بأجمعها مسبوقة بالقلة لا محالة ، فان أصلها المطر وهو إنما ينزل قطرات ثم يتشكل منها الكر وغيره فاذا شككنا في بقائه على حاله جرى استصحاب قلته وهو استصحاب نعتي .

   فتلخص أن احتياط الماتن على مسلكه غير لزومي ، وأمّا على مسلكنا فالاحتياط بالاجتناب هو الأظهر ، هذا كلّه فيما إذا كان ملاقي النجاسة معيناً .

   وأمّا إذا لاقت النجاسة أحدهما غير المعين فكلا الماءين محكوم بالطهارة ، وذلك لأن ما لاقته النجاسة واقعاً إن كان هو الكر فلا أثر لتلك الملاقاة ، لأن الكر عاصم

ــ[200]ــ

   [ 110 ] مسألة 12 : إذا كان ماءان أحدهما المعيّن نجس ، فوقعت نجاسة لم يعلم وقوعها في النجس أو الطاهر لم يحكم بنجاسة الطاهر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن كان هو القليل فهي على تقدير تحققها وإن كانت مؤثرة في الانفعال إلاّ أنها مشكوكة من الابتداء والأصل عدمها . وليس هذا من موارد الشك في التقدم والتأخر في شيء ، بل الشك فيه في تحقق أحد الجزءين أعني الملاقاة بعد إحراز الجزء الآخر والأصل يقتضي عدمه فيحكم بطهارة كلا الماءين أحدهما وهو الكر بالوجدان والآخر أعني القليل غير المعين بالتعبد .

   ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم بلوغ الملاقي للنجس غير المعين عندنا حد الكر ، إذ لا أثر لهذا الاستصحاب في نفسه بعد العلم بطهارة الكر وجداناً وبطهارة القليل تعبداً ، ولا يثبت بذلك ملاقاة النجاسة للقليل الموجود في البين ليحكم بانفعاله .

   وتزيد المسألة وضوحاً بملاحظة أن حالها حال ما إذا كان عندنا ماءان أحدهما المعين كر والآخر المعين قليل ، فانّه إذا طفرت قطرة بول على أحدهما اجمالاً فلا كلام في الحكم بطهارة القليل حينئذ وعدم وقوع القطرة عليه ، لأن ملاقاة القطرة للكر لا  أثر لها وملاقاتها للقليل مشكوكة من الابتداء ، والأصل عدم ملاقاتها للقليل ولا  مجال في مثله لاستصحاب عدم بلوغ ما وقعت عليه القطرة كرّاً ، لأنه لا يثبت وقوع القطرة على القليل . هذا على أ نّا لو سلمنا جريان الأصل في ذلك فلا محالة تقع المعارضة بينه وبين استصحاب عدم وقوع القطرة على القليل فيتساقطان ونرجع إلى قاعدة الطهارة في القليل ، فاذا كان هذا حال الماءين مع العلم بكرية أحدهما بعينه فليكن الماءان مع العلم بكرية أحدهما لا بعينه أيضاً كذلك ، فما أفاده السيد في هذه الصورة من الحكم بالطهارة هو الصحيح .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net