ــ[201]ــ
الخامس والعشرون : على القبر(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو كما ترى ، إذ قلّما يوجد مكان فيما بين القبور لا يكون القبر قبلة للمصلي ، فيلزم حمل المطلق على الفرد النادر . فلا مناص من التعميم مع تأكد الكراهة في هذه الصورة كما عرفت . إلا أن يراد من اتخاذ القبر قبلة استقبالها بدلا عن الكعبة المشرّفة كما قد يفعله بعض الجهلة بالنسبة إلى قبور الأئمة ، فتتجه الحرمة في هذه الصورة .
هذا مضافاً إلى أنّ ثبوت البأس المستفاد من مفهوم الصحيحة أعم من أن يكون على سبيل الكراهة أو الحرمة . وكيف ما كان فالجمع المزبور ضعيف .
وأضعف منه تقييد الاُوليين بالأخيرة لينتج اختصاص الجواز بما اذا كان البعد من كل جانب عشرة أذرع ، إذ لازم ذلك ابتعاد كل قبر عن غيره عشرين ذراعاً على الأقل بحيث يكون أحدهما أجنبياً عن الآخر . ومن البيّن أنّ افتراض ذلك في المقابر العامة والمواضع المتخذة مقبرة للموتى كوادي السلام ونحوه ـ التي هي المنصرف من نصوص المقام ـ من البعد والندرة بمكان ، فكيف يمكن حمل المطلقات على هذا الفرد النادر الذي يكاد لا يصدق على مثله عنوان الصلاة بين القبور ، ومن ثم احتمل بعضهم أن يكون الاستثناء في الموثقة من قبيل المنقطع .
وكيف ما كان فالحمل المزبور كسابقه أبعد بكثير مما صنعه المشهور من حمل الموثقة على الكراهة كما لا يخفى .
(1) من الواضح أنّ الموضوع لهذا الحكم هو عنوان الصلاة على القبر بوضع المساجد عليه وإن كان منفرداً ولم يكن معه قبر آخر ويستدل له بجملة من الأخبار كحديث النوفلي «قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر»(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 160/ أبواب مكان المصلي ب 25 ح 7 .
ــ[202]ــ
السادس والعشرون : إذا كان القبر في قبلته ، وترتفع بالحائل(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : عشرة مواضع لا يصلى فيها منها القبور»(1) بناء على أنّ المراد من القبور الجنس الشامل للواحد لا الجمع كي لا يصح الاستدلال بها للمقام .
ورواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يصلى على قبره . . .» الخ(2) . ولكنها باجمعها ضعاف السند كما لا يخفى ، فلا يصح الاستدلال بها ما عدا رواية واحدة وهي معتبرة عبيد ابن زرارة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة أو حمام»(3) . فان القاسم بن محمد الواقع في السند هو الجوهري ، وهو كسليمان مولى طربال من رجال كامل الزيارات(4) .
ومقتضى الجمود على ظاهرها عدم الجواز ، ولم يقل به أحد ، ومن ثم حملها بعضهم على أنّ سبب المنع ارتفاع القبر عن الأرض بأكثر من قدر لبنة ، أو كونه ممّا لا يصح السجود عليه ، ولكنه مخالف لما تقتضيه وحدة السياق من استناد المنع إلى خسّة الأرض وحزازته ، لا إلى وجود مانع خارجي .
ولا يبعد القول بأنّها ناظرة إلى السجود على القبر ، وبينه وبين الصلاة عليه التي هي محل الكلام عموم من وجه ، فهي أجنبية عن المدعى وخارجة عن المقام ، فليتأمل .
إذن فالقول بالكراهة مبني على قاعدة التسامح .
(1) لما تقدّم من صحيحتي معمّر بن خلاّد وزرارة ، وقد مرّ البحث
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 159/ أبواب مكان المصلي ب 25 ح 6 .
(2) الوسائل 5 : 160/ أبواب مكان المصلي ب 25 ح 8 .
(3) الوسائل 5 : 118/ أبواب مكان المصلي ب 1 ح 4 .
(4) عدل (دام ظله) عنه أخيراً ، لعدم كون الرجلين من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .
ــ[203]ــ
السابع والعشرون : بين القبرين(1) من غير حائل (2) ويكفي حائل واحد من أحد الطرفين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حولهما(1) .
(1) هذا بعنوانه لم يرد في شيء من الأخبار ، وإنمّا الوارد فيها عنوان «بين القبور» ومقتضى الجمود على ظاهر صيغة الجمع اعتبار أكثر من القبرين ، إلا أن يتعدى إليهما نظراً إلى ما ذكره في الجواهر من أنّ العبرة بالبينية من غير خصوصية للعدد(2) وهو غير بعيد .
(2) لم يرد لفظ الحائل في شيء من نصوص الباب ، وإنّما استندوا إليه في رفع الكراهة لأجل انصراف النص مع وجوده نظراً إلى ارتفاع عنوان البينية مع تحقق الحائل .
وعليه فلا يكفي مطلق الحائل ، بل لابدّ وأن يكون شيئاً معتداً به كجدار ونحوه بحيث لا يصدق معه العنوان المزبور عرفاً .
فما ذكره المحقق(3) وغيره من كفاية حيلولة العنزة ، بل عن الروض(4) قدر لبنة أو ثوب موضوع ونحوه ، في غاية الاشكال . فانّ دعوى انصراف الأخبار عن مثل هذه الاُمور مما يطلق عليه الحائل توسعاً ، غير قابلة للتصديق . واكتفاء الشارع في ارتفاع الكراهة بمثل ذلك ، بل بوضع العصا في بعض الموارد ـ كمن يصلي وقدّامه إنسان مواجه له ـ لا يستدعي التعدي إلى المقام بعد عرائه عن النص وكون العبرة بصدق البينونة وعدمها كما عرفت ، فلا يقاس أحدهما بالآخر وإن عوّل عليه القائلون بالكفاية ظاهراً فلاحظ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 200 .
(2) الجواهر 8 : 358 .
(3) الشرائع 1 : 86 .
(4) روض الجنان : 228 السطر 24 .
|